الأربعاء، 28 مارس 2018

أيام القصة... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
أيام القصة
عماد أبو غازي
  مساء الأربعاء الماضي اختتمت أعمال ملتقى القاهرة الأول للقصة القصيرة، الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة، وأعلنت لجنة تحكيم جائزة القاهرة للإبداع القصصي في دورتها الأولى والتي رأسها الناقد المصري البارز الدكتور جابر عصفور ضمت نقادًا ومبدعين ينتمون إلى ثمان دول عربية فوز القاص السوري زكريا تامر بالجائزة، وألقى الدكتور محمود الربيعي التقرير الذي تضمن حيثيات منح الجائزة لزكريا تامر، زكريا تامر الذي أبدع في هذا النوع الأدبي على مدى نصف قرن، أخلص فيها للقصة القصيرة ولم يكتب غيرها من الأنواع الأدبية، وقدم إضافة مهمة ومتميزة للقصة القصيرة العربية، وقد استقبل جمهور الحاضرين كما استقبلت الأوساط الثقافية العربية نبأ فوز زكريا تامر بالجائزة بارتياح بالغ مثلما حدث عقب فوز الشاعر الكبير محمود درويش بجائزة القاهرة للإبداع الشعري العربي في دورتها الأولى.

 استمر الملتقى على مدى أربعة أيام، كانت حافلة بالنقاش والحوار بين المبدعين والنقاد، شارك في الملتقى قرابة 250 من المبدعين والمبدعات ومن نقاد الأدب وناقداته، كما شارك في الفاعليات مؤرخين وسينمائيين، من 16 بلدًا بالإضافة إلى مصر، وناقش الملتقى قرابة 90 بحثًا تناولت القصة القصيرة عمومًا والقصة القصيرة العربية خصوصًا من زوايا متعددة مثل: قضايا النشأة والتطور والانتشار في الثقافات الإنسانية، والقصة العربية والقصة الغربية التفاعل والاستقلال، وقواعد الفن القصصي بين الثابت والمتغير، والقصة والصحافة الأدبية الانكماش والازدهار، والقصة والفنون الأخرى مثل المسرح والسينما والإذاعة، والقصة القصيرة في النقد والدراسات الأكاديمية، والخصوصيات الجمالية للقصة في الآداب الإنسانية المختلفة، والاقتباس والتناص والتحول في القصة القصيرة، والسرد القصصي في التراث العربي، والقصة القصيرة ومشكلات التعريف، والمكان وجماليات النص القصصي، ومفردات العالم القصصي في كتابة المرأة، والقصة القصيرة ومغامرات الشكل، والمشهد القصصي العربي.
 وقد عقدت خلال أيام الملتقى 21 جلسة للأبحاث، و4 جلسات للحوار بين الأجيال تحت عنوان القصة القصيرة العربية تواصل أم انقطاع شارك فيها 60 قاصًا وقاصة، و6 جلسات للقراءات القصصية شارك فيها 25 قاصًا وقاصة، و7 موائد مستديرة شارك فيها 80 مشاركًا، وناقشت إشكاليات النشر للقصة القصيرة، والقصة القصيرة والجماعات الأدبية المستقلة، والقصة القصيرة والمدونات، والقصة القصيرة في الأدب المقارن من خلال ثلاث جلسات خصصت إحداها للقصة القصيرة في الآداب الإسبانو ـ أمريكية، والثانية للقصة القصيرة في الآداب الأوروبية، والثالثة للقصة القصيرة في الآداب الأسيوية.
 ولم تقتصر الفعاليات على الندوات وجلسات القص والحوار التي شغلت جل قاعات المجلس الأعلى للثقافة، بل كانت هناك أمسيتان بمركز الإبداع للأفلام القصيرة المأخوذة عن قصص قصيرة، الأمسية الأولى لأفلام أخذت عن قصص للأديب الكبير يوسف إدريس، والأمسية الثانية عن أفلام أخذت عن أعمال قصصية للروائي الكبير نجيب محفوظ، وترجع فكرة الأمسيتان للناقد علي أبو شادي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة.
 وقد أصدر المجلس بمناسبة هذا الملتقى 14 كتابًا تتناول جوانب مختلفة ذات صلة بالقصة القصيرة، من بينها إعادة إصدار بعض الأعمال المهمة عن القصة القصيرة مثل دراسة الدكتور شكري عياد عن القصة القصيرة المصرية، التي صدرت أخر طبعاتها قبل ثلاثين سنة، إلى جانب أعمال جديدة عن القصة القصيرة العربية لأحمد عبد الرازق أبو العلا وحسين عيد ونجاة علي، وثلاثة مجلدات تضم مختارات من القصة المصرية القصيرة منذ بدايتها إلى اليوم، جمعها وقدم لها حسين حموده، بالإضافة إلى كتاب عن المشهد القصصي العربي شارك في تأليفه خمسة عشر باحثا من مختلف الأقطار العربية رصدوا فيه واقع القصة القصيرة في عالمنا العربي.
 وإذا كان ختام الملتقى شهد إعلان جائزة القاهرة للإبداع القصصي العربي في دورتها الأولى، والتي تبلغ قيمتها 100 ألف جنيه ويمولها صندوق التنمية الثقافية، فإن افتتاح الملتقى شهد إعلان جائزة يوسف إدريس للقصة القصيرة العربية للمبدعين تحت سن 40 سنة في دورتها الثالثة، وتمنح على مجموعة قصصية صدرت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وتحمل الجائزة اسم الكاتب المصري الكبير يوسف إدريس اعترافًا بدوره في تطور القصة القصيرة العربية.
 وقد حصل على الجائزة في دورتها الأولى عام 2007 الأديب سليمان المعمري من سلطنة عمان، عن مجموعته القصصية "الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة"، وفي الدورة الثانية عام 2007 الأديب محمد إبراهيم طه من مصر، عن مجموعته القصصية "الركض في مساحة خضراء"، وفي هذه الدورة التي تواكب انطلاق ملتقى القاهرة الأول للقصة القصيرة العربية فاز بالجائزة الأديب سامر الشمالي من سوريا عن مجموعته القصصية "ماء ودماء".
 لقد بدأت حكاية هذا الملتقى عندما اقترح الكاتب المبدع خيري شلبي تنظيم ملتقى للقصة القصيرة على غرار ملتقى الرواية الذي بدأ سنة 1998 وملتقى الشعر الذي بدأ عام 2007، لتكتمل بذلك أركان مثلث الإبداع الأدبي، وقد تحمس الناقد علي أبو شادي للفكرة فورًا، وعرضها على وزير الثقافة الفنان فاروق حسني فرحب بها ووافق عليها.
وتقديرًا للمبدع الراحل يحيى الطاهر عبد الله ولإسهام البارز في هذا النوع الأدبي فقد قررت لجنة الإعداد للملتقى إطلاق اسمه على الدورة الأولى لملتقى القاهرة للقصة القصيرة العربية، كما خصصت مائدة من الموائد المستديرة للمناقشة منجزه الإبداعي.
 من المنظر أن يعقد الملتقى كل عامين وأن يصاحب الملتقى القادم صدور مجلدات جديدة من عيون القصة القصيرة العربية، كما أوصى المشاركون كذلك بأن يصدر المجلس كتابًا سنويًا للقصة القصيرة المصرية يتضمن نصوصًا مختارة تعبر عما نشر خلال عام.
 الدستور 11 نوفمبر 2009

ناصر الأنصاري... شهادة من قريب... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
ناصر الأنصاري... شهادة من قريب
عماد أبو غازي


 صباح الثلاثاء الماضي 20 أكتوبر تلقيت مكالمة من زميلنا في هيئة الكتاب العميد سيد أبو شادي تحمل نبأ رحيل الدكتور ناصر الأنصاري، عرفت الرجل عن قرب طوال السنوات الثلاث الماضية، عملت في الفريق الذي كان يقوده للإعداد للمشاركة المصرية كضيف للشرف في معارض الكتاب في لندن وجنيف وتورينو ونيو يورك وطوكيو، لم تكن المرة الأولى التي أتعامل فيها مع الرجل، لكنها المرة الأولى التي أتعامل معه بهذا القرب والاستمرارية على مدى أكثر من ثلاث سنوات.
 صلتي بالدكتور ناصر الأنصاري قديمة ترجع إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال مؤلفاته الأولى، التي تعرفت من خلالها على باحث متميز متخصص في تاريخ النظم وتطورها، ومن أهم هذه المؤلفات التي توالى صدورها على مدى قرابة عشرين عامًا: موسوعة حكام مصر من الفراعنة إلى اليوم، تاريخ أنظمة الشرطة في مصر من الفراعنة إلى اليوم، ببليوجرافيا الأمن العام والشرطة والعلوم الجنائية من 1955 -1988 في مصر مشاركة مع أستاذي أبو الفتوح حامد عودة، من بريق العقد الفريد لابن عبد ربه، المجمل فى تاريخ مصر، هؤلاء حكموا مصر تاريخ المراسم في مصر، البلاط الملكي في إمبراطوريات غرب إفريقيا القديم، علم مصر، النقود والبنوك الضريبية، السلطة المقدسة للفرعون نظريا وتطبيقيا، نظام ملكية الأراضي العقارية في مصر من العصور الفرعونية حتى القرن العشرين، المجمل في تاريخ القانون المصري، والعروبة في مقابل العولمة عناصر لنظرية جديدة.
 وتعكس مؤلفات الدكتور الأنصاري عناصر تكوينه فهو متخرج من كلية الشرطة عام 1968، وحصل على ليسانس القانون من كلية الحقوق جامعة عين شمس في نفس السنة، ثم حصل على دراسات عليا فى الإدارة من جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1979، كما حصل على دكتوراه الدولة في القانون مع التخصص في تاريخ النظم القانونية، والسياسية والاجتماعية من كلية القانون إكس.إن. بروفانس بجامعة مارسيليا بفرنسا عام 1985، فتخصص بحكم الدراسة في مجال النظم القانونية وبحكم العمل في مجال المراسم، فقد شغل عدة مناصب قبل انتقاله للعمل في وزارة الثقافة حيث كان أمينا برئاسة الجمهورية منذ عام 1975، ورئيس لإدارة أمناء الضيافة 1988، ثم وكيل الوزارة بديوان كبير الأمناء من 1989 - 1991، قبل أن ينتقل إلى دار الأوبرا.
 لقد عرفت الرجل من كتاباته قبل أن أعرفه شخصيًا، كانت المرة الأولى التي أتعامل معه فيها في عام 1992 بعد أن تولى رئاسة دار الأوبرا بأشهر قليلة، كان قد أصبح رئيسا لدار الأوبرا في نوفمبر 1991، وكنت وقتها أشارك في الإعداد للاحتفال بالمؤية الأولى لصدور مجلة الهلال، وكانت دار الأوبرا تشارك في الاحتفال من خلال حفل فني وأمسية شعرية لشاعر العراق الكبير الجواهري، كما كانت قاعة المعارض بها تستضيف معرضًا للصور الفوتوغرافية التي تستعرض تاريخ مصر في مئة عام من خلال أرشيف الهلال، وكان هذا المعرض ضمن مسؤلياتي في الاحتفالية، ذهبت وقتها لمقابلة رئيس الأوبرا الجديد، فتعرفت على الدكتور ناصر الأنصاري الذي قرأت له من قبل، وتعاملت معه مباشرة، فرأيت فيه المثقف الرفيع والإداري الحازم بعد أن عرفت الباحث المدقق، نجح المعرض بفضل دعم ناصر الأنصاري ومعاونته رغم أننا بدأنا عملنا في اللحظة الأخيرة، ولنجاح المعرض في قاعة دار الأوبرا قررت دار الهلال استمراره لأسابيع على جدران مبناها بشارع المبتديان.
 بعد ست سنوات ألتقيته مرة أخرى عندما تولى رئاسة هيئة دار الكتب والوثائق القومية في عام 1998 بعد الدكتور جابر عصفور الذي عملت معه في الدار طوال شهور توليه لها مستشارًا فنيًا لدار الوثائق القومية، عندما تولى الدكتور ناصر الدار ذهبت لتحيته بعد انتهاء مهمتي في الاستشارية.
 سافر الدكتور ناصر الأنصاري إلى فرنسا ليشغل منصب مدير معهد العالم العربي في باريس من يناير 1999 حتى مارس 2005، وانقطعت صلتي به لسنوات إلى أن عاد ليتولى رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، محاولًا أن يقدم رؤية جديدة للهيئة ودورها، وأن يضع تصورًا مختلفًا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، فأدخل فكرة ضيف الشرف في المعرض الدولي، وضيف الشرف العربي في معرض الإسكندرية الذي تحرك موعده إلى الصيف وأصبح معرضًا عربيًا، وشارك الدكتور الإنصارى من خلال رئاسته للهيئة المصرية العامة للكتاب في تنظيم العديد من المعارض الداخلية بالتعاون مع المحافظات والجامعات على مستوى الجمهورية، كما طور مشاركات مصر في معارض الكتاب في العالم، وفي السنوات الأخيرة كانت مصر ضيفًا للشرف في معرض جنيف للكتاب والصحافة عام 2008، ومعرض تورينو للكتاب في إيطاليا عام 2009، ومعرض طوكيو للكتاب عام 2009 أيضًا، كما كانت مصر ضيفًا للشرف ضمن المشاركة العربية في لندن 2008 ونيو يورك 2009.
 خلال السنوات من 2006 حتى قبيل رحيله بأيام قلائل عملت معه عن قرب ضمن فريق من الزملاء في وزارة الثقافة ومن الكتاب والناشرين في الإعداد للبرامج الثقافية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في أربع دورات متتالية، وللإعداد للمشاركة المصرية في خمسة من المعارض الدولية، عرفت من خلالها ناصر الأنصاري الإنسان بعد أن عرفت من قبل ناصر الأنصاري الباحث وناصر الأنصاري المثقف وناصر الأنصاري القيادي في العمل الثقافي، عرفت الإنسان الودود مرهف الحس الذي يشعر بالآخرين ويجيد التعامل مع اختلافات البشر، ثم عرفت في الأسابيع الأخيرة ناصر الأنصاري الفارس المقاتل المتفاني في عمله حتى اللحظة الأخيرة، الذي يشيع الأمل في كل من حوله رغم ما يحمل من الألم، الذي يرحل واقفًا على قدميه، تحية لرجل عشق الحياة وأخلص للوطن وأحب الناس، فأحبوه وقدروه وحفروا له مكانًا في قلوبهم.
الدستور 28 أكتوبر 2009

وقال الدمياطة إحنا اللي نقلنا الكوبري من أرشيف مقالاتي القديمة


من أرشيف مقالاتي القديمة...
مخربشات
وقال الدمياطة: إحنا اللي نقلنا الكوبري

عماد أبو غازي

 "إحنا اللي نقلنا الكوبري"، التوقيع: الدمايطة، عبارة مكتوبة باللون الأزرق على قاعدة من قواعد الكوبري الخراساني الجديد في دمياط، تعكس فرحة أهالي دمياط بإنقاذ الكوبري المعدني القديم الذي كان يربط الشرق بالغرب، وتحويله إلى مركز ثقافي مرتبط بمكتبة مبارك التي تطل على نيل دمياط.


 لم يتح لي أن اتابع من قبل أزمة كوبري دمياط التاريخي، أو بمعنى أدق لم أفهم أبعادها، إلا أثناء حضوري الجلسة الأولى من جلسات المؤتمر الدولي الذي بدأ يوم الأحد الماضي وتنتهي أعماله مساء اليوم الأربعاء، والذي تنظمه دار الكتب والوثائق القومية بالتعاون مع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري وجامعة فلورنسا، يحمل المؤتمر عنوان "الحفاظ على التراث الثقافي ـ التراث المعماري والمخطوطات الورقية والرقية"، ويناقش من خلال مجموعة من الأبحاث والمحاضرات والعروض تجارب الحفاظ على التراث وصيانته، والخبرات المتنوعة في هذا المجال، وبعض المشروعات الناجحة في هذا المضمار.
 في الجلسة العلمية الأولى قدم الدكتور محمد فتحي البرادعي محافظ دمياط محاضرة وعرضًا لمشروع الحفاظ على كوبري دمياط التاريخي، ومحافظ دمياط معماري متميز كان رئيسًا لقسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة عين شمس قبل أن يتولى منصبه كمحافظ لدمياط، تلك المحافظة الصغيرة التي تحمل تاريخًا كبيرًا.


 وأثناء المحاضرة تم توزيع كتاب وثائقي يحمل عنوان: "رحلة كوبري" يروي بالكلمة والوثيقة والصورة قصة إنقاذ كوبري دمياط المعدني الذي يرجع تاريخه إلى سنة 1890، وكان في البداية وفقًا لما ورد في كتاب تقويم النيل لأمين سامي قد أُنشئ ليربط القاهرة بإمبابة، ولتعبر عليه قطارات الصعيد، وفي سنة 1925 انتهى العمل في بناء كوبري إمبابة الجديد، وكان  قرار إنشاء كوبري جديد إلى الشمال من الكوبري القديم قد صدر عام 1912، لكن التنفيذ استغرق 13 عامًا بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى، وفي سنة 1927 تقرر إنشاء كوبري بدمياط يربط المدينة بمحطة السكة الحديد على الجانب الآخر من النيل، وقررت الحكومة استخدام أجزاء كوبري إمبابة القديم في بناء كوبري دمياط، واستغرقت أعمال الإنشاء عامين، وافتتح الكوبري سنة 1929، ومن يومها تغير وجه المدينة وأصبح الكوبري المعدني جزءًا من وجدان الناس في دمياط.
 مع بداية الألفية الجديدة كان الكوبري قد بدأ يتهالك كما توقف جهاز الحركة فيه، فأصبح غير قابل للفتح، وبالتالي بات يشكل عائقًا أمام حركة الملاحة النهرية، وفي عام 2003 طرحت مناقصة لإنشاء كوبري خرساني جديد ليحل محل الكوبري المعدني القديم، ولم يلتفت القائمون على الأمر لقيمة الكوبري القديم تاريخيًا وجماليًا، فباعوه ضمن صفقة الإنشاء للشركة التي تقوم ببناء الكوبري الجديد مقابل تخفيض نفقات الإنشاء، وبدورها باعته الشركة لمقاول يعمل في الخردة فبدأ في تفكيكه تمهيدًا لبيعه بالطن.
 لكن الأقدار ساقت إلى دمياط محافظ جديد يملك رؤية بحكم تخصصه كمعماري في الأساس، وبعد دراسة الموضوع بدقة أصدر قرارًا بمنع أية أعمال فك وتقطيع للكوبري المعدني القديم باعتباره أثرًا تاريخيًا، ديباجة القرار رقم 5 لسنة 2007، الذي أصدره المحافظ الدكتور محمد فتحي البرادعي نادرة لم أر مثلها من قبل، فعادة تستند الديباجة أو مقدمة القرار إلى القوانين واللوائح والمذكرات الإدارية، لكنها ربما المرة الأولى التي يستند فيها قرار لمحافظ على المراجع التاريخية، فقد استند القرار ضمن ما استند إليه من الاطلاع على القوانين والتقارير، إلى الاطلاع على "المراجع التاريخية الثابت بها أن كوبري دمياط المعدني القديم يرجع إنشاؤه لعام 1890 ضمن كوبري إمبابة بمحافظة الجيزة والذي تم نقله ىإلى مدينة دمياط عام 1927، وبذلك يعتبر أقدم كوبري معدني حاليًا قائم على نهر النيل، ويكون منشأ تاريخيًا يتم التعامل معه كأثر تاريخي."


 وقد نص القرار على وقف أعمال فك الكوبري وتقطيعه، والبدء في تصميم موقع جديد أمام مكتبة مبارك العامة بدمياط ينقل إليه الكوبري عائمًا دون تقطيعه، ليكون معرضًا للأعمال الفنية ومركزًا للأنشطة الثقافية يتبع إداريًا مكتبة مبارك العامة.
 وبعد عامين بقليل أصبح القرار حقيقة، فبعد 80 سنة على انتهاء أعمال نقل كوبري إمبابة القديم إلى دمياط، انتهت أعمال إنقاذ الكوبري التاريخي، وافتتح الرئيس مبارك جسر الحضارة في 3 أغسطس الماضي.
 لقد تحول الكوبري بالفعل إلى مركز قادر على استيعاب الأنشطة الفنية والثقافية بفضل محافظ امتلك جسارة اتخاذ القرار الذي يحافظ على التراث الثقافي، قبل محاضرة الدكتور البرادعي استمعت إليه وهو يتحدث إلى بعض المشاركين من المصريين والعرب عن مدينة دمياط وطابعها الخاص، وكيف تقرر بالاتفاق ما بين المحافظة والمجلس المحلي والأهالي الإبقاء على ورش النجارة والمصانع الصغيرة داخل المدينة باعتبار أن هذه الورش والمصانع تعكس أسلوب اجتماعي اقتصادي ثقافي كاد أن ينقرض، وإن ما ينبغي نقله فقط هو الورش الضارة بالبيئة مثل ورش الرخام وورش الدهان بالدكو والبوليستر.
 الدكتور البرادعي يقدم نموذجًا للمسئول الذي يتخذ قراراته بناء على دراسة علمية ووعي ثقافي وحضاري وفهم للمجتمع الذي يديره وإدراك لخصوصياته.
الدستور 21 أكتوبر 2009