الأربعاء، 10 مايو 2017

أسبوع الأعياد... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
أسبوع الأعياد
عماد أبو غازي
  قديمًا في مصر كان الناس يتفاءلون عندما تجتمع الأعياد الدينية المختلفة مع بعضها، وكان تزامن الاحتفالات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية من الأمور اللافتة لنظر المؤرخين، التي تستوقفهم ليكتبوا عنها باعتبارها من طرائف الأمور، وطبعا فإن هذا التزامن يقع بسبب اختلاف التقاويم، قمري ـ نجمي ـ شمسي ـ قمري شمسي، الذي يجعل أيام السنة القمرية تدور حول السنة النجمية والسنة الشمسية، وهذا الأسبوع عندنا في مصر أسبوعًا للأعياد نحتفل في مطلعه بعيد الميلاد المجيد وفقًا للتقويم المصري (القبطي). 


 وفي بقيته بعيد الأضحى المبارك وفقًا للتقويم الهجري.


والاحتفال بعيد الميلاد المجيد عاد مرة أخرى منذ عامين احتفالًا مصريًا عامًا تعطل فيه المصالح الحكومية والمدارس بعد انقطاع دام مئات السنين كان المسيحيون المصريون يحتفلون فيه وحدهم بهذا العيد، ولو عدنا إلى الوراء لكتب التاريخ سوف نكتشف أن مصر كلها "حكومة وشعبًا" زي ما بنقول دلوقتي، كانت تحتفل بعيد الميلاد المجيد باعتباره واحدًا من أهم الأعياد في البلاد، والمصادر التاريخية تؤكد أن هذا الاحتفال كان احتفالًا مصريًا عامًا منذ العصر الفاطمي على الأقل واستمر الحال كذلك إلى عصر المماليك، ولو عدنا إلى ما قاله شيخ المؤرخين المصريين وكبيرهم تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" المشهور بخطط المقريزي، والذي يعد سجلًا لتاريخ مصر الاجتماعي في العصور الوسطى، فسوف نجده يعد "ليلة الميلاد" ضمن الأعياد المسيحية الكبرى في مصر حتى عصره (النصف الأول من القرن الخامس عشر)، فيقول عن هذا العيد: " ليلة الميلاد وسنتهم فيه كثرة الوقود بالكنائس وتزينها، ويعملونه بمصر في التاسع والعشرين من كيهك. ولم يزل بمصر من المواسم المشهورة"، وبالمناسبة فنحن نحتفل بعيد الميلاد في مصر إلى الآن في 29 كيهك وفقًا لتقويمنا المصري والذي يصادف 7 يناير في التقويم الميلادي وكان يقابل قديمًا 25 ديسمبر حتى قام بابا روما جريجوري الثالث بتعديل التقويم الميلادي في القرن السادس عشر.
 ويتحدث المقريزي عن الاحتفال في أيام الدولة الفاطمية، التي بلغ في عصرها اهتمام الدولة بالاحتفالات الشعبية أقصى مداه، مؤكدًا أن الدولة كانت تعتبر هذا العيد من بين الأعياد الرسمية التي كانت تفرق فيها الأطعمة من قصر الخليفة على أرباب الرسوم من الأمراء وكبار رجال الدولة من المدنيين والعسكريين وعلية القوم عمومًا، ويعدد الأطعمة التي كانت توزع في ذلك اليوم ما بين أنواع الحلوى والأسماك، فيذكر من تلك الأطعمة "الجامات من الحلاوة القاهرية، والمثارد التي فيها السميذ، وقربات الجلاب، وطيافير الزلابية، والسمك المعروف بالبوري".
  ويبدو أن الدولة بعد زوال الخلافة الفاطمية وقيام دولة الأيوبيين قد توقفت عن الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، مع توقف كثير من مظاهر البهجة في حياة المصريين، لكن العيد ظل عيدًا لكل المصريين، مسلمين ومسيحيين، ويذكر المقريزي من أساليب احتفال المسيحيين في عيد الميلاد "اللعب بالنار"، ويقول أيضًا عن مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد التي كان المصريون جميعًا مسلمين ومسيحيين يمارسونها، والتي عاصرها بنفسه: "وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر إقليم مصر موسمًا جليلًا، يباع فيه من الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشترى من ذلك لأولاده وأهله. وكانوا يسمونها الفوانيس، ويعلقون منها في الأسواق بالحوانيت شيئًا يخرج عن الحد في الكثرة والملاحة. ويتنافس الناس في المغالاة في أثمانها، حتى لقد أدركت شمعة عملت فبلغ مصروفها ألف درهم وخمس مائة درهم فضة، عنها يومئذ ما ينيف على سبعين مثقالًا من الذهب".
 كما يذكر أنه شاهد المتسولون في الطرقات أيام هذه المواسم "وهم يسألون الله أن يتصُدق عليهم بفانوس، فيُشتري لهم من صغار الفوانيس ما يبلغ ثمنه الدرهم وما حوله".
 ويبدو أن الاحتفال بدء يتراجع مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت مصر في القرن الخامس عشر، ويقول في ذلك: "ثم لما اختلت أمور مصر، كان من جملة ما بطل من عوائد الترف عمل الفوانيس في الميلاد إلا قليلًا".
  والغريب أن وصف المقريزي للاحتفال الرسمي بعيد الأضحى المبارك في عصر الدولة الفاطمية لا يختلف كثيرًا عن الاحتفال بعيد الميلاد المجيد من حيث توزيع الأطعمة والعطايا على أرباب الدولة، وكان أهم ما يميز عيد الأضحى موكب الخليفة لصلاة العيد، وطقوس ذبح الأضحية وتوزيعها، وظل الاحتفال الأهم المرتبط بعيد الأضحى في مصر، تلك الطقوس المصاحبة لخروج قافلة الحج المصرية في طريقها إلى الحجاز خاصة طوال القرون التي كانت كسوة الكعبة ترسل فيها من مصر، وقد ارتبطت الكسوة بمصر منذ أقدم العصور وكانت الأقمشة التي تكسو الكعبة تسمى قباطي نسبة إلى الأقباط الذين اشتهروا عبر العصور بصناعة أجود الأقمشة، وقد ظلت مصر ترسل كسوة الكعبة إلى الحجاز إلى أن منعتها الحكومة السعودية أثناء الأزمة في العلاقات بين البلدين في زمن الملك سعود والرئيس عبد الناصر.

الدستور 11 يناير 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق