الأربعاء، 10 مايو 2017

ألف كتاب وكتاب... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
ألف كتاب وكتاب
عماد أبو غازي

 قبل عشر سنوات تقريبًا، وعلى وجه التحديد في عام 1995 أطلق الدكتور جابر عصفور ـ وكان قد تولى أمانة المجلس الأعلى للثقافة قبلها بسنوات قليلة ـ مشروعًا جديدًا للترجمة، فقد رأى بحس الناقد والمثقف الذي يتطلع إلى المستقبل أن سد الفجوة المعرفية المتزايدة بيننا وبين الغرب يقوم في جزء أساسي منه على الترجمة، مدركًا لأهميتها ومؤكدًا على دورها الفاعل في أي نهضة ثقافية.
 وبدأ المجلس "المشروع القومي للترجمة"، مستهدفا نقل أهم ما يصدر من إنتاج فكري في مختلف مجالات المعرفة من مختلف اللغات إلى القارئ العربي سعيًا إلى تحقيق التواصل الثقافي والحوار الحضاري الإنساني، فماذا حقق هذا المشروع بعد مرور عشر سنوات على بدءه؟


لقد بدأ المشروع بإصدار آحاد من الكتب في العام الواحد، ولقي دعمًا كبيرًا من وزير الثقافة الفنان فاروق حسني، كما تلقى مساندة مادية ومعنوية من بعض المثقفين ومنهم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، بفضل هذا الدعم، وبجهد فريق متفاني من الجنود المجهولين تقوده في السنوات الأخيرة الدكتورة شهرت العالم وطلعت الشايب، أخذ المشروع ينضج ويتطور بسرعة، فوصل عدد الكتب الصادرة في هذا العام أكثر من 300 كتاب.
 لقد وصل عدد الإصدارات الألف كتاب نقلت من ثلاثين لغة بعضها لغات يترجم عنها إلى العربية مباشرة للمرة الأولى، فأحد الخصائص المميزة لهذا المشروع، أن الأعمال التي تصدر فيه، تنقل إلى العربية عن لغاتها الأصلية مباشرة، وقد حرص القائمون على المشروع على كسر احتكار الترجمة عن اللغات الأوروبية الرئيسية الإنجليزية والفرنسية ثم الألمانية.
 وإذا استعرضنا الأعمال الصادرة في هذا المشروع فسوف نجد أن حوالي 35% من بينها مترجمًا عن الإنجليزية والباقي عن لغات غربية وشرقية متنوعة منها: الأسبانية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية والبولندية والفنلندية والأرمينية واليونانية من اللغات الأوروبية، والفارسية والعبرية والأردية والتركية واليابانية والصينية من اللغات الشرقية، ولغات الهوسا والكوسا والسواحيلي والأمهرية من اللغات الإفريقية، هذا فضلًا عن بعض اللغات القديمة مثل المصرية القديمة والسريانية واليونانية القديمة اللاتينية والتركية العثمانية، وهكذا اقتحم المشروع أسوار لغات يترجم عنها إلى العربية مباشرة للمرة الأولى في العالم العربي.
 وإذا كانت الغالبية العظمى من المترجمين في المشروع القومي للترجمة من مصر، فقد شارك في أعمال المشروع مترجمون من سبع دول عربية، المغرب والعراق والسعودية والأردن ولبنان وسوريا وفلسطين، فقد حرص القائمون على المشروع على الانفتاح على مختلف مدارس الترجمة العربية، دون الاقتصار على المدرسة المصرية، إثراء للمشروع وتدعيمًا للتفاعل بين المترجمين العرب، ومن الملاحظ أن بعض الأعمال الكبرى الصادرة في إطار المشروع القومي للترجمة شارك في ترجمتها أكثر من مترجم.
 والمراجعة الأولية لعناوين الإصدارات تكشف عن تنوع في موضوعاتها، ما بين أعمال إبداعية، من روايات ومجموعات قصصية، ودواوين ومسرحيات ونصوص من الآداب القديمة، ودراسات نقدية ولغوية، وأعمال تندرج تحت مختلف فروع العلوم الاجتماعية والإنسانيات، بالإضافة إلى بعض المؤلفات في مجال العلوم البحتة والتطبيقية، ويحرص المشروع القومي للترجمة على الموازنة بين نقل أحدث ما يصدر في الغرب والشرق من أعمال ونقل الأعمال الكلاسيكية أو التأسيسية التي لم تترجم من قبل.
 ومن استعراض قائمة الإصدارات أيضًا يتضح أن هناك تركيز على بعض الموضوعات مثل قضايا المرأة التي صدر فيها ما يقرب من خمسة وعشرين عنوانًا، والعولمة وأثارها وتزيد عدد عناوينها على ثلاثين عنوانًا تتناول الموضوع من زواياه المختلفة المؤيدة للعولمة والمعارضة لها، محللة لآثارها الإيجابية والسلبية باعتبارها واقعًا معاشًا، كما يحتل تاريخ مصر بعصوره المختلفة حيزًا واضحًا في إصدارات المشروع.
 وفي إطار المشروع القومي للترجمة يصدر المجلس عدة سلاسل فرعية منها سلسلة تحمل عنوان "أقدم لك"، وهى موجهة للشباب والنشء بشكل أساسي، حيث تقدم سير أعلام الفكر العالمي الحديث والقديم وأهم الاتجاهات الفكرية والفلسفية وتعرف بفروع العلم المختلفة من خلال نصوص مبسطة مدعمة بالرسوم، كذلك بدأ المجلس في إصدار سلسلة فرعية أخرى في إطار المشروع القومي للترجمة لترجمة الشعر العالمي تحت إشراف لجنة الشعر بالمجلس، وذلك بمختارات من الشعر الأفريقي، وسلسلة ثالثة تحت اسم "ميراث الترجمة" يعاد من خلالها نشر ترجمات قديمة تعود إلى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مع مقدمات جديدة لها.
 ويسعى المشروع القومي للترجمة إلى توفير سبل المعرفة للأجيال القادمة، من خلال نقل أحدث ما يصدر في العالم إلى اللغة العربية، وبنـاء قاعدة علمية ومعرفية صلبة لدى أجيال المثقفين والباحثين المتخصصين، وتيسير سبل تحقيق التفاعل الخلاق مع الثقافات العالمية المعاصرة والانفتاح على التراث الإنساني، وسوف يترك المشروع للأجيال القادمة ثروة معرفية منقولة إلى اللغة العربية من مختلف الثقافـات واللغـات تساهم في إزالة الفجوة العلمية والمعرفية، وتحقق التقارب الثقافي وتعد أساسا تشيد عليه هذه الأجيال وتضيف إليه.

الدستور 4 يناير 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق