الثلاثاء، 2 يوليو 2019

بيت الست وسيلة - من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
بيت الست وسيلة

عماد أبو غازي

بيت الست وسيلة واحد من بيوت القاهرة التاريخية في المنطقة القريبة من الجامع الأزهر، وقد تم ترميم البيت الذي كان متهالكًا مثل كثير من آثار القاهرة، وقد نجح جهاز مشروع القاهرة التاريخية في إعادة هذا البيت إلى الحياة مرة أخرى بعد ما كاد أن يندثر، ليسجل بذلك جهاز القاهرة التاريخية إنجازًا يضاف إلى انجازاته العديدة في انقاذ آثار القاهرة الفاطمية وامتداداتها، ليقف إلى جانب بيوت ووكالات ومدارس ومساجد وأسبلة صحت بعد موت بفضل الجهود الجبارة للقائمين على مشروع القاهرة التاريخية، لقد انتهت أعمال الترميم في بيت الست وسيلة منذ سنوات قليلة، لكنه ظل خاليًا غير مستخدم، إلى أن وقع الاختيار عليه ليكون بيت للشعر.


 ومساء يوم الأحد الماضي افتتح الفنان فاروق حسني بيت الست وسيلة كبيت للشعر، في حفل حضره عشرات من الشعراء والنقاد والمثقفين والإعلاميين، وبهذا أضاف وزير الثقافة مركزًا جديدًا للإشعاع الثقافي في قلب القاهرة الفاطمية يضاف إلى مجموعة من المراكز الثقافية المهمة التي بزغت في السنوات الماضية في تلك المنطقة، بيت العود العربي، وقبة الغوري، ووكالة الغوري، وبيت السحيمي، ومتحف النسجيات، وغيرها من مواقع النشاط الثقافي والفني، وننتظر أن يضاف إليها قبل نهاية هذا العام مركز ومتحف نجيب محفوظ الذي سوف يشغل وكالة أبو الذهب المجاورة للجامع الأزهر.

 وقد بدأت فكرة إنشاء بيت للشعر المصري باقتراح من الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي قبل سنوات قليلة، وقد استجاب الفنان فاروق حسني وزير الثقافة للفكرة واقترح لها بيت الست وسيلة.
 وسوف يكون بيت الشعر المصري مركزًا لأنشطة ثقافية متنوعة تنطلق من الشعر وتدور حوله، ما بين أمسيات شعرية وحفلات موسيقية غنائية، وندوات نقدية تناقش الشعر والشعراء، ومعارض لأعمال تشكيلية تستلهم الشعر وتحاوره.


 وقد جمع حفل الافتتاح بين الشعر والموسيقى، فبدأت فقرته الأولى بقصائد تمثل الشعر المصري منذ عصور حضارتنا المصرية القديمة مرورًا بالمرحلة الهلينستية ثم القبطية، وقد اختار أشعار تلك المراحل وقدمها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، ثم ألقى الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة قصائد من المرحلة العربية الوسيطة، واختار عمر بن الفارض والبهاء زهير لتمثيل تلك الحقبة، وقدم الشاعر فاروق شوشة نماذج من الشعر المصري الحديث من البارودي إلى أمل دنقل، أما أشعار العامية المصرية فكان تمثيلها من خلال العملاقين فؤاد حداد وصلاح جاهين، ألقى الشاعر أمين حداد قصيدة فؤاد حداد عن محمد عبيد بطل الثورة العرابية الذي استشهد في التل الكبير، وألقى الشاعر حسام نصار مقاطع من رائعة صلاح جاهين على اسم مصر.


 أما الشق الموسيقي فكان من معزوفات الموسيقار نصير شمة الذي قدم ثلاث مقطوعات مستلهمات من شوقي ولوركا والسياب.
 هذا ويقع بيت الست وسيلة في عطفة العنبة في قلب منطقة زاخرة بالآثار التي تعود إلى فترات مختلفة من تاريخ مصر في العصور الإسلامية، وزاخرة بالمراكز الثقافية التي تشع نورًا من قلب آثار الماضي، البيت يلاصق بيت الهراوي الذي أصبح منذ سنوات مقرًا لبيت العود العربي، وأمام البيتين بيت زينب خاتون، أحد البيوت المرممة حديثًا، وبالقرب من البيوت الثلاثة، مدرسة العيني وقاعة شاكر الغنام وسبيل ووكالة السلطان قايتباي.
 والبيت من آثار القاهرة التي ترجع إلى القرن السابع عشر الميلادي - الحادي عشر الهجري، وقد أنشأ هذا البيت الحاج عبد الحق بن محمد الكناني وشقيقه لطفي، وكان ذلك في سنة 1664م/ 1074هـ، والبيت مشيد على الطراز المعماري لبيوت العصرين المملوكي والعثماني، ويتميز بمجموعة الكتابات التي تؤطر جدرانه، وباللوحات الجدارية المصورة على حوائط المقعد الصيفي المطل على فناء البيت، وهي لوحات تصور مناظر الحج ورحلات إلى القدس واسطنبول.
 أما الست وسيلة التي يحمل البيت اسمها إلى الآن فهي وسيلة بنت عبد الله البيضا جارية الست عديلة بنت إبراهيم بك الكبير، وقد سكنت في البيت بعد أن أعتقتها سيدتها، وقد توفيت الست وسيلة في 4 مايو سنة 1835 / 6 محرم سنة 1251هـ، وظل البيت يحمل اسمها إلى الآن.
 إن المتجول بين أركان بيت الست وسيلة يشعر أنه كان بيتًا تملؤه الحياة، وهاهي الحياة تعود إليه مرة أخرى بعد أكثر من قرن ونصف ليصبح محلًا للقاء الشعراء بجمهورهم ونقاد شعرهم.
الدستور 2 يونيو 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق