الخميس، 11 مايو 2017

مرة أخرى هناك أمل... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
مرة أخرى هناك أمل
عماد أبو غازي
 لقد أصبح تقديم ثقافة عربية للعالم مختلفة عن تلك التي يقدمها الإرهابيون عبر عملياتهم الإرهابية ورسائلهم المفخخة مهمة حيوية حتى يعرف العالم إننا نملك ما نقدمه للحضارة الإنسانية، والترجمة، ترجمة آدابنا وثقافتنا إلى لغات العالم المختلفة أحد طرقنا إلى هذا.
 وخلال الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب كانت قضية ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية موضوعًا لعديد من الندوات، وكان العائق الأساسي الذي اتفق معظم المشاركين في تلك الندوات على أنه يقف أمام انتشار الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية يتمثل في وجود الناشر الذي يتحمس لنشر الأعمال المترجمة من العربية إلى لغات أجنبية.
 ولا شك عندي في أن نقطة الضعف الأساسية أمام جهود الترجمة تكمن هنا بالذات، فنشر الكتاب صناعة تحكمها مثلها مثل أي صناعة أخرى معايير الربح والخسارة، وبالتالي فإن لم يتأكد الناشر من خلال دراسة واضحة من إمكانيات الربح فلن يقدم على خوض تجربة نشر الترجمات من العربية إلى لغة بلده.
 وهناك عدة تجارب فيما يتعلق بمصر في مجال الترجمة من العربية إلى لغات أجنبية، لكنها تجارب متفاوتة في حجمها وأهدافها وقدر ما تحقق لها من نجاح، وتحتاج تلك التجارب إلى وقفة تقييم لنرى ما إذا كان لها المردود الإيجابي المناسب، وهل تعطي مؤشرات يمكن الاستفادة منها مستقبلًا، وكيف يمكن أن يكون النجاح حليفًا لعمليات الترجمة إلى اللغات الأجنبية، وما نوع الدعم الملائم الذي تحتاجه تلك العمليات.
 لدينا تجربة قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة المصرية، حيث يقوم هذا القطاع في إطار نشاطه اليومي بترجمة الأعمال الإبداعية المصرية فضلًا عن بعض المؤلفات المهمة من العربية إلى لغات أجنبية متعددة، والتجربة ترجع إلى سنوات طويلة مضت وما زالت مستمرة إلى الآن، لكن منتجها النهائي يوجه إلى المكاتب الثقافية والسفارات المصرية في الخارج لتدعيم مكتباتها، كما يهدى بعضه إلى مكتبات الجامعات والمؤسسات البحثية المهتمة بالدراسات العربية، وبالتالي لا يصل إلى جمهور واسع من القراء الأجانب، ولا ينمي إمكانيات اتساع سوق الكتاب العربي بين المتحدثين بلغات أجنبية.
 ولدينا تجربة وقتية ومحدودة في المجلس الأعلى للثقافة، فبمناسبة المشاركة العربية في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004 أصدر المجلس عملين، الأول بالألمانية والثاني بالعربية والألمانية معًا، ورغم أن التجربة محدودة على كل المستويات إلا أنها تعطينا مؤشرات مهمة فيما يتعلق باقتصاديات إنتاج الكتاب المترجم إلى لغة أجنبية، لقد بلغت تكلفة نسخة الكتاب الأول الصادر بالألمانية ما يقابل يورو واحد، بينما بلغت تكلفة الكتاب الثاني يورو ونصف اليورو، الأمر الذي يعطي ميزة تنافسية لهذه الكتب في سوق الكتاب الأوروبي، بالطبع المجلس الأعلى للثقافة مؤسسة لا تهدف للربح، لكن أي مؤسسة نشر ربحية في مصر تقوم بهذا العمل يمكن أن تصدر الكتب المترجمة من العربية إلى اللغات الأوروبية المختلفة بأسعار لا تقبل التنافس.
 هناك كذلك تجربة متميزة ما زالت في بداياتها الأولى، أقصد تجربة دار "لسان" التي يشرف عليها باحث وناقد مصري شاب هو حسن حماد وقد بدأت عام 2004، وصدر عنها ثلاثة أعمال أدبية مترجمة من العربية إلى الألمانية ربما تكون وصلت إلى ستة أعمال عند نشر هذه السطور، كما أصدرت الدار مجلة بالألمانية تهدف إلى تقديم الأدب العربي إلى قرأ الألمانية، ومن الممكن لهذه التجربة أن تحقق نجاحًا كبيرًا لو لقيت الدعم المناسب.

حسن حماد يعرض تجربته في صالون جنيف للكتاب والصحافة
 وأعتقد أن هناك إمكانيات لدعم عربي حكومي أو أهلي من خلال رعاة من رجال الأعمال والشركات الكبرى لمشروعات للترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية، يمكن من خلال هذا الدعم أن نخفض من المخاطر الاقتصادية لتلك المشروعات للترجمة، إلى أن تقف على قدميها وتخلق قارئ للكتاب المترجم عن العربية في السوق الخارجي.
  القضية في اعتقادي ليست في غياب عناصر نشر الكتاب المترجم من العربية إلى اللغات الأجنبية لكن في دراسة دقيقة لعناصر إنتاج هذا الكتاب وتسويقه، وخاصة وأن أكبر مؤسسة حكومية مصرية للنشر، أقصد الهيئة المصرية العامة للكتاب تستعد لاقتحام تجربة جديدة في مجال الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية، تجربة يمكن أن تحقق نجاحًا غير مسبوق لو توفر لها الدعم المالي المناسب، بعد الدراسة الوافية التي تسعى للإجابة على بعض الأسئلة:
 ما التمويل الذي نحتاجه؟
ما الفارق بين سوق الكتاب في أوروبا وسوق الكتاب العربي في أرقام التوزيع وآلياته؟
هل الأجدى أن نساهم في تمويل مشروعات لدور نشر في أوربا لترجمة أعمال عربية إلى لغات أوروبية، أم أن نطبع الأعمال في مصر، بمعنى إنتاج الكتاب في مطابع المناطق الحرة وتصديره؟
 إنها قضية تمويل وإدارة للموارد، وقبل ذلك قضية إرادة أظنها متوفرة.
لكن قبل هذا كله لماذا نحاصر أنفسنا في الشكل التقليدي للكتاب وصناعته المرتبطة بعصر الثورة الصناعية؟ لماذا لا نفكر بأفق مغاير يناسب مجتمع المعرفة وعصر ما بعد ثورة المعلومات وثورة الاتصالات؟ أو لم تتح الثورتان وسائل جديدة لاكتساب المعرفة وإمكانيات لتجاوز مشكلات طباعة الكتاب ونشره؟

الدستور 8 فبراير 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق