الأربعاء، 31 يوليو 2019

هل ستنعقد القمة الثقافية العربية حقا؟ من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
هل ستنعقد القمة الثقافية العربية حقا؟
عماد أبو غازي
 
 من التوصيات المهمة التي انتهى إليها لقاء بيروت التحضيري للقمة الثقافية في يوليو الماضي، تلك التوصيات التي تتعلق بإعلاء القيم الإنسانية وحوار الثقافات، وفي هذا الصدد أوصى اللقاء بضرورة أن تتبنى القمة الثقافية العربية، إنشاء معهد عربي لحوار الحضارات، وإنشاء مؤسّسة لتدريب الشباب على الحوار وجدوى احترام القيم الإنسانية، انطلاقاً من اعتبار أن الحفاظ على القيم مسؤولية أساسية من مسؤوليات الدولة، ويجب رعاية ذلك والعمل على تحقيقه؛ وكذلك العمل على وضع معجم موسوعي عربي لتحديد سلم القيم النظرية الإنسانية العقلية والدينية لتكون مرجعًاً أساسيًا في برامج التعليم من ناحية، ولكافة فئات المجتمع من ناحية أخرى.
 وفي هذا السياق أيضا أوصى اللقاء بتأسيس وقفيات وطنية في جميع الدول لدعم مؤسّسات المجتمع المدني ومراكز البحوث التي تعمل على الحفاظ على القيم المجتمعية والوطنية لضمان الدعم الدائم لمثل هذه المؤسسات، مع ضرورة التعاون بين المؤسّسات الدينية والمؤسّسات المدنية من أجل تعزيز القيم المدنية والدينية وإيجاد توازن بينها.
 كما انتبهت التوصيات إلى أهمية العمل على جعل منظومة القيم المجتمعية والوطنية جزءًا من مناهج المراحل الدراسية المختلفة؛ وإدراج قيم احترام التعدّدية والتنوّع وحقّ الاختلاف داخل المجتمعات العربية في المناهج التربوية والأنشطة الإعلامية انطلاقًا من اعتبارها مصدر غنى وليس مصدر أزمات.
 وعلى صعيد آخر دعى اللقاء القمة إلى تبني العمل على وضع آلية للحوار بين القيادة السياسية ومثقفي ومفكري الوطن بشكل دوري لتحقيق تعاون مشترك لخدمة الوطن.
  ولم تقتصر التوصيات على الاهتمام بالحوار مع الآخر المختلف في الغرب والشمال، بل تبنت كذلك أهمية فتح حوار معمّق مع الثقافات الآسيوية التي أقامت معها الثقافة العربية تاريخًا طويلًا من التفاعل الثقافي، والاستفادة من تجربة تلك الدول الشرقية التي نجحت في إقامة التوازن الثقافي بين الأصالة والمعاصرة.
 أما موضوع السوق الثقافية العربية فقد احتل حيزًا مهمًا من التوصيات، دارت حول ضرورة العمل على مراجعة كافة الوثائق المتصلة بالعمل الثقافي العربي المشترك وتحديثها وتفعيلها، خصوصًا أن هناك عديد من الاتفاقيات التي تحتاج إلى أن تفعل وتدخل حيز التنفيذ، ومشروعات الاتفاقيات التي تحتاج إلى إقرارها في مجالات السوق الثقافية والصناعات الثقافية، وقد عملت على هذه الاتفاقيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم منذ سبعينيات القرن الماضي، وقدمت الكثير في هذا الصدد، ويحتاج الأمر إلى قرار سياسي كي تدخل مثل هذه الوثائق إلى حيز التنفيذ.
 وقد دعت التوصيات كذلك إلى اتخاذ إجراءات متعددة على مستوى الدول العربية مجتمعة وعلى المستوى القطري، مثل: الدعوة إلى إنشاء مركز معلومات للإنتاج الثقافي العربي والصناعات والخدمات المتصلة به، وإنشاء صندوق للتنمية الثقافية يدعم الإنتاج الثقافي، ويشجّع على الاستثمار في الصناعات والخدمات الثقافية، وإنشاء مصارف عربية متخصّصة تعمل على دعم الاستثمار في الصناعات الثقافية وفق معايير الجودة، وتأسيس شركات عربية للتوزيع، برأسمال أهلي، وتوجيه الأقطار العربية إلى إصدار تشريعات تسهم في تعزيز الاستثمار في هذا المجال، وإعطاء معاملة تفضيلية لصناعة الكتاب في الوطن العربي من خلال التشريعات الضريبية والجمركية، مع اهتمام خاص بصناعة الكتاب الرقمي والاهتمام برقمنة كتب التراث العربي ونشرها في هذا الوعاء الإلكتروني، وإقامة صناعة عربية للورق برأس مال مشترك، كجزء من حماية الأمن الثقافي العربي، ودعم صناعة السينما وأنواع الإنتاج الفني الأخرى، مع تشجيع الاستثمار في هذا المجال، وتقديم التسهيلات والحماية اللازمة لها، وإنشاء مراكز تحديث وتطوير للصناعات الثقافية في الأقطار العربية، وذلك لبناء القدرات الذاتية للمؤسّسات العاملة في هذا المجال، بالتركيز على التدريب والاستشارات ونقل الخبرات.
 ثم الدعوة إلى زيادة الموارد المخصّصة للثقافة في كلّ قطر عربي، وإلى تنقية التشريعات الوطنيّة، خصوصاً في مجاليّ الضرائب والجمارك، من كلّ ما يعوق مسيرة الإنتاج الثقافي، والعمل على تحفيز الوظيفة الثقافية لرأس المال الخاص ومؤسسّسات المجتمع المدني لتوجيه جزء من استثماراتهم وجهودهم إلى المجال الثقافي.
 كما ترددت في اللقاء الدعوة إلى عقد "قمة" شعبية موازية تضم ممثلين
للمثقفين والكتاب والمبدعين، ولروابطهم ونقاباتهم ومنظماتهم المختلفة، وممثلين للقطاعات الفنّية وقطاعات الإنتاج والتوزيع، وللقائمين على الصناعات الثقافية بشكل عام.
 لكن يبقى السؤال قائم بعد هذا كله، هل ستنعقد قمة ثقافية عربية حقا؟
 الدستور 4 أغسطس 2010

القمة الثقافية العربية... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
القمة الثقافية العربية
عماد أبو غازي
 شهدت العاصمة اللبنانية بيروت يومي 13 و14 يوليو اجتماعًا تشاوريًا للإعداد للقمة الثقافية العربية، التي يفترض أن تعقد في العام القادم، عقدت الاجتماعات بدعوة من مؤسسة الفكر العربي، وشارك فيها قرابة مائة وعشرون مثقفًا من ثمانية عشر بلد عربي، ومؤسسة الفكر العربي وهي مؤسسة أهلية عربية أسسها الأمير خالد الفيصل منذ عشر سنوات واتخذت بيروت مقرًا لها، كانت قد تبنت الدعوة إلى عقد قمة ثقافية عربية، تلك الدعوة التي أطلقها الدكتور مصطفى الفقي عضو الهيئة الاستشارية للمؤسسة منذ عام تقريبًا في أحد مؤتمراتها الثقافية، ومنذ ذلك الحين تسعى المؤسسة ورئيسها الأمير خالد الفيصل لتحويل الدعوة إلى حقيقة واقعة من خلال التنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.


 وكان اتحاد الكتاب والأدباء العرب الذي يرأسه الكاتب المبدع الأستاذ محمد سلماوي قد تبنى دعوة مماثلة في نفس الوقت تقريبًا، واتخذ الاتحاد هو الآخر خطوات عملية في اتجاه الدعوة لعقد القمة، وفي المؤتمر الأخير للاتحاد بمدينة سرت الليبية عرض مجلس الاتحاد ورئيسه الفكرة على الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي فتبنتها القمة العربية الأخيرة التي عقدت في سرت، وبات من المحتمل أن تنعقد قمة عربية ثقافية على غرار القمة الاقتصادية العربية التي عقدت مؤخرًا.
 ومن هنا فقد بات من الضروري أن تبدأ اللقاءات التشاورية للإعداد لجدول أعمال القمة الثقافية، ولتقديم المقترحات ومشروعات القرارات ومسودات الاتفاقيات التي يرى أصحاب الشأن أن على القمة العربية الثقافية أن تتبناها.
 وأصحاب الشأن هنا هم بالطبع المبدعون من ناحية ومؤسسات العمل الثقافي من ناحية أخرى، سواء المؤسسات الحكومية أو الأهلية أو الخاصة.
 وقد شهدت الأسابيع الأخيرة اجتماعين تحضريين، عقد الأول في القاهرة بدعوة من اتحاد الكتاب والأدباء العرب، وحضره ممثلون لاتحادات الكتاب في الدول العربية، وممثلون لبعض المنظمات النقابية الثقافية العربية، وعدد من المثقفين.
 أما الاجتماع الثاني فكان اجتماع بيروت الأخير الذي دعت إليه مؤسسة الفكر العربي، وشهد تمثيلًا للمسؤلين الثقافيين الحكوميين في عدد من الدول العربية، ولجامعة الدول العربية وللمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إلى جانب رؤساء الاتحادات العربية، وممثلين لبعض منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الثقافة، وعدد كبير من المبدعين والمثقفين العرب.
 وقد انقسم الاجتماع بعد الجلسة الافتتاحية إلى ثمان لجان عمل، ناقشت كل لجنة قضية ثقافية وانتهت فيها إلى توصيات محددة، ومن جماع هذه التوصيات جاءت الوثيقة الختامية للاجتماع، والتي أعلنها الدكتور سليمان عبد المنعم الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي، وأعلن أنها سوف ترفع للسيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية.
 أما هذه اللجان الثمانية فهي: لجنة إنقاذ اللغة العربية، ولجنة حماية التراث، ولجنة الإبداع وحماية الملكية الفكرية، ولجنة رعاية ثقافة الطفل والشباب، ولجنة تحالف القيم وحوار الثقافات، ولجنة المحتوى الرقمي العربي على شبكة الإنترنت، ولجنة السوق الثقافية العربية المشتركة، ثم لجنة الترجمة.
 وقد صاغت كل لجنة من اللجان مجموعة من التوصيات والمقترحات تصورت أنها ملائمة للعرض على القمة لتتخذ في شأنها قرارًا، ورغم أن معظم التوصيات والمقترحات أمسكت بقضايا مهمة في الواقع العربي، إلا أن بعضها ليس محله قمة للملوك والرؤساء العرب.
 إلا أن المشكلة الكبرى في التوصيات فيما أعتقد كان ما يتعلق باللغة العربية، أو ما أسماه اللقاء "إنقاذ اللغة العربية"، لقد طرحت اللجنة في هذا الصدد مجموعة من التوصيات المهمة المتعلقة بتعليم اللغة العربية، وإعداد المعاجم اللغوية، لكن اللجنة تغولت في توصياتها، وتقدمت بمشروعات من قبيل، اعتبار اللغة العربية الفصحى اللغة الرسمية وفقًا للدساتير، ومنع استخدام العاميات العربية في الإعلانات أو في لغة الإعلام، إلى أخر مثل هذه التوصيات التي لن تؤدي إلى إنقاذ العربية الفصحى فضلًا عن إنها لن تنفذ أصلًا، فقد تناست التوصيات أن من بين الدول العربية خمس دول على الأقل بها مجموعات عرقية كبيرة غير ناطقة بالعربية، وتنص دساتير بعض هذه الدول وتشريعاتها على اعتبار لغات هذه المجموعات العرقية لغات رسمية، مثل حال الأمازيغ في دول المغرب العربي، خصوصًا المغرب والجزائر، والأكراد في العراق، وسكان جنوب السودان، لقد أهدرت التوصيات حقوق ملايين من مواطني دول عربية وتعدت على حقوقهم الثقافية واغتالتها بمنتهى الهدوء، كما تناست التوصيات أن قسم كبير من الإبداع في عالمنا العربي كان وما زال بالعاميات العربية، أين سيذهب الشعر النبطي في الخليج والجزيرة العربية، أين تذهب إبداعات عبد الله النديم وبديع خيري وبيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وفؤاد قاعود وأحمد فؤاد نجم وغيرهم...
 وكيف ننقذ الفصحى ونحارب العاميات في الإعلام والإعلان ونسبة الأمية في عالمنا العربي تتجاوز خمسين في المئة في بعض بلداننا العربية.
 أظن الأمر يحتاج إلى بعض التفكير.
الدستور 21 يوليو 2010

الخميس، 25 يوليو 2019

نصر... وداعا من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
نصر... وداعا
عماد أبو غازي   
 الاثنين 5 يوليو 2010 بدأت يومي بنبأ رحيل الصديق نصر حامد أبو زيد، استرجعت ذكريات ثلاثين عامًا منذ التقيت نصر للمرة الأولى في كلية الآداب سنة 1980.


 تخرج هو في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة وعين معيدًا بالقسم في نفس العام الذي التحقت فيه طالبا بالكلية، عام 1972، كنت اسمع عنه من أصدقائي وزملائي لكني لم ألتق به طوال سنوات دراستي، عندما حصل على الماجستير في دراسات التراث الإسلامي، كنت أتخرج من قسم التاريخ بالكلية في نفس العام، وظللت سنوات بعيدًا عن الكلية، لكنني كنت اسمع من أصدقائي ومن بعض أساتذتي اسم نصر حامد أبوزيد، مشفوعا دائمًا بالإشادة به والتبؤ له بمكانة بارزة بين المتخصصين في دراسات التراث.
 أتذكر الآن مواقف عديدة جمعتني به، أتذكر حين التقيت به للمرة الأولى بحجرة قسم اللغة العربية بكلية الآداب في خريف عام 1980، كنت قد التحقت بالكلية مرة أخرى لأكمل دراستي في مجال الوثائق، تعرفت عليه من خلال الأستاذ الدكتور عبد المحسن طه بدر، وتوطدت العلاقة بيننا، نتباعد لسفره لكنه يظل دائمًا قريبًا من العقل والروح.
 أتذكر في عام 1995 في ذروة المحنة التي تعرض لها العقل المصري، عندما كفر البعض نصر أبو زيد ولاحقوه قضائيًا مطالبين بالتفريق بينه وبين زوجته بدعوى ارتداده عن الإسلام، نظم حزب التجمع مؤتمرًا تضامنيًا مع نصر أبو زيد، كان من المفترض أن يلقي فيه كلمة، لكن نفس توقيت المؤتمر تحدد موعدًا لمناقشة آخر رسالة كان يشرف عليها بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، فكلفني أن ألقي كلمته في مؤتمر التضامن نيابة عنه، يومها أحسست أن نصر أبو زيد الصديق والأستاذ الذي تعلمت من كتاباته ومن منهجه، قد طوقني بجميل كبير، أن يختارني لأحل محله في هذا اليوم.


 أتذكر مرة أخرى في يوليو 2007 وهو بعيد عن الوطن حين طلب مني للمرة الثانية أن ألقي كلمته نيابة عنه في حفل تأبين صديقنا المشترك محمد حاكم، الذي كان قد رحل قبلها بأيام، وكان نصر وقتها غائبًا عن مصر.
 أعود إلى نصر ومسيرته الفكرية والعلمية، لقد تحققت توقعات أساتذة نصر أبو زيد وأصبح واحدًا من الأسماء البارزة في مجاله في سنوات قليلة بعد حصوله على الدكتوراه، كان التأويل والنص محورًا لمعظم انتاجه الفكري الذي قارب خمسة عشر كتابًا، غير عشرات من الأبحاث والمقالات العلمية التي نشرها في عديد من الدوريات المتخصصة والمجلات الثقافية العامة، والمحاضرات التي ألقاها في عشرات من المؤتمرات والندوات والحلقات البحثية.
 ومن أبرز أعماله: "الاتجاه العقلي في التفسير: دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة"، و"فلسفة التأويل: دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي"، و"أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة: مدخل إلى السميوطيقا"، و"مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن"، و"الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية"، و"نقد الخطاب الديني"، وغيرها وغيرها من الكتب والدراسات.
 كان نصر حامد أبو زيد علامة من علامات الاستنارة في الفكر العربي المعاصر، ربما يمكن أن نعتبره معتزليًا جديدًا، حاول باجتهاداته تجديد الخطاب الثقافي العربي والإسلامي، فواجهته قوى الظلام وتصدت لمحاولته بالتكفير والملاحقة القضائية بدلًا من المواجهة الفكرية.
 لقد امتد عطاء نصر أبو زيد الفكري والعلمي على مدى أكثر من ثلاثين عامًا، تخللتها غيابات متعددة عن الوطن.
 غاب للمرة الأولى عندما سافر إلى اليابان لتدريس اللغة العربية هناك، أضافت تجربة الحياة والعمل في وسط ثقافة مختلفة لرؤيته، وأعطته مجالات جديدة للدراسات المقارنة.
 غاب للمرة الثانية غيابًا طويلًا متقطعًا عندما بدأت مأساة ملاحقته قضائيًا بسبب أفكاره المستنيرة، ملاحقته بقضايا التفريق، التي جاءت في سياق موجة من موجات الأرهاب المادي والمعنوي تصاعدت في مطلع التسعينيات، سقط خلالها الدكتور فرج فودة شهيدًا لأفكاره، وتعرض كاتبنا الكبير نجيب محفوظ لمحاولة اغتياله، وكان نصيب نصر حامد أبو زيد حملة التكفير التي انتهت بحكم التفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال سالم في عام 1995، بعدها ظل نصر متنقلًا بين مصر وهولندا حيث استقر استاذًا بجامعتها ووجهًا مشرقًا للثقافة العربية في الغرب، حرمت منه جامعته وحرم منه طلابه بسبب التعصب الفكري والظلامية التي تتوحش في بلادنا.
 وجاء الغياب الأخير برحيله عن عالمنا، لكن من كان له مثل إسهام نصر أبوزيد وإنجازه الفكري لا يغيب أبدًا، فستظل أعماله حاضرة تنير الطريق وتثير التفكير وتثري الواقع وتفتح الأفق للمستقبل.
الدستور 7 يوليو 2010

اتحاد الناشرين يسهم في هدم الدولة المدنية من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
اتحاد الناشرين يسهم في هدم الدولة المدنية
عماد أبو غازي

 يبدو أن أنصار الدولة المدنية في مصر يتناقصون يوما بعد يوم، وأعني بأنصار الدولة المدنية أولئك الذين يؤمنون بدولة قوامها المواطنة ومرجعيتها القانون، دولة تقوم على أساس قوانين مدنية تتغير بتغير الأحوال وتماشي تطور المجتمع، قوانين تضعها المجالس النيابية المنتخبة، ويكون جميع أبناء الوطن متساوون أمامها بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الأصل.
 وللأسف فإن أعداء الدولة المدنية لم يعودوا أفرادا متفرقين أو جماعات ذات مرجعيات سياسية دينية أو طائفية أو مؤسسات دينية، بل إن منظمات مجتمع مدني ومؤسسات يفترض أن تكون مدنية بحكم تكوينها تتحول إلى معاول هدم لما تبقى من أسس الدولة المدنية.
 إن لم يكن هذا ما يحدث، فبماذا يمكن أن نفسر ما قام به اتحاد الناشرين المصري، والاتحاد مؤسسة من مؤسسات المجتمع تضم في عضويتها أصحاب دور النشر المصرية، وتدافع عن مصالحهم، انه اتحاد لأصحاب رؤس الأموال في مجال صناعة من أهم الصناعات الثقافية وهي صناعة الكتاب والنشر، والاتحاد مؤسسة وطنية مصرية يفترض أن تلتزم بالقوانين المصرية.
 ماذا فعل الاتحاد؟ وكيف يسهم في هدم أسس الدولة المدنية؟
 نشرت جريدة أخبار الأدب في عددها الأخير خبرا مفاده أن دار الإفتاء المصرية قد أصدرت فتوي رسمية بتحريم "انتحال حقوق الملكية الفكرية" من خلال نشر الكتب بأي طريقة كانت، بدون موافقة من صاحب الكتاب.
 ووفقا للخبر المنشور فإن تلك الفتوي قد جاءت رداً علي الخطاب الذي أرسله اتحاد الناشرين المصريين يطلب فيه رأي دار الإفتاء في حكم من يقوم بطبع أو نشر أو توزيع أو شراء كتاب لُمؤلف أو دار نشر تملك حق طبع ونشر هذا الكتاب بأي صورة من صور النشر المقروءة والمرئية والإلكترونية دون موافقة أو إذن كتابي من المُؤلف صاحب العمل أو الدار الناشرة له، مما يطلق عليه اعتداء على حقوق الملكية الفكرية.
 بالطبع جاء الرد من دار الإفتاء ليؤكد حرمانية التعدي على حقوق الملكية الفكرية وفقا لأسانيد شرعية عديدة.
 أين المشكلة؟
 المشكلة ببساطة، إن مصر بها قانون لحماية الملكية الفكرية يجرم الاعتداء على حقوق المؤلف، كما يجرم الاعتداء على حقوق الناشر، إذا كان الناشر متعاقدا مع المؤلف، وسرقة حقوق الملكية الفكرية، والقرصنة في مجال الكتاب والنشر، سواء بالنشر الورقي أو الإلكتروني أمور مجرمة قانونا، ولها عقوبات محددة.
 إن طلب الفتوى الذي تقدم به اتحاد الناشرين إقحام للمؤسسة الدينية في أمور دينيوية ويزيد الأمر سواء ما تردد عن أن الاتحاد قد تقدم بطلب فتوى مماثلة من الكنيسة الأرثوذكسية، ولا أعرف لماذا نسي الاتحاد أن يطلب فتاوى من الكنيستين الإنجلية والكاثوليكية، ومن حاخامخانة اليهود بالمرة.
 إن الحياة الثقافية في مصر تعاني من تغول سلطة المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية ومن تدخلاتها التي تطال حرية الإبداع، فإذ باتحاد الناشرين الذي يفترض أنه مؤسسة مدنية يستدعي لنا المؤسسات الدينية لتفتي لنا في أمور صناعة الكتاب والنشر، في أمور حسمها القانون، الذي هو قانون مدني، في أمور لا تحتاج فتوى، ولا تحتاج لنجرمها لمنطق الحلال والحرام.
 وفي الحقيقة لم تقنعني على الإطلاق ردود الصديق الأستاذ محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين على الانتقادات التي وجهت للاتحاد بسبب طلب فتوى دار الافتاء، تلك الردود التي نشرتها جريدة الأهرام المسائي في صفحتها الثقافية، والتي أكد فيها على أنه المسئول شخصيا عن طلب الفتوى، وقال: إن الدافع وراء طلب الفتوى الفشل في ملاحقة مزوري الكتب، وإنه في الفترة الأخيرة تفشي التزوير في مصر أكثر من الدول العربية‏،‏ فقررنا ان نبحث عن طريق آخر فوجدنا أن الوطن العربي أكثر من‏90%‏ منه متمسك بقيمه الدينية،‏ فقلنا ـ والكلام للأستاذ رشاد ـ ربما يكون الوازع الديني أحد الأسباب التي تحد من هذا التزوير‏!‏
 إن العلاج المباشر والواضح لمشكلة القرصنة تطبيق القانون، وليس استصدار الفتاوى، وأظن أن رئيس اتحاد الناشرين يعلم أن أكثر من يباشرون القرصنة في مصر دور نشر تنسب نفسها للدين.
 لقد أكد رئيس الاتحاد في حديثه للمسائي على أن الاتحاد سيبذل جهودا معا الجهات المعنية في الدولة لملاحقة المخالفين وتطبيق القانون عليهم، وهذا هو الطريق الصحيح أما طريق استصدار الفتاوى فلن يؤدي إلا إلى المساهمة في هدم أسس الدولة المدنية، أما مشروع رئيس الاتحاد لمنع غير الأعضاء من النشر فله حديث آخر.
30 يونيو 2010

من ظلم باكثير؟ من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
من ظلم باكثير؟
عماد أبو غازي
 لعب علي أحمد باكثير دورا مهما في الثقافة المصرية لما يزيد عن ثلاثين عاما، كاتبا روائيا ومسرحيا وشاعرا ومثقفا صاحب رؤية، وباكثير من أصول يمنية حضرمية وأندونيسية، فالأب من حضرموت باليمن والأم من أندونسيا، انتقل باكثير إلى مصر في الثلاثينيات وعلى وجه التحديد عام 1934 وهو شاب في الرابعة والعشرين من عمره، عندما جاء الشاب باكثير إلى مصر كان يحلم بخلافة شوقي في إمارة الشعر كما يقول الدكتور محمد أبو بكر حميد في مقدمته للمجلد الأول من الأعمال الكاملة لعلي أحمد باكثير التي تصدر عن المجلس الأعلى للثقافة، وكان باكثير قد كتب وقتها أولى مسرحياته "همام أو في بلاد الأقحاف" وكانت مسرحية شعرية. اتجه باكثير بعد مجيئه إلى مصر لدراسة الأدب الإنجليزي في كلية الآداب بالجامعة المصرية، وشارك في كثير من الأنشطة الأدبية والثقافية التي كانت مصر تعيشها في ذلك الوقت.


 وفي سنة 1940 نشر علي أحمد باكثير أول مسرحياته في مصر وكانت تحمل عنوان "إخناتون ونفرتيتي"، ومنذ ذلك الحين وحتى روايته الأخيرة "الفارس الجميل" التي كتبها سنة 1965 قبل رحيله بأربع سنوات، كان التاريخ قاسما مشتركا أعظم في أغلب أعمال علي أحمد باكثير المسرحية والروائية.
 لقد كانت بدايات علي أحمد باكثير قريبة من بدايات نجيب محفوظ، فباكثير من مواليد عام 1910 ونجيب محفوظ من مواليد 1911، وكلاهما بدأ تجربته الإبداعية مستلهما التاريخ، وكلاهما شارك مع الشباب من مبدعي الأربعينيات في تأسيس لجنة النشر للجامعيين، وقد اشتركا في بداية حياتهما كذلك في اقتسام الجوائز الأدبية، ففاز معا بجائزة السيدة قوت القلوب الدمرداشية سنة 1943، باكثير عن روايته الأولى "سلامة والقس" ومحفوظ عن رادوبيس، ثم فازا بعد ذلك بعام ـ مناصفة أيضا ـ بجائزة وزارة المعارف، فاز باكثير بروايته "وا إسلاماه"، ونجيب محفوظ بروايته "كفاح طيبة"، لكن مسارات الإبداع سارت بهما في دروب مختلفة.
 في مطلع هذا الشهر احتفلت مصر على مدى ثلاثة أيام بالمئوية الأولى لميلاد علي أحمد باكثير، في مؤتمر أدبي كبير استضافه اتحاد كتاب مصر في مقره بالقلعة، وشارك الاتحاد في تنظيمه بالتعاون مع رابطة الأدب الإسلامي واتحاد الكتاب والأدباء العرب، وقد ساهمت وزارة الثقافة في الاحتفال من خلال مساهمة هيئة قصور الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة، فقامت الهيئة بطباعة أعمال المؤتمر، وبدأ المجلس في إصدار الأعمال الكاملة لعلي أحمد باكثير من جمع ومراجعة وتقديم الدكتور محمد أبو بكر حميد، وقد صدر المجلد الأول الذي يضم ثلاثة من الأعمال الروائية لباكثير في اليوم الأول للمؤتمر. كان من اللافت للنظر في جلسة الافتتاح إلحاح غالبية المتحدثين على التأكيد على أن علي أحمد باكثير ظلم حيا وميتا، وإن هذا المؤتمر جاء بمثابة رد الاعتبار له بعد أكثر من أربعين عاما على رحيله.
 في الحقيقة لم أتبين من كلمات جميع من تحدثوا عن ظلم باكثير ما الظلم الذي تعرض له على وجه التحديد؟ ومن ذا الذي ظلمه؟ ومتى كان ذلك سواء في حياته أو بعد رحيله؟
 ربما يكون الاستثناء الوحيد بين المتحدثين الأستاذ فاروق شوشه الذي أفصح عما قصده بالظلم الذي كان باكثير يرى أنه يتعرض له، فقد روى عن نجيب محفوظ أن باكثير قد اشتكى له الأحساس بالظلم بسبب تجاهل النقاد اليساريين له!
 ولا أظن فيما ذكره باكثير أي نوع من الظلم، فلكل ناقد الحق في أن يكتب عمن يشاء ويتجاهل من يشاء، كما أن الساحة لم تكن قاصرة على النقاد الذين ينتمون إلى اليسار، فضلا عن أن شيخ نقاد اليسار في مصر الدكتور محمد مندور قد كتب عن باكثير، ومن هنا فلم أفهم معنا لشكوى الرجل.
 كذلك فإن رجل كباكثير لا يمكن أن يوصف بأنه قد ظلم أو تم تجاهله، لقد جاء الرجل من بلد بعيد فحصل على الجنسية المصرية وعاش مرحبا به في مصر حتى وفاته، ولم يعامل في يوم من الأيام باعتباره أجنبيا، لا في العصر الملكي ولا في العصر الجمهوري، فأي ظلم هذا الذي يتحدثون عنه!
 حصل على الجوائز في العصر الملكي، جوائز من رعاة الثقافة مثل قوت القلوب الدمرداشية، وجوائز من وزارة المعارف، وحصل على وسام الفنون من الرئيس عبد الناصر في العصر الجمهوري مثله مثل أقرانه من كبار أدباء ذلك العصر، فأي ظلم هذا الذي يتحدثون عنه!
 تحولت أولى روايته "سلامة القس" إلى فيلم سينمائي قامت ببطولته أم كلثوم وذلك قبل أن يبلغ الأربعين من عمره، فأي ظلم هذا الذي يتحدثون عنه!
 أصبحت روايته الثانية "وا إسلاماه" نصا أدبيا مقررا على طلاب المدارس المصرية في عام 1945، وتم تدريسها بعد ذلك مرات ومرات في الخمسينيات والستينيات وحتى بعد وفاته، ثم تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي انتجته مؤسسة السينما التابعة للدولة، وما زال الفيلم مقررا علينا في المناسبات الدينية والوطنية، فأي ظلم هذا الذي يتحدثون عنه!
 في عام 1951 عندما كتب مسرحيته "مسمار جحا" أخرجها على المسرح المخرج الكبير زكي طليمات، فأي ظلم هذا الذي يتحدثون عنه!
 انتجت مسارح الدولة مسرحيته "جلفدان هانم" التي مثلها محمد عوض ونعيمة وصفي، وكانت تعرض بشكل مستمر على شاشة التلفزيون، فأي ظلم هذا الذي يتحدثون عنه!
 عمل الرجل في مؤسسات الدولة الرسمية في مجال الثقافة لسنوات، فأي ظلم هذا الذي يتحدثون عنه!
 استبعد الرجل من قوائم الاعتقال ضمن جماعة الإخوان المسلمين رغم صلاته بهم، وذلك مرتين، الأولى في عام 1954 عقب محاولتهم اغتيال جمال عبد الناصر والثانية في 1965، وفي المرتين تم الاستبعاد بتوجيه من الرئيس عبد الناصر تقديرا لباكثير كمبدع أثر في الأجيال، فأي ظلم هذا الذي يتحدثون عنه!
من إذا الذي ظلم باكثير؟
الدستور 23 يونيو 2010

الثلاثاء، 2 يوليو 2019

السياسات الثقافية في المنطقة العربية - من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات

السياسات الثقافية في المنطقة العربية

عماد أبو غازي

 شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الماضي انعقاد المؤتمر الأول للسياسات الثقافية في المنطقة العربية، والذي نظمته مؤسسة المورد الثقافي بالتعاون مع مؤسسة دون والمجلس الثقافي البريطاني.


 وقد استمر المؤتمر على مدار يومين وشارك فيه حوالي سبعين من المهتمين بالشأن الثقافي في المنطقة العربية، يمثلون ثمانية أقطار عربية إلى جانب عدد من البلدان الأوروبية، وكان من بين المشاركين مسؤلين عن منظمات مجتمع مدني عديدة لها تجارب وخبرات متميزة في العمل الثقافي، كما كان من بينهم مسئولين في مؤسسات ثقافية حكومية، وخبراء في العمل الثقافي ومخططين ثقافيين وإعلاميين.


 ويأتي المؤتمر تتويجًا لجهود استمرت لعامين كاملين قامت بها مؤسسة المورد الثقافي بدعم من الاتحاد الأوروبي لدراسة السياسات الثقافية وتطويرها في ثمان من الدول العربية، هي مصر وتونس والجزائر والمغرب وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان، وقد صدر ملخص الدراسة في كتاب كبير وينتظر أن تنشر الدراسات الكاملة قبل نهاية هذا العام.
 وتعتبر دراسة حالة هذه الدول الثمانية مرحلة أولى سوف تتلوها مرحلة ثانية تضاف فيها دول أخرى للدراسة.


 وقد ناقش المؤتمر في أربع جلسات أربعة قضايا، قدمتها ورقة إطار الجلسات؛ اتخذت الجلسة الأولى منحاً نظريًا حيث ناقش المتحدثون قضية السياسات الثقافية ووضع الثقافة في المجتمع، في محاولة لتلمس كيف يمكن للسياسات الثقافية أن تسهم في تحسين وعي المجتمع بقيمة الثقافة.
 وناقشت الجلسة الثانية موضوع التحديات التي تواجه الثقافة على الصعيدين القومي والدولي، والشروط القانونية اللازمة لوضع السياسات الثقافية، وكان الهدف من هذه الجلسة محاولة الإجابة على بعض الأسئلة، مثل: كيف تتأثر السياسات الثقافية بالتطورات على المستوى المحلي والدولي؟ وما هي النقاشات السياسية التي تحدد اتجاه السياسات الثقافية وأجندتها؟ وما الفرق بين السياسات الثقافية وتشريعات العمل الثقافي؟ وما مدى تأثير التشريعات على السياسات الثقافية، خاصة ما يتعلق منها بحرية التعبير وتكوين الجمعيات؟ إلى غير ذلك من أسئلة العمل الثقافي.
 أما الجلسة الثالثة فكانت مخصصة للقضايا المتعلقة باقتصاديات العمل الثقافي، مثل تمويل السياسات الثقافية، وتنمية الموارد المالية، والاقتصاد الثقافي، وهي قضية مهمة سواء للعمل الأهلي أو الرسمي، وقد كان المستهدف من هذه الجلسة مناقشة خبرات فعلية في مجال اقتصاديات الثقافة للاستفادة منها.


 وتناولت الجلسة الرابعة أطر التعاون الثقافي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، من خلال مداخلات لفاعلين في الحقل الثقافي من مجالي العمل الأهلي والعمل الحكومي ومن مؤسسات دولية كذلك، وقد كانت الورقة الأساسية إطارًا نظريًا مهمًا قدمه الأكاديمي السوري الدكتور حسان عباس.
 وخصصت الجلسة الأخيرة لنقاش مفتوح حول ما دار في المؤتمر وما تضمنه الكتاب الذي يحوي التقرير الموجز عن السياسات الثقافية في الدول الثمانية.
 وقد انتهى المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات دارت حول ثلاثة محاور رئيسية إلى جانب بعض التوصيات العامة.
 وكان المحور الأول للتوصيات يدور حول الحوار وتبادل الآراء، وفي هذا الصدد كانت هناك توصيتان: الأولى ضرورة تنظيم ندوات وحلقات مناقشة حول عناصر محددة في السياسات الثقافية مع المسئولين الحكوميين في البلدان الثمانية التي شملتها المرحلة الأولى من مبادرة رصد السياسات الثقافية وتطويرها، أما التوصية الثانية فانصبت حول أهمية تبادل الخبرات مع دول البلقان وأفريقيا وتركيا والتي كان هناك ممثلون لها من بين المتحدثين في جلسات المؤتمر.


 ودار المحور الثاني من التوصيات حول الأبحاث المطلوبة والتي تتضمن مراجعة النص الكامل وتنقيحه قبل نهاية 2010، والبدء في المرحلة الثانية من المشروع البحثي والتي ينبغي أن تمتد لأربع دول جديدة على الأكثر مع إمكانية مراجعة نموذج العمل الذي تم صياغة التقرير على أساسه، ثم إطلاق مجموعات عمل تضم خبراء مستقلين وحكوميين في البلدان الثمانية موضوع التقرير لتقوم برصد وتوثيق التطورات والممارسات الإيجابية على صعيد السياسات الثقافية.
 أما المحور الثالث فيتعلق بالمعلومات والتوثيق وتضمن التوصية بإعداد تقارير سنوية وأخرى تصدر كل شهرين، على أن تصدر التقارير السنوية اعتبارًا من نهاية 2011 بينما يصدر تقرير كل شهرين اعتبارًا من نوفمبر 2010. كذلك أوصى المؤتمر بضرورة العمل على استكشاف إمكانية ابتكار مؤشر للفعل الثقافي لقياس الفعل الثقافي في البلدان الثمانية، وذلك بناء على نقاش وحوار بين المسئولين الحكوميين في مجال الثقافة والناشطين الثقافيين المستقلين.
 وفي النهاية كانت هناك توصيتين مهمتين لهما صفة العمومية، الأولى التأكيد على التحالف مع القطاعات الأخرى في المجتمع ذات الصلة بالعمل الثقافي مثل قطاعات التعليم والإعلام، والثانية اعتبار كل المشاركين في المؤتمر شركاء محتملين في تنفيذ هذه التوصيات.
 لقد جاء هذا المؤتمر كحدث مهم وإيجابي في الحياة الثقافية في المنطقة العربية، وحمل بادرة للتعاون والعمل المشترك بين مؤسسات العمل الثقافي الحكومية والمستقلة من أجل تطوير الواقع الثقافي في مجتمعاتنا والتقدم به إلى الأمام.
الدستور 16 يونيو 2010

أنواع كثيرة... كوكب واحد... مستقبل واحد - من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
أنواع كثيرة... كوكب واحد... مستقبل واحد
عماد أبو غازي
 من بين كل ثلاثة أنواع من الأسماك هناك نوع مهدد بالانقراض، ومن بين كل ثمانية أنواع من الطيور هناك نوع مهدد بالانقراض، هذا فضلًا عن أكثر من نصف أنواع الحشرات والنباتات على كوكب الأرض، كل هذه الكائنات مهددة بالانقراض بسبب رعونة الإنسان وغروره وجهله، أما الثدييات التي ننتمي إليها نحن البشر فنوع من كل أربعة أنواع منها مهدد بالانقراض، أي أن ربع الثدييات باتت مهددة بالاختفاء.
 لهذا اختارت الأمم المتحدة شعارًا ليوم البيئة العالمي هذا العام يعكس الرغبة في الحفاظ على التنوع البيولوجي على كوكبنا، هذا التنوع الذي يعد صمام أمان لاستمرار الحياة على الأرض، هذا التنوع الذي أصبح مهددًا أكثر من أي وقت مضى بصورة تهدد مستقبلنا جميعًا، ليس فقط مستقبل الكائنات المهددة بالانقراض، بل أيضًا مستقبل الكائنات المرشحة للبقاء، وفي مقدمتها الإنسان، إننا نواجه خطر غير مسبوق منذ العصر الذي أنقرضت فيه الديناصورات، فالتغيرات المناخية والنمو الاقتصادي الجائر على البيئة والموارد يهددان التنوع الحيواني والنباتي على سطح الأرض وفي أعماق البحار، والأمر ليس مجرد انقراض نوع من الطيور أو الحشرات أو الحيوانات، وليس مجرد اختفاء أنواع من النباتات، إن الانقراض الجماعي للأنواع يهدد التوازن في دورة الحياة على الأرض، ويهدد بقاء الإنسان.
 لقد اختارات الأمم المتحدة "أنواع كثيرة... كوكب واحد... مستقبل واحد..." شعارًا لليوم العالمي للبيئة لعام 2010.


 ويوم البيئة العالمي يصادف يوم 5 يونيو من كل عام، إنه اليوم الذي تحتفل به دول العالم منذ عام 1972 وتتخذه ناقوس خطر ينبه الغافلين عن المخاطر التي تحيط بنا، وقد بدأ الاحتفال عندما انطلقت أول صيحة تحذير دولية تنبه للمخاطر التي يتعرض لها كوكبنا بسبب التلوث الذي نتج عن الثورة الصناعية؛ ففي عام 1972، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 5 يونيه يومًا عالميًا للبيئة وذلك في ذكرى افتتاح مؤتمر استكهولم حول البيئة الإنسانية، كما صدقت الجمعية العامة في اليوم ذاته على قرار تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
 وفي كل عام يتم اختيار شعارًا ليكون شعار لليوم العالمي للبيئة، يعمل جميع الناشطين من أجل إنقاذ الكوكب تحت هذا الشعار ويترجمونه إلى فعاليات وأنشطة متنوعة تهدف إلى زيادة أعداد من يتبنون قضايا الدفاع عن البيئة، في العام الماضي رفعت الأمم المتحدة شعار: "كوكبنا يستغيث بنا، فلنكن أممًا متحدة في مكافحة تغير المناخ"، وفي عام 2008 كان الشعار: "فلنكسر العادة".
 وهذا العام ومع تزايد المخاطر التي تهدد التنوع البيولوجي على كوكبنا، خاصة بعد فشل قمة كوبنهاجن الأخيرة في نهاية العام الماضي في تبني موقف عالمي حازم في مواجهة التغيرات المناخية، رفعت الأمم المتحدة شعارًا يعكس أهمية التنوع لمستقبل كوكبنا، إن الشعار كما تقول نشرة منتدى البيئة التي تصدرها الشبكة العربية للبيئة والتنمية، "عبارة عن رسالة تركز على الأهمية المحورية للثروة الإيكولوجية عبر العالم من الأنواع الحية وأيضا النظم البيئية، إن يوم البيئة العالمي هذا العام يقدم الدعم العالمي للتنوع الحيوي".
 وفي كل عام يتم اختيار دولة من الدول لاستضافة الاحتفالية العالمية، بالطبع تشارك جميع دول العالم من خلال مؤسساتها الحكومية والأهلية ومن خلال مبادرة الناشطين فيها في قضايا البيئة في هذا الاحتفال، لكن تكون هناك دولة تعد بمثابة المضيف اللاحتفال الرسمي الرئيسي.
 وفي هذا العام وقع الاختيار على رواندا تلك الدولة الأفريقية صغيرة المساحة واسعة الثراء في تنوعها البيولوجي، إن رواندا دولة من دول منابع النيل تعاني من مشكلات عديدة، لكنها أخذت في السنوات الأخيرة تتبنى سياسة بيئية رشيدة، وأصبحت معايير السلامة البيئية تحكم كل سياسات التنمية في هذا البلد الأفريقي الذي أضحى رائدًا في المجال البيئي، وقد حكى لنا الدكتور عماد الدين عدلي رئيس رئيس مجلس إدارة المكتب العربي للشباب والبيئة، وأحد أبرز الناشطين في مجال البيئة في مصر منذ أكثر من ثلاثة عقود، أثناء احتفال لجنة ثقافة البيئة بالمجلس الأعلى للثقافة والمكتب العربي باليوم العالمي للبيئة، كيف اتخذت رواندا قرارًا بمنع استخدام البلاستيك أو حتى دخوله إلى البلد، حماية للبيئة من هذا العدو الخطير.
 لقد راهنت الأمم المتحدة على أن يأتي احتفال هذا العام باليوم العالمي للبيئة احتفالا غير مسبوق، فكل عام يزداد عدد المشاركين على نطاق كوكبنا، اليوم انطلق الاحتفال الرسمي في كجالي العاصمة الروانداية، وبالتوازي انطلقت آلاف الاحتفاليات في آلاف المواقع على سطح الأرض.
 لنعمل معًا جميعًا من أجل الحفاظ على التنوع في الحياة على كوكبنا الواحد الذي يجمع الإنسان مع غيره من الكائنات، لأن الدفاع عن هذا التنوع دفاع عن وجودنا، فالمستقبل واحد لنا ولغيرنا من الكائنات.
الدستور 9 يونيو 2010

بيت الست وسيلة - من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
بيت الست وسيلة

عماد أبو غازي

بيت الست وسيلة واحد من بيوت القاهرة التاريخية في المنطقة القريبة من الجامع الأزهر، وقد تم ترميم البيت الذي كان متهالكًا مثل كثير من آثار القاهرة، وقد نجح جهاز مشروع القاهرة التاريخية في إعادة هذا البيت إلى الحياة مرة أخرى بعد ما كاد أن يندثر، ليسجل بذلك جهاز القاهرة التاريخية إنجازًا يضاف إلى انجازاته العديدة في انقاذ آثار القاهرة الفاطمية وامتداداتها، ليقف إلى جانب بيوت ووكالات ومدارس ومساجد وأسبلة صحت بعد موت بفضل الجهود الجبارة للقائمين على مشروع القاهرة التاريخية، لقد انتهت أعمال الترميم في بيت الست وسيلة منذ سنوات قليلة، لكنه ظل خاليًا غير مستخدم، إلى أن وقع الاختيار عليه ليكون بيت للشعر.


 ومساء يوم الأحد الماضي افتتح الفنان فاروق حسني بيت الست وسيلة كبيت للشعر، في حفل حضره عشرات من الشعراء والنقاد والمثقفين والإعلاميين، وبهذا أضاف وزير الثقافة مركزًا جديدًا للإشعاع الثقافي في قلب القاهرة الفاطمية يضاف إلى مجموعة من المراكز الثقافية المهمة التي بزغت في السنوات الماضية في تلك المنطقة، بيت العود العربي، وقبة الغوري، ووكالة الغوري، وبيت السحيمي، ومتحف النسجيات، وغيرها من مواقع النشاط الثقافي والفني، وننتظر أن يضاف إليها قبل نهاية هذا العام مركز ومتحف نجيب محفوظ الذي سوف يشغل وكالة أبو الذهب المجاورة للجامع الأزهر.

 وقد بدأت فكرة إنشاء بيت للشعر المصري باقتراح من الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي قبل سنوات قليلة، وقد استجاب الفنان فاروق حسني وزير الثقافة للفكرة واقترح لها بيت الست وسيلة.
 وسوف يكون بيت الشعر المصري مركزًا لأنشطة ثقافية متنوعة تنطلق من الشعر وتدور حوله، ما بين أمسيات شعرية وحفلات موسيقية غنائية، وندوات نقدية تناقش الشعر والشعراء، ومعارض لأعمال تشكيلية تستلهم الشعر وتحاوره.


 وقد جمع حفل الافتتاح بين الشعر والموسيقى، فبدأت فقرته الأولى بقصائد تمثل الشعر المصري منذ عصور حضارتنا المصرية القديمة مرورًا بالمرحلة الهلينستية ثم القبطية، وقد اختار أشعار تلك المراحل وقدمها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، ثم ألقى الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة قصائد من المرحلة العربية الوسيطة، واختار عمر بن الفارض والبهاء زهير لتمثيل تلك الحقبة، وقدم الشاعر فاروق شوشة نماذج من الشعر المصري الحديث من البارودي إلى أمل دنقل، أما أشعار العامية المصرية فكان تمثيلها من خلال العملاقين فؤاد حداد وصلاح جاهين، ألقى الشاعر أمين حداد قصيدة فؤاد حداد عن محمد عبيد بطل الثورة العرابية الذي استشهد في التل الكبير، وألقى الشاعر حسام نصار مقاطع من رائعة صلاح جاهين على اسم مصر.


 أما الشق الموسيقي فكان من معزوفات الموسيقار نصير شمة الذي قدم ثلاث مقطوعات مستلهمات من شوقي ولوركا والسياب.
 هذا ويقع بيت الست وسيلة في عطفة العنبة في قلب منطقة زاخرة بالآثار التي تعود إلى فترات مختلفة من تاريخ مصر في العصور الإسلامية، وزاخرة بالمراكز الثقافية التي تشع نورًا من قلب آثار الماضي، البيت يلاصق بيت الهراوي الذي أصبح منذ سنوات مقرًا لبيت العود العربي، وأمام البيتين بيت زينب خاتون، أحد البيوت المرممة حديثًا، وبالقرب من البيوت الثلاثة، مدرسة العيني وقاعة شاكر الغنام وسبيل ووكالة السلطان قايتباي.
 والبيت من آثار القاهرة التي ترجع إلى القرن السابع عشر الميلادي - الحادي عشر الهجري، وقد أنشأ هذا البيت الحاج عبد الحق بن محمد الكناني وشقيقه لطفي، وكان ذلك في سنة 1664م/ 1074هـ، والبيت مشيد على الطراز المعماري لبيوت العصرين المملوكي والعثماني، ويتميز بمجموعة الكتابات التي تؤطر جدرانه، وباللوحات الجدارية المصورة على حوائط المقعد الصيفي المطل على فناء البيت، وهي لوحات تصور مناظر الحج ورحلات إلى القدس واسطنبول.
 أما الست وسيلة التي يحمل البيت اسمها إلى الآن فهي وسيلة بنت عبد الله البيضا جارية الست عديلة بنت إبراهيم بك الكبير، وقد سكنت في البيت بعد أن أعتقتها سيدتها، وقد توفيت الست وسيلة في 4 مايو سنة 1835 / 6 محرم سنة 1251هـ، وظل البيت يحمل اسمها إلى الآن.
 إن المتجول بين أركان بيت الست وسيلة يشعر أنه كان بيتًا تملؤه الحياة، وهاهي الحياة تعود إليه مرة أخرى بعد أكثر من قرن ونصف ليصبح محلًا للقاء الشعراء بجمهورهم ونقاد شعرهم.
الدستور 2 يونيو 2010