الجمعة، 12 مايو 2017

قانون الوثائق... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
قانون الوثائق
عماد أبو غازي



 يوم الجمعة الماضي 3 مارس صدرت جريدة الوفد وقد تصدر صفحتها الأولى عنوان كبير بالأحمر الفاقع يقول: "مؤامرة جديدة ضد حرية الصحافة"... "إحالة مشروع قانون الوثائق سرًا إلى مجلس الدولة، قيود جديدة على تداول المعلومات.. وتجاهل مطالب الصحفيين والباحثين"... وفي متن الخبر يتحدث كاتبه مجدي حلمي عن أبعاد المؤامرة التي يتصور أنه اكتشفها، مؤامرة ضد حرية الصحافة حسبما يتوهم، لم أر في حياتي كمًا من المغالطات وخلط الأمور والحديث بلا معرفة في خبر واحد مثل ما رأيت في هذا الخبر.
 وخلاصة مؤامرة السيد مجدي كما يرويها في خبره: إن الحكومة تقدمت سرًا إلى مجلس الدولة بمشروع قانون جديد للوثائق يتضمن وفقًا لما زعمه فرض قيود جديدة على تداول الوثائق، وتوسيع دائرة الحظر لتمتد إلى وثائق إدارية، وبداية لا أعرف معنى أن تتقدم الحكومة "سرًا" بقانون إلى مجلس الدولة؟ وهل المفترض أن تنشر الحكومة إعلانات في الصحف قبل أن ترسل القانون إلى مجلس الدولة لدراسته؟ ثم ما هو وجه السرية في الموضوع؟ لقد تمت مناقشة موضوع هذا القانون في أكثر من ندوة ومؤتمر علمي علني كانت الدعوة فيها جميعًا عامة، بل إنه منذ شهور خصصت الندوة الدولية التي عقدت بمناسبة الاحتفال بمرور 50 سنة على تأسيس دار الوثائق جلسة خاصة لمناقشة القانون، شارك فيها متخصصون في الوثائق والتاريخ إلى جانب صحفيين وأعضاء من مجلس الشعب، هذا فضلًا عن جلسات النقاش والاستماع التي عقدت عقب الضجة التي صارت منذ ثلاث سنوات عندما تم تقديم القانون وقتها إلى مجلس الشعب، وشارك فيها ممثلون لأطراف القضية والمعنيون بالموضوع، فضلًا عن المناقشات التي دارت على صفحات الجرائد، وهذا هو ما يطالب به كاتب الخبر "حتى يصدر القانون متوافقًا مع الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر"، لكنه لا يتابع ولا يعرف، فأين السرية إذًا؟ إلا إذا كان ما لا يعلمه سيادته لا بد أن يكون سرًا.
 أما عن فرض قيود جديدة على تداول الوثائق وتوسيع دائرة الحظر، أي حظر لا أعرف، لتشمل الوثائق الإدارية، فهذا نموذج للخلط الشديد لدى كاتب الخبر وغيره ممن يتصدون للموضوع دون علم أو معرفه بأبعاده، ودون متابعة لما يجري في العالم كله، فالأصل في مصر وفي العالم شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا أن الوثائق عندما تصدر في سياق النشاط اليومي لمؤسسات المجتمع العامة والخاصة يتم تداولها بين من أصدروها أو تلقوها في الأغراض التي أنشئت من أجلها، ولا يمكن أن تكون متداولة بين كافة الناس، وقانون الوثائق في مصر وفي أي بلد في الدنيا معني بالوثائق بعد انتهاء استخدامها في الهيئات الحكومية أو الخاصة، وينظم عملية حفظ ما له قيمة منها حفظًا دائمًا في الأرشيف القومي، الذي يسمى في مصر "دار الوثائق القومية" بهدف إتاحتها للباحثين المتخصصين في التاريخ بالدرجة الأولى، ولغيرهم ممن يحتاج إلى ما تحويه من بيانات ومعلومات، وهذا ما يسعى إليه مشروع القانون الجديد، والذي ثارت حوله مجموعة من الشكوك والشبهات التي لا أساس لها بسبب الحملة التي شنتها جريدة الوفد أيضًا عند محاولة إصداره من ثلاث سنوات، وهي الشكوك التي يحاول كاتب الخبر إثارتها مجددًا.
 وأصل حكاية قانون الوثائق في مصر أن القانون المعمول به حاليًا صادر سنة 1954، وأدخلت عليه بعض التعديلات التي شددت عقوبة إفشاء الوثائق السرية في سنوات 75 و78 و83، هذا القانون أنقضى على صدوره أكثر من نصف قرن تغيرت فيها مفاهيم علم الأرشيف في العالم كله، وظهرت أشكال وأنواع جديدة من الوثائق لم تكن موجودة وقت صدور القانون، كما شاعت في السنوات الأخيرة ظاهرة ضياع كثير من وثائقنا بالإعدام أو البيع بسبب ثغرات القانون القائم، ومن هنا كان لا بد من صدور قانون جديد يسد كل هذه الثغرات ويعالج المستجدات في مجال الوثائق والأرشيف، وقد بدأ الإعداد لإصدار القانون الجديد من خلال لجان من المتخصصين في التاريخ والوثائق والقانون استمرت في عملها منذ 1995 وخلال ثلاث سنوات درست اللجان تشريعات الوثائق في مختلف دول العالم، ودرست تطور تشريعات الوثائق في مصر، كما درست واقع حالنا وانتهت بتقديم المشروع الذي أخذ طريقه إلى أن قدم لمجلس الشعب وثار حوله ما ثار، وعاد القانون بعد سحبه إلى لجان جديدة لمناقشته بعد الاستماع لأراء المعارضين والمؤيدين.
 القانون يهدف من خلال نصوصه إلى إرساء مجموعة من المبادئ تضمنها المشروع الذي سحب والمشروع الجديد، أولها أن الأصل هو العلانية في الوثائق، وثانيها أن دار الوثائق مسئولة عن جمع الوثائق التي تصدرها وتتلقاها مؤسسات الدولة المختلفة والمؤسسات الخاصة بغض النظر عن شكلها ونوعها بحيث يدخل في ذلك الأفلام الوثائقية والصور والتسجيلات الصوتية ومخرجات الحاسب الآلي، لكن ذلك يأتي بعد انتهاء استخدامها في الأغراض التي أنشئت من أجلها، ثالثها أن الهدف من جمع الوثائق وحفظها إتاحتها للباحثين وللمواطنين.
  فهل قانون له هذه الأهداف ممكن أن يهدد حرية الصحافة؟
للحديث بقية...

الدستور 22 مارس 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق