الخميس، 13 أبريل 2017

كلنا في الهم شمولي - من أرشيف مقالاتي القديمة

من أرشيف مقالاتي القديمة
مخربشات
كلنا في الهم شمولي!!
عماد أبو غازي

 قبل نهاية انتخابات مجلس الشعب وبدء موسم الحساب الداخلي في الأحزاب التي فشلت فشلًا ذريعًا، اتخذ رئيس حزب الوفد قرارًا بفصل نائبه، والوفد أحد الأحزاب التي فشلت بجداره، فبعيدًا عن الظروف التي أحاطت بالانتخابات، الفشل هنا نسبي قياسًا على ما حققه  آخرون: رئيس حزب الغد في انتخابات الرئاسة والإخوان في الانتخابات البرلمانية، المهم أصدر الدكتور نعمان جمعة قرارًا تنظيما بفصل منير فخري عبد النور نائب رئيس الحزب والقيادي الوفدي البارز الذي كان رئيسًا للهيئة البرلمانية للحزب في الدورة السابقة من جميع تنظيمات الحزب، بعد أن أصدر قبلها بساعات قرارا بعزله من منصبه الحزبي وتعينه مستشارًا لرئيس الحزب، رغم أن لائحة الحزب وفقًا لما نشر في الصحف لا تعطي لرئيس الحزب هذا الحق، واللافت للنظر أن الدكتور جمعة  قبل أن يكون رئيسًا لحزب الوفد حقوقيًا مصريًا كبيرًا وأستاذًا جامعيًا دارسًا للقانون!
 القرار صدر عن رئيس الحزب ردًا على انتقادات وجهها عبد النور على قناة دريم وفي جريدة المصري اليوم لقيادة حزب الوفد ولأسلوب أدائه عقب الفشل الذي مني به الحزب في الانتخابات الرئاسية ثم في انتخابات مجلس الشعب، والقرار فضلًا عن مخالفته للائحة الحزب غريب على حزب يفترض أنه ليبرالي، يؤمن بالحرية وينادي بها، والوفد ليس حزبًا "ابن امبارح" بل حزبًا عريقًا يفترض أن نحتفل بعيده التسعيني بعد ثلاث سنوات، فهل يعقل أن يفصل أعضاؤه بل قيادته لإبدائهم آرائهم علنًا، وماذا يمكن أن يفعل فينا رئيس الحزب لو كان قد فاز بالرئاسة ـ لا قدر الله ـ  أو فاز حزبه بالأغلبية إذا كان لم يحتمل انتقادًا وجهه نائبه ومطالبة بتطوير الأداء لا يمكن أن ينكر ضرورتها أحد.
 يبدو أن عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي قد انتقلت عدوها إلى الجميع بما في ذلك الليبراليين، لقد كان طبيعيًا في أوائل السبعينيات، في زمن الاتحاد الاشتراكي، وفي زمن سيطرة الأحزاب الشمولية في نصف الكرة الأرضية أن يتخذ أمين التنظيم محمد عثمان إسماعيل قرارًا بفصل عشرات من كبار الكتاب والمثقفين والصحفيين والنقابيين على رأسهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ من عضوية الاتحاد الاشتراكي، لأنهم أصدروا بيانا طالبوا فيه بالديمقراطية وأيدوا الحركة الطلابية التي خرجت إلى الشارع تطالب بالديمقراطية وإنهاء حالة اللاسلم واللاحرب، لكن هل يعقل هذا اليوم.
 يذكرني ما حدث في حزب الوفد بموقف آخر عايشته منذ حوالي خمسة عشر عامًا، وعلى وجه التحديد صيف 1990، وقتها كانت نتائج سياسة البرسترويكا التي انتهجها جورباتشوف قد بدأت في الاتحاد السوفيتي، وكانت التغيرات تجتاح شرق أوروبا، وتمتد إلى الأحزاب اليسارية في العالم كله، وقرر حزب التجمع في مصر أن يطور نفسه بعد دورتين من الانتخابات البرلمانية لم يحقق فيهما نتائج، يومها دعا الحزب مجموعات من المثقفين والباحثين وأساتذة الجامعات والناشطين السياسيين من خارج الحزب إلى جلسات استماع للاستنارة بآرائهم في تطوير الحزب ولائحته وبرنامجه، وكانت تلك الخطوة تبدو إيجابية ومشجعة ومنبئة عن عودة روح الانفتاح على الآخرين التي غابت عن الحزب، بعد مرحلة التأسيس، فقد قام  التجمع عند تأسيسه كمنبر من منابر الاتحاد الاشتراكي باستطلاع رأي واسع بين النقابيين والمثقفين وقيادات العمل العام من مختلف الاتجاهات القريبة من اليسار في برنامجه حتى يخرج معبرًا عن أوسع قطاع من الجماهير.
 دعيت إلى جلسة من جلسات الاستماع عقدت بأحد المراكز البحثية الخاصة وحضرها واحد من قيادات التجمع البارزين وهو في نفس الوقت أكاديمي بارز ومحترم في مجال تخصصه، وكان من بين الحاضرين باحثة تعمل في هذا المركز وكانت في ذات الوقت عضوة بحزب التجمع في الجناح الذي يسعى لإصلاح الحزب وتطويره، ولأنها صدقت مثلنا جميعًا أن هناك رغبة في التطوير فقد أبدت رأيها الناقد لأوضاع قائمة في الحزب، فما كان من المسئول الحزبي الذي حضر ليستمع ويناقش إلا أن صرخ فيها مهددًا لها بالمحاسبة والعقاب التنظيمي، فأعضاء الحزب لا يحق لهم الكلام أمام الغرباء! ساعتها عرفت إن ما فيش فايدة، بالمناسبة أصبح القيادي التجمعي وزيرًا وأصبحت الزميلة الباحثة صحفية مهمة في جريدة مصرية تصدر بلغة أجنبية، أما أنا فلم أدخل من يومها مقرًا لحزب التجمع إلا مرتين، في تأبين الدكتورة لطيفة الزيات ويوم طلب مني الزميل الدكتور نصر حامد أبو زيد أن ألقي نيابة عنه كلمته في لقاء التضامن الذي نظمه حزب التجمع عقب صدور الحكم ضده.
 وما زلت موقنًا بأن أحزابًا على هذه الشاكلة لا يمكن أن تعيش أو تحقق نجاحًا أو تبني وطنًا، أو تنتصر على الإخوان المسلمين وفكرهم الشمولي، كي تنتصر القوى الليبرالية والتقدمية لابد أن تكون أولًا ليبرالية بجد وتقدمية بجد.
الدستور 14 ديسمبر 2005