الخميس، 25 يوليو 2019

اتحاد الناشرين يسهم في هدم الدولة المدنية من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
اتحاد الناشرين يسهم في هدم الدولة المدنية
عماد أبو غازي

 يبدو أن أنصار الدولة المدنية في مصر يتناقصون يوما بعد يوم، وأعني بأنصار الدولة المدنية أولئك الذين يؤمنون بدولة قوامها المواطنة ومرجعيتها القانون، دولة تقوم على أساس قوانين مدنية تتغير بتغير الأحوال وتماشي تطور المجتمع، قوانين تضعها المجالس النيابية المنتخبة، ويكون جميع أبناء الوطن متساوون أمامها بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الأصل.
 وللأسف فإن أعداء الدولة المدنية لم يعودوا أفرادا متفرقين أو جماعات ذات مرجعيات سياسية دينية أو طائفية أو مؤسسات دينية، بل إن منظمات مجتمع مدني ومؤسسات يفترض أن تكون مدنية بحكم تكوينها تتحول إلى معاول هدم لما تبقى من أسس الدولة المدنية.
 إن لم يكن هذا ما يحدث، فبماذا يمكن أن نفسر ما قام به اتحاد الناشرين المصري، والاتحاد مؤسسة من مؤسسات المجتمع تضم في عضويتها أصحاب دور النشر المصرية، وتدافع عن مصالحهم، انه اتحاد لأصحاب رؤس الأموال في مجال صناعة من أهم الصناعات الثقافية وهي صناعة الكتاب والنشر، والاتحاد مؤسسة وطنية مصرية يفترض أن تلتزم بالقوانين المصرية.
 ماذا فعل الاتحاد؟ وكيف يسهم في هدم أسس الدولة المدنية؟
 نشرت جريدة أخبار الأدب في عددها الأخير خبرا مفاده أن دار الإفتاء المصرية قد أصدرت فتوي رسمية بتحريم "انتحال حقوق الملكية الفكرية" من خلال نشر الكتب بأي طريقة كانت، بدون موافقة من صاحب الكتاب.
 ووفقا للخبر المنشور فإن تلك الفتوي قد جاءت رداً علي الخطاب الذي أرسله اتحاد الناشرين المصريين يطلب فيه رأي دار الإفتاء في حكم من يقوم بطبع أو نشر أو توزيع أو شراء كتاب لُمؤلف أو دار نشر تملك حق طبع ونشر هذا الكتاب بأي صورة من صور النشر المقروءة والمرئية والإلكترونية دون موافقة أو إذن كتابي من المُؤلف صاحب العمل أو الدار الناشرة له، مما يطلق عليه اعتداء على حقوق الملكية الفكرية.
 بالطبع جاء الرد من دار الإفتاء ليؤكد حرمانية التعدي على حقوق الملكية الفكرية وفقا لأسانيد شرعية عديدة.
 أين المشكلة؟
 المشكلة ببساطة، إن مصر بها قانون لحماية الملكية الفكرية يجرم الاعتداء على حقوق المؤلف، كما يجرم الاعتداء على حقوق الناشر، إذا كان الناشر متعاقدا مع المؤلف، وسرقة حقوق الملكية الفكرية، والقرصنة في مجال الكتاب والنشر، سواء بالنشر الورقي أو الإلكتروني أمور مجرمة قانونا، ولها عقوبات محددة.
 إن طلب الفتوى الذي تقدم به اتحاد الناشرين إقحام للمؤسسة الدينية في أمور دينيوية ويزيد الأمر سواء ما تردد عن أن الاتحاد قد تقدم بطلب فتوى مماثلة من الكنيسة الأرثوذكسية، ولا أعرف لماذا نسي الاتحاد أن يطلب فتاوى من الكنيستين الإنجلية والكاثوليكية، ومن حاخامخانة اليهود بالمرة.
 إن الحياة الثقافية في مصر تعاني من تغول سلطة المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية ومن تدخلاتها التي تطال حرية الإبداع، فإذ باتحاد الناشرين الذي يفترض أنه مؤسسة مدنية يستدعي لنا المؤسسات الدينية لتفتي لنا في أمور صناعة الكتاب والنشر، في أمور حسمها القانون، الذي هو قانون مدني، في أمور لا تحتاج فتوى، ولا تحتاج لنجرمها لمنطق الحلال والحرام.
 وفي الحقيقة لم تقنعني على الإطلاق ردود الصديق الأستاذ محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين على الانتقادات التي وجهت للاتحاد بسبب طلب فتوى دار الافتاء، تلك الردود التي نشرتها جريدة الأهرام المسائي في صفحتها الثقافية، والتي أكد فيها على أنه المسئول شخصيا عن طلب الفتوى، وقال: إن الدافع وراء طلب الفتوى الفشل في ملاحقة مزوري الكتب، وإنه في الفترة الأخيرة تفشي التزوير في مصر أكثر من الدول العربية‏،‏ فقررنا ان نبحث عن طريق آخر فوجدنا أن الوطن العربي أكثر من‏90%‏ منه متمسك بقيمه الدينية،‏ فقلنا ـ والكلام للأستاذ رشاد ـ ربما يكون الوازع الديني أحد الأسباب التي تحد من هذا التزوير‏!‏
 إن العلاج المباشر والواضح لمشكلة القرصنة تطبيق القانون، وليس استصدار الفتاوى، وأظن أن رئيس اتحاد الناشرين يعلم أن أكثر من يباشرون القرصنة في مصر دور نشر تنسب نفسها للدين.
 لقد أكد رئيس الاتحاد في حديثه للمسائي على أن الاتحاد سيبذل جهودا معا الجهات المعنية في الدولة لملاحقة المخالفين وتطبيق القانون عليهم، وهذا هو الطريق الصحيح أما طريق استصدار الفتاوى فلن يؤدي إلا إلى المساهمة في هدم أسس الدولة المدنية، أما مشروع رئيس الاتحاد لمنع غير الأعضاء من النشر فله حديث آخر.
30 يونيو 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق