الجمعة، 12 مايو 2017

وثائق انتخابات الرئاسة... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
وثائق انتخابات الرئاسة
عماد أبو غازي
 كنت أنوي أن أكمل على موضوع فتوى فضيلة المفتي بشأن التماثيل، لكن صادفني في عدد الدستور الأخير تقرير إخباري صغير كتبه الزميل محمود صالح، التقرير يدور حول وثائق انتخابات الرئاسة التي جرت في العام الماضي، ويحمل عنوانًا مثيرًا: "بعد مكالمة من رئيس اللجنة العليا للانتخابات... دفن وثائق انتخابات الرئاسة في دار الكتب لمدة 6 سنوات.. يا ترى مين يعيش؟"، وقد تفوق أخونا محمود صالح على زميلنا الذي كتب موضوع قانون الوثائق الجديد في جريدة الوفد في كمية الأخطاء وخلط الحقائق بصورة مذهلة.
 ولا أعرف السبب في هذا الكم من اللخبطة والالتباس الذي يحدث عندما تتناول الصحافة موضوع الوثائق؟
 التقرير الذي لا تصل كلماته إلى 300 كلمة به نصف دسته من الأخطاء!
 وبعيدًا عن تقييم كاتب التقرير لانتخابات الرئاسة، فهذا رأيه وهو حر فيه، تحدث الأخ محمود عن عملية سرية سريعة خاطفة لنقل وثائق انتخابات الرئاسة إلى دار الوثائق القومية لحفظها بها، ولا أفهم ماذا يقصد محمود بالسرية، هل المفترض أن تنقل الوثائق في زفة إسكندراني تسير فيها السيارات والمتوسكيلات تطلق كلاكساتها حتى يرتاح الأخ محمود، وحتى لا يكون نقل الوثائق سريًا؟ وهل علم محمود أو غير محمود من قبل وطوال 52 سنة هي عمر دار الوثائق بنقل وثائق إلى الدار؟ إن الوثائق الحكومية تنقل إلى دار الوثائق دومًا دون زفة أو ضجة ودون أن يعني هذا أنها تنقل في سرية، فاستلام وثائق الدولة عمل يومي للدار يتم دون ضجيج ودون أن يشعر به أحد، فياريت الأستاذ محمود يقولنا إمتى حضرته كان سمع بعمليات نقل الوثائق إلى الدار؟
 الأمر الثاني يبدو أن الأستاذ محمود ومصدره لا يعرفان شيء عن دار الوثائق ونظمها، ومع ذلك يتصدى محمود بجرأة ليفتي فيما لا يعرفه مؤكدًا أنه طبقًا لنظام العمل بالدار كان ينبغي أن تضم الوثائق إلى "إدارة الجمع" التي تحوي أرشيف العصر الملكي ووثائق وزارة الخارجية وكل ما يتعلق بالتاريخ السياسي، ويستطرد التقرير بتاع محمود قائلًا: إلا أن الدكتور محمد صابر عرب رئيس الدار أنشأ قسم الوثائق السيادية، خصيصًا لأوراق انتخابات الرئاسة"، وكل ما في هذه السطور التي كتبها محمود كلام  فارغ لا أساس له، فإدارة الجمع مجموعة من موظفي الدار مهمتهم جمع الوثائق من الجهات الحكومية لإيداعها في الدار، ولا تحتفظ إدارة الجمع بأي مجموعات من الوثائق لا وثائق التاريخ السياسي ولا غيرها، إنما يقتصر عملها كما هو واضح من اسمها على جمع الوثائق فقط، أما المجموعات الوثائقية التي ذكرها السيد محمود: أرشيف العصر الملكي ووثائق الخارجية وغيرها من وثائق التاريخ السياسي، فمحفوظة في إدارة الوثائق السيادية، وتلك الإدارة لم ينشئها الدكتور محمد صابر عرب، بل هي موجودة منذ إنشاء الدار سنة 1954، وتضم إلى جانب وثائق الخارجية التي ذكرها محمود وثائق الداخلية والجهادية، وإلى جانب وثائق العصر الملكي، هناك وثائق رئاسة الدولة منذ كانت ولاية عثمانية، ففيها وثائق الديوان العالي من العصر العثماني وديوان المعية السنية من عصر محمد علي والديوان الخديوي والديوان السلطاني والديوان الملكي ووثائق المجالس النيابية ووثائق مجلس الوزراء وغيرها، والمكان الوحيد الطبيعي لحفظ وثائق انتخابات الرئاسة، هو تلك الإدارة، إدارة الوثائق السيادية، وهي واحدة من ست إدارات تنقسم إليها المجموعات الأرشيفية بالدار: إدارة الوثائق السيادية وإدارة وثائق الإنتاج وإدارة المحليات وإدارة وثائق الخدمات وإدارة المحاكم وإدارة الوثائق الخاصة، يعني ما فيش مؤامرة ولا يحزنون غير في عقل السيد محمود ومصدره الذي لا يعرف شيء عن دار الوثائق. 
 ولا أفهم في الحقيقة مبرر الاعتراض على أن تظل وثائق انتخابات الرئاسة سرية لمدة ست سنوات، وما ذنب دار الوثائق القومية في ذلك إذا كانت هذه السرية مفروضة بقانون رسمي كما تقول، وما المشكلة إذا كانت كل الوثائق الحكومية تحفظ في جهاتها 5 سنوات على الأقل لا يحق للجمهور الإطلاع عليها، كما إن القانون الحالي يعطي للجهات الحكومية حق فرض السرية على الوثائق لمدة تصل إلى 50 سنة، وفي جميع الأحوال يجوز إلغاء السرية بحكم قضائي.
 أما وضع الوثائق في الدار مع منع الإطلاع عليها لمدة ست سنوات فأمر مسبوق في مصر، ومتعارف عليه دوليا في نظم عمل الأرشيفات القومية في العالم كله، فيجوز إيداع الوثائق في الأرشيف كوديعة مغلقة لا تفتح إلا بعد مدة محددة أو بشروط تحددها الجهة صاحبة الوثائق، وقد سبق أن احتفظت دار الوثائق بمجموعة وثائق مكتب المشير عامر مغلقة بالشمع الأحمر لمدة ثلاثين عامًا قبل أن تفتح ويتم فرزها والتعرف على محتوياتها، وكان هذا أمرًا طبيعيًا ومفهومًا ما دامت مدة السرية القانونية قائمة.
 أخيرًا أعتقد أن تصرف اللجنة القضائية للانتخابات الرئاسية، وتصرف المستشار أسامة عطاوية تصرف حضاري يستحق التحية، فقد سلمت اللجنة الوثائق إلى الجهة الطبيعية التي ينبغي أن تكون فيها، دار الوثائق القومية حتى لا تضيع وتكون تحت تصرف الباحثين بعد انتهاء مدة الحظر القانوني.   

الدستور 19 أبريل 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق