الأربعاء، 28 مارس 2018

وقال الدمياطة إحنا اللي نقلنا الكوبري من أرشيف مقالاتي القديمة


من أرشيف مقالاتي القديمة...
مخربشات
وقال الدمياطة: إحنا اللي نقلنا الكوبري

عماد أبو غازي

 "إحنا اللي نقلنا الكوبري"، التوقيع: الدمايطة، عبارة مكتوبة باللون الأزرق على قاعدة من قواعد الكوبري الخراساني الجديد في دمياط، تعكس فرحة أهالي دمياط بإنقاذ الكوبري المعدني القديم الذي كان يربط الشرق بالغرب، وتحويله إلى مركز ثقافي مرتبط بمكتبة مبارك التي تطل على نيل دمياط.


 لم يتح لي أن اتابع من قبل أزمة كوبري دمياط التاريخي، أو بمعنى أدق لم أفهم أبعادها، إلا أثناء حضوري الجلسة الأولى من جلسات المؤتمر الدولي الذي بدأ يوم الأحد الماضي وتنتهي أعماله مساء اليوم الأربعاء، والذي تنظمه دار الكتب والوثائق القومية بالتعاون مع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري وجامعة فلورنسا، يحمل المؤتمر عنوان "الحفاظ على التراث الثقافي ـ التراث المعماري والمخطوطات الورقية والرقية"، ويناقش من خلال مجموعة من الأبحاث والمحاضرات والعروض تجارب الحفاظ على التراث وصيانته، والخبرات المتنوعة في هذا المجال، وبعض المشروعات الناجحة في هذا المضمار.
 في الجلسة العلمية الأولى قدم الدكتور محمد فتحي البرادعي محافظ دمياط محاضرة وعرضًا لمشروع الحفاظ على كوبري دمياط التاريخي، ومحافظ دمياط معماري متميز كان رئيسًا لقسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة عين شمس قبل أن يتولى منصبه كمحافظ لدمياط، تلك المحافظة الصغيرة التي تحمل تاريخًا كبيرًا.


 وأثناء المحاضرة تم توزيع كتاب وثائقي يحمل عنوان: "رحلة كوبري" يروي بالكلمة والوثيقة والصورة قصة إنقاذ كوبري دمياط المعدني الذي يرجع تاريخه إلى سنة 1890، وكان في البداية وفقًا لما ورد في كتاب تقويم النيل لأمين سامي قد أُنشئ ليربط القاهرة بإمبابة، ولتعبر عليه قطارات الصعيد، وفي سنة 1925 انتهى العمل في بناء كوبري إمبابة الجديد، وكان  قرار إنشاء كوبري جديد إلى الشمال من الكوبري القديم قد صدر عام 1912، لكن التنفيذ استغرق 13 عامًا بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى، وفي سنة 1927 تقرر إنشاء كوبري بدمياط يربط المدينة بمحطة السكة الحديد على الجانب الآخر من النيل، وقررت الحكومة استخدام أجزاء كوبري إمبابة القديم في بناء كوبري دمياط، واستغرقت أعمال الإنشاء عامين، وافتتح الكوبري سنة 1929، ومن يومها تغير وجه المدينة وأصبح الكوبري المعدني جزءًا من وجدان الناس في دمياط.
 مع بداية الألفية الجديدة كان الكوبري قد بدأ يتهالك كما توقف جهاز الحركة فيه، فأصبح غير قابل للفتح، وبالتالي بات يشكل عائقًا أمام حركة الملاحة النهرية، وفي عام 2003 طرحت مناقصة لإنشاء كوبري خرساني جديد ليحل محل الكوبري المعدني القديم، ولم يلتفت القائمون على الأمر لقيمة الكوبري القديم تاريخيًا وجماليًا، فباعوه ضمن صفقة الإنشاء للشركة التي تقوم ببناء الكوبري الجديد مقابل تخفيض نفقات الإنشاء، وبدورها باعته الشركة لمقاول يعمل في الخردة فبدأ في تفكيكه تمهيدًا لبيعه بالطن.
 لكن الأقدار ساقت إلى دمياط محافظ جديد يملك رؤية بحكم تخصصه كمعماري في الأساس، وبعد دراسة الموضوع بدقة أصدر قرارًا بمنع أية أعمال فك وتقطيع للكوبري المعدني القديم باعتباره أثرًا تاريخيًا، ديباجة القرار رقم 5 لسنة 2007، الذي أصدره المحافظ الدكتور محمد فتحي البرادعي نادرة لم أر مثلها من قبل، فعادة تستند الديباجة أو مقدمة القرار إلى القوانين واللوائح والمذكرات الإدارية، لكنها ربما المرة الأولى التي يستند فيها قرار لمحافظ على المراجع التاريخية، فقد استند القرار ضمن ما استند إليه من الاطلاع على القوانين والتقارير، إلى الاطلاع على "المراجع التاريخية الثابت بها أن كوبري دمياط المعدني القديم يرجع إنشاؤه لعام 1890 ضمن كوبري إمبابة بمحافظة الجيزة والذي تم نقله ىإلى مدينة دمياط عام 1927، وبذلك يعتبر أقدم كوبري معدني حاليًا قائم على نهر النيل، ويكون منشأ تاريخيًا يتم التعامل معه كأثر تاريخي."


 وقد نص القرار على وقف أعمال فك الكوبري وتقطيعه، والبدء في تصميم موقع جديد أمام مكتبة مبارك العامة بدمياط ينقل إليه الكوبري عائمًا دون تقطيعه، ليكون معرضًا للأعمال الفنية ومركزًا للأنشطة الثقافية يتبع إداريًا مكتبة مبارك العامة.
 وبعد عامين بقليل أصبح القرار حقيقة، فبعد 80 سنة على انتهاء أعمال نقل كوبري إمبابة القديم إلى دمياط، انتهت أعمال إنقاذ الكوبري التاريخي، وافتتح الرئيس مبارك جسر الحضارة في 3 أغسطس الماضي.
 لقد تحول الكوبري بالفعل إلى مركز قادر على استيعاب الأنشطة الفنية والثقافية بفضل محافظ امتلك جسارة اتخاذ القرار الذي يحافظ على التراث الثقافي، قبل محاضرة الدكتور البرادعي استمعت إليه وهو يتحدث إلى بعض المشاركين من المصريين والعرب عن مدينة دمياط وطابعها الخاص، وكيف تقرر بالاتفاق ما بين المحافظة والمجلس المحلي والأهالي الإبقاء على ورش النجارة والمصانع الصغيرة داخل المدينة باعتبار أن هذه الورش والمصانع تعكس أسلوب اجتماعي اقتصادي ثقافي كاد أن ينقرض، وإن ما ينبغي نقله فقط هو الورش الضارة بالبيئة مثل ورش الرخام وورش الدهان بالدكو والبوليستر.
 الدكتور البرادعي يقدم نموذجًا للمسئول الذي يتخذ قراراته بناء على دراسة علمية ووعي ثقافي وحضاري وفهم للمجتمع الذي يديره وإدراك لخصوصياته.
الدستور 21 أكتوبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق