الأحد، 31 ديسمبر 2017

حوار الموت والحياة... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
حوار الموت والحياة
عماد أبو غازي
 على مدى خمسة أيام، انتهت مساء السبت الماضي، شهدت القاهرة والإسكندرية أعمال الحلقة البحثية حول الموت والحياة، التي حملت عنوان حوارات من مصر، وقد تم تنظيم هذه الندوة في القاهرة بين المجلس الأعلى للثقافة ومركز دراسات الموت والحياة بجامعة طوكيو باليابان، وفي الإسكندرية بين المركز الياباني ومركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية، لكن ما هو برنامج دراسات الموت والحياة؟
  قال عنه سوسومو شيمازونو مدير البرنامج في محاضرته الافتتاحية بالقاهرة، إنه قد قام منذ عام 2002 على شراكة بين مدرسة الدراسات الإنسانية والاجتماعية (كلية الآداب) بجامعة طوكيو، مع كلية الطب، وكلية التربية، وجهات أخرى، لتنفيذ برنامج لدراسات الموت والحياة بمركز القرن الحادي والعشرين بالجامعة، ويسعى لتطوير نظام تعليم وبحوث رصين فى هذا المجال، ويتطلع المركز من خلال أنشطته إلى التعاون مع المؤسسات الثقافية والأكاديمية عبر العالم، ومن هنا كانت مبادرة تنظيم هذه الحلقة البحثية.
 أما دراسات الموت والحياة، كما عرفها سوسومو شيمازونو مدير مركز دراسات الموت والحياة في جامعة طوكيو، فتعد تخصُّص أكاديمى جديد يبحث عن نقاط الالتقاء والتبادل بين الطب، والعلوم الاجتماعية، والإنسانيات. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة وتطورت بسرعة، بسبب التطور الذي شهدته العلوم الطبية في السنوات الأخيرة، والذي لا يواكبه بنفس السرعة تطور في منظومة القيم، فعلى الرغم من أن المرافق الطبية المعاصرة تبذل جهدًا كبيرًا فى رعاية المشرفين على الموت، فإن مشكلات هؤلاء لا يمكن حلها جميعًا على أساس النموذج الطبى الحديث القائم على العلوم الطبيعية فقط. فمنذ ستينيات القرن الماضى حقَّقت حركة رعاية مرض الموت، على سبيل المثال، قفزات واسعة فى أمريكا الشمالية وأوربا، كما أحرزت البرامج التعليمية والبحوث التى استهدفت تلبية احتياجات هؤلاء المرضى الذين يواجهون الموت وأسرهم تقدمًا ملحوظًا.
 وقد تزامن هذا التطور مع ظهور عدد كبير من المشكلات المتعلقة بأخلاقيات البيولوجيا. فمع إمكانية زرع الأعضاء، والتلقيح الصناعى، واختبار الجينات، أصبح التغلُّب على عدد من المشكلات التى كان من المستحيل التغلُّب عليها فى السابق أمرًا ممكنًا، وزادت الاستجابة لاحتياجات الإنسان بشكل كبير. ولكن، على الرغم من أن الطب قد عزَّز قدراته على حلِّ تلك المشكلات، فقد أصبح السؤال المتعلق بالخط الفاصل الذي يحدِّد دور التدخل الطبى مشكلة خطيرة تواجهنا الآن. لذلك فقد أصبحت القرارات الأخلاقية القائمة على رؤية الموت والحياة تفرض تساؤلات يومية على المستويين الإكلينيكى والبحثى على حد سواء. بيد أن محاولات الدراسات المقارنة المتزايدة لمختلف رؤى الموت والحياة، فى جميع أنحاء العالم، أسفرت عن تقدُّم فى العثور على حلول لمشكلتنا الجديدة العالمية الحالية.
 ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ينظم فيه المجلس الأعلى للثقافة أنشطة بحثية تدور حول أخلاقيات البحث العلمي في مجال العلوم الطبية، أو أثر التطورات الحديثة في العلوم البيولوجية على المجتمع والتطورات التشريعية فيه، فقد سبق للمجلس من خلال لجانه المتخصصة أن نظم مع جامعة المنوفية ومع المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة ندوتين في هذا المجال.
 وكانت الحلقة البحثية الأخيرة من الأنشطة الناجحة لكل من المؤسسات الثلاثة، المجلس الأعلى للثقافة ومركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية ومركز دراسات الموت والحياة بجامعة طوكيو، والغريب أن نجاحها لم يكن فقط نجاحا علميا وثقافيا من خلال الأبحاث والمداخلات، بل كذلك نجاحا جماهيريا من خلال الحضور غير المتوقع للجمهور في قاعة المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، وفي قاعة المؤتمرات بمكتبة الإسكندرية، فرغم جفاف موضوع الندوة وطابعه التخصصي كان الحضور لافتا، والمشاركة من الجمهور واضحة، وقد دار الحوار في الندوة باللغتين العربية والإنجليزية مع توافر الترجمة الفورية.
 وقد جرى الإعداد لهذه الحلقة البحثية على مدى أربعة عشر شهرا، حيث شارك فيها أكثر من ثلاثين مشارك، وتم تكليف 25 باحثة وباحث من بينهم من مصر واليابان بإعداد أوراق بحثية تتناول الرؤى المختلفة للموت في الثقافتين المصرية واليابانية عبر عصور حضارتي البلدين المتعاقبة، ورؤى الحياة عبر فيها مفهوم الموت، وتم تناول الموضوع من خلال مداخلات لمتخصصين في مجالات معرفية متعددة تتراوح ما بين التاريخ والآثار والوثائق وعلم الاجتماع والأنثربولوجيا والفلسفة والأدب والفلكلور والقانون والطب، وقد أضاف هذا التنوع في تخصصات المشاركين ثراء إلى الندوة وإلى ما دار فيها من حوارات سواء في قسمها القاهري أو السكندري، كانت الندوة في المحصلة النهائية مجالا للحوار الثقافي والحضاري بين شعبين وثقافتين مختلفتين، ومجالا كذلك للتفاعل المعرفي بين المتخصصين المصريين واليابانيين في علوم مختلفة.

الدستور 7 أكتوبر 2009

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

موقعة اليونسكو من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
موقعة اليونسكو
عماد أبو غازي


 انتهت معركة انتخابات المدير العام لمنظمة اليونسكو التي خاضها الفنان فاروق حسني وزير الثقافة باقتدار مرشحًا لمصر، مؤيدًا من المجموعة العربية والمجموعة الإسلامية ومدعومًا بقرارات من الاتحاد الأفريقي لم يلتزم بها بعض الأعضاء للأسف، وحاز المرشح المصري منذ الجولة الأولى على أعلى الأصوات بفارق كبير، ووصل في الجولة الرابعة إلى نصف أصوات المجمع الانتخابي، لكن نتائج مثل هذه الانتخابات في المنظمات الدولية تحسم دائمًا بناء على توازنات وتربيطات دولية واتفاقات تتم تحت الترابيزة، الانتخابات معناها مكسب وخسارة وكل الاحتمالات مفتوحة، المهم أن يكون الآداء على المستوى المطلوب، وقد كان الآداء المصري في معركة اليونسكو متميزًا وعلى المستوى بالفعل، وخسارة المنصب ليست نهاية العالم بل من الممكن أن تكون بدايته، خصوصًا إذا كانت كما قيل "خسارة بطعم النصر" وهي مقولة أظنها صحيحة.
  إن السبب الرئيسي في التكتل الشمالي لإسقاط فاروق حسني يكمن في المخاوف الأمريكية الأوروبية المدفوعة بمصالحها، فالولايات المتحدة ترفض وجود مدير للمنظمة يحرك الماء الراكد ولديه رؤية لإدارة المنظمة ويتحدث عن حوار ثقافي حقيقي بين الحضارات، وحتى وإن كان الخطاب السياسي للرئيس الأمريكي أوباما يتحدث عن الحوار، إلا أنه على ما يبدو أن القرار موجود سلفًا وإن الانقسام واضح في الإدارة الأمريكية يجعل هناك مسافة بين الخطاب المعلن والممارسة الفعلية التي تنطلق من المصالح الأمريكية التي تقضي بألا يوجد مدير من الجنوب للمنظمة يتمتع بشخصية مستقلة ولا يقبل الضغوط، ويبدو أن تجربة الدكتور أحمد مختار أمبو السنغالي الذي تولى إدارة المنظمة في السبعينيات والتي انطلقت خلالها المنظمة لتقوم بدور تقدمي في الثقافة العالمية لازالت ماثلة في أذهان الغرب، وهي التجربة التي يبدو أن الغرب لن يغفرها أبدا.
 بالطبع الغرب ليس شيئًا واحدًا وليس كتلة مسمطة، فهناك اختلافات بين دوله، وهناك فارق بين الحكومات والشعوب، وبين المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني.
 لا يمكن أن ننسى كذلك أن المصالح الأمريكية الإسرائيلية تتعارض مع وجود مدير عربي أو مدير يتعاطف مع القضية الفلسطينية في مرحلة تسعى فيها إسرائيل لتهويد القدس وجزء مهم من هذه المعركة ثقافي، والمدير الذي سيرحل جمد ملف تسجيل القدس كتراث إنساني عالمي مشترك للأديان الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام)، فعل هذا بالطبع لحساب إسرائيل ومشروعها.
 وبعد أن انتهت المعركة يجب أن نقف لنتسأل إذا كنا قد خسرنا المنصب فما الذي يمكن أن نعتبر أننا كسبناه في معركة اليونسكو؟ وما الذي يمكن أن نتعلمه أو نستفيد به من المعركة للمستقبل؟
 في تقديري أن أول ما كسبناه في معركة انتخاب مدير عام المنظمة الدولية كان القدرة على معرفة الحلفاء الحقيقيين وأولئك الذين يمكن أن تتحول مواقفهم، عرفنا مواطن القوة ومواطن الضعف في علاقاتنا الدولية، عرفنا أن لنا قدرة تنافسية عالية ويمكن أن يحسب حسابنا عندما نحسن إدارة معاركنا، حتى لو لم ننتصر فيها في النهاية لكننا خضناها بقوة وكفاءة، ولا شك أن الفريق الذي أدار المعركة يستحق التحية.
 لكني أظن أن أهم ما خرجنا به كان برنامج فاروق حسني الانتخابي ورؤيته التي طرحها للعمل الثقافي الدولي، والتي ينبغي أن تطرح على الناس ليعرفوا ما قدمه، لقد قدم برنامجًا واضح المعالم للانطلاق بالمنظمة الدولية بعد الكبوة التي أصبتها في ظل إدارة مديرها الحالي، برنامج يحيي فكرة الحوار بين الحضارات التي طرحها المدير السابق للمنظمة فريدريكو مايور في تقريره الشهير "التنوع البشري الخلاق".
  لقد ركز فاروق حسني في رؤيته على التصالح والحوار بين الحضارات والثقافات، على دور الثقافة في بناء السلام العالمي الذي تحتاجه البشرية أكثر من أي وقت مضى لتركز جهودها على مواجهة الأخطار البيئية المحيقة بكوكبنا، ركز على احترام التنوع الثقافي وصيانة حرية التعبير، طرح برنامجًا يقوم على استخدام الثقافة "سلاحًا" في مواجهة الفقر والتخلف، الثقافة من أجل التنمية المستدامة، الثقافة من أجل تطوير التعليم ومواجهة الأمية على مستوى العالم، الثقافة من أجل وضع أفضل للمرأة، أكد كذلك في برنامجه على دور لليونسكو في مواجهة أخطار التغيرات المناخية التي باتت تهدد الأرض.
 هذا ما كسبناه في ظني فما الذي يمكن أن نتعلمه؟
 أول ما نخرج به من دروس: ضرورة الاهتمام بأفريقيا وإيلائها أهمية أكبر في سياستنا عمومًا وفي سياستنا الثقافية خصوصًا، أيضًا أن نفرق بين الشعوب والحكومات ونعتمد الدبلوماسية الشعبية ومد الجسور مع الجماعات والتجماعات الثقافية عبر العالم، ونحافظ على رؤيتنا المتمسكة بالحوار الثقافي والحضاري مع الشرق والغرب على السواء.
 أما همنا الأكبر فينبغي أن يكون في مواجهة معركة تهويد القدس.

الدستور سبتمبر 2009