الأربعاء، 28 مارس 2018

ناصر الأنصاري... شهادة من قريب... من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
ناصر الأنصاري... شهادة من قريب
عماد أبو غازي


 صباح الثلاثاء الماضي 20 أكتوبر تلقيت مكالمة من زميلنا في هيئة الكتاب العميد سيد أبو شادي تحمل نبأ رحيل الدكتور ناصر الأنصاري، عرفت الرجل عن قرب طوال السنوات الثلاث الماضية، عملت في الفريق الذي كان يقوده للإعداد للمشاركة المصرية كضيف للشرف في معارض الكتاب في لندن وجنيف وتورينو ونيو يورك وطوكيو، لم تكن المرة الأولى التي أتعامل فيها مع الرجل، لكنها المرة الأولى التي أتعامل معه بهذا القرب والاستمرارية على مدى أكثر من ثلاث سنوات.
 صلتي بالدكتور ناصر الأنصاري قديمة ترجع إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال مؤلفاته الأولى، التي تعرفت من خلالها على باحث متميز متخصص في تاريخ النظم وتطورها، ومن أهم هذه المؤلفات التي توالى صدورها على مدى قرابة عشرين عامًا: موسوعة حكام مصر من الفراعنة إلى اليوم، تاريخ أنظمة الشرطة في مصر من الفراعنة إلى اليوم، ببليوجرافيا الأمن العام والشرطة والعلوم الجنائية من 1955 -1988 في مصر مشاركة مع أستاذي أبو الفتوح حامد عودة، من بريق العقد الفريد لابن عبد ربه، المجمل فى تاريخ مصر، هؤلاء حكموا مصر تاريخ المراسم في مصر، البلاط الملكي في إمبراطوريات غرب إفريقيا القديم، علم مصر، النقود والبنوك الضريبية، السلطة المقدسة للفرعون نظريا وتطبيقيا، نظام ملكية الأراضي العقارية في مصر من العصور الفرعونية حتى القرن العشرين، المجمل في تاريخ القانون المصري، والعروبة في مقابل العولمة عناصر لنظرية جديدة.
 وتعكس مؤلفات الدكتور الأنصاري عناصر تكوينه فهو متخرج من كلية الشرطة عام 1968، وحصل على ليسانس القانون من كلية الحقوق جامعة عين شمس في نفس السنة، ثم حصل على دراسات عليا فى الإدارة من جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1979، كما حصل على دكتوراه الدولة في القانون مع التخصص في تاريخ النظم القانونية، والسياسية والاجتماعية من كلية القانون إكس.إن. بروفانس بجامعة مارسيليا بفرنسا عام 1985، فتخصص بحكم الدراسة في مجال النظم القانونية وبحكم العمل في مجال المراسم، فقد شغل عدة مناصب قبل انتقاله للعمل في وزارة الثقافة حيث كان أمينا برئاسة الجمهورية منذ عام 1975، ورئيس لإدارة أمناء الضيافة 1988، ثم وكيل الوزارة بديوان كبير الأمناء من 1989 - 1991، قبل أن ينتقل إلى دار الأوبرا.
 لقد عرفت الرجل من كتاباته قبل أن أعرفه شخصيًا، كانت المرة الأولى التي أتعامل معه فيها في عام 1992 بعد أن تولى رئاسة دار الأوبرا بأشهر قليلة، كان قد أصبح رئيسا لدار الأوبرا في نوفمبر 1991، وكنت وقتها أشارك في الإعداد للاحتفال بالمؤية الأولى لصدور مجلة الهلال، وكانت دار الأوبرا تشارك في الاحتفال من خلال حفل فني وأمسية شعرية لشاعر العراق الكبير الجواهري، كما كانت قاعة المعارض بها تستضيف معرضًا للصور الفوتوغرافية التي تستعرض تاريخ مصر في مئة عام من خلال أرشيف الهلال، وكان هذا المعرض ضمن مسؤلياتي في الاحتفالية، ذهبت وقتها لمقابلة رئيس الأوبرا الجديد، فتعرفت على الدكتور ناصر الأنصاري الذي قرأت له من قبل، وتعاملت معه مباشرة، فرأيت فيه المثقف الرفيع والإداري الحازم بعد أن عرفت الباحث المدقق، نجح المعرض بفضل دعم ناصر الأنصاري ومعاونته رغم أننا بدأنا عملنا في اللحظة الأخيرة، ولنجاح المعرض في قاعة دار الأوبرا قررت دار الهلال استمراره لأسابيع على جدران مبناها بشارع المبتديان.
 بعد ست سنوات ألتقيته مرة أخرى عندما تولى رئاسة هيئة دار الكتب والوثائق القومية في عام 1998 بعد الدكتور جابر عصفور الذي عملت معه في الدار طوال شهور توليه لها مستشارًا فنيًا لدار الوثائق القومية، عندما تولى الدكتور ناصر الدار ذهبت لتحيته بعد انتهاء مهمتي في الاستشارية.
 سافر الدكتور ناصر الأنصاري إلى فرنسا ليشغل منصب مدير معهد العالم العربي في باريس من يناير 1999 حتى مارس 2005، وانقطعت صلتي به لسنوات إلى أن عاد ليتولى رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، محاولًا أن يقدم رؤية جديدة للهيئة ودورها، وأن يضع تصورًا مختلفًا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، فأدخل فكرة ضيف الشرف في المعرض الدولي، وضيف الشرف العربي في معرض الإسكندرية الذي تحرك موعده إلى الصيف وأصبح معرضًا عربيًا، وشارك الدكتور الإنصارى من خلال رئاسته للهيئة المصرية العامة للكتاب في تنظيم العديد من المعارض الداخلية بالتعاون مع المحافظات والجامعات على مستوى الجمهورية، كما طور مشاركات مصر في معارض الكتاب في العالم، وفي السنوات الأخيرة كانت مصر ضيفًا للشرف في معرض جنيف للكتاب والصحافة عام 2008، ومعرض تورينو للكتاب في إيطاليا عام 2009، ومعرض طوكيو للكتاب عام 2009 أيضًا، كما كانت مصر ضيفًا للشرف ضمن المشاركة العربية في لندن 2008 ونيو يورك 2009.
 خلال السنوات من 2006 حتى قبيل رحيله بأيام قلائل عملت معه عن قرب ضمن فريق من الزملاء في وزارة الثقافة ومن الكتاب والناشرين في الإعداد للبرامج الثقافية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في أربع دورات متتالية، وللإعداد للمشاركة المصرية في خمسة من المعارض الدولية، عرفت من خلالها ناصر الأنصاري الإنسان بعد أن عرفت من قبل ناصر الأنصاري الباحث وناصر الأنصاري المثقف وناصر الأنصاري القيادي في العمل الثقافي، عرفت الإنسان الودود مرهف الحس الذي يشعر بالآخرين ويجيد التعامل مع اختلافات البشر، ثم عرفت في الأسابيع الأخيرة ناصر الأنصاري الفارس المقاتل المتفاني في عمله حتى اللحظة الأخيرة، الذي يشيع الأمل في كل من حوله رغم ما يحمل من الألم، الذي يرحل واقفًا على قدميه، تحية لرجل عشق الحياة وأخلص للوطن وأحب الناس، فأحبوه وقدروه وحفروا له مكانًا في قلوبهم.
الدستور 28 أكتوبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق