الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

موقعة اليونسكو من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
موقعة اليونسكو
عماد أبو غازي


 انتهت معركة انتخابات المدير العام لمنظمة اليونسكو التي خاضها الفنان فاروق حسني وزير الثقافة باقتدار مرشحًا لمصر، مؤيدًا من المجموعة العربية والمجموعة الإسلامية ومدعومًا بقرارات من الاتحاد الأفريقي لم يلتزم بها بعض الأعضاء للأسف، وحاز المرشح المصري منذ الجولة الأولى على أعلى الأصوات بفارق كبير، ووصل في الجولة الرابعة إلى نصف أصوات المجمع الانتخابي، لكن نتائج مثل هذه الانتخابات في المنظمات الدولية تحسم دائمًا بناء على توازنات وتربيطات دولية واتفاقات تتم تحت الترابيزة، الانتخابات معناها مكسب وخسارة وكل الاحتمالات مفتوحة، المهم أن يكون الآداء على المستوى المطلوب، وقد كان الآداء المصري في معركة اليونسكو متميزًا وعلى المستوى بالفعل، وخسارة المنصب ليست نهاية العالم بل من الممكن أن تكون بدايته، خصوصًا إذا كانت كما قيل "خسارة بطعم النصر" وهي مقولة أظنها صحيحة.
  إن السبب الرئيسي في التكتل الشمالي لإسقاط فاروق حسني يكمن في المخاوف الأمريكية الأوروبية المدفوعة بمصالحها، فالولايات المتحدة ترفض وجود مدير للمنظمة يحرك الماء الراكد ولديه رؤية لإدارة المنظمة ويتحدث عن حوار ثقافي حقيقي بين الحضارات، وحتى وإن كان الخطاب السياسي للرئيس الأمريكي أوباما يتحدث عن الحوار، إلا أنه على ما يبدو أن القرار موجود سلفًا وإن الانقسام واضح في الإدارة الأمريكية يجعل هناك مسافة بين الخطاب المعلن والممارسة الفعلية التي تنطلق من المصالح الأمريكية التي تقضي بألا يوجد مدير من الجنوب للمنظمة يتمتع بشخصية مستقلة ولا يقبل الضغوط، ويبدو أن تجربة الدكتور أحمد مختار أمبو السنغالي الذي تولى إدارة المنظمة في السبعينيات والتي انطلقت خلالها المنظمة لتقوم بدور تقدمي في الثقافة العالمية لازالت ماثلة في أذهان الغرب، وهي التجربة التي يبدو أن الغرب لن يغفرها أبدا.
 بالطبع الغرب ليس شيئًا واحدًا وليس كتلة مسمطة، فهناك اختلافات بين دوله، وهناك فارق بين الحكومات والشعوب، وبين المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني.
 لا يمكن أن ننسى كذلك أن المصالح الأمريكية الإسرائيلية تتعارض مع وجود مدير عربي أو مدير يتعاطف مع القضية الفلسطينية في مرحلة تسعى فيها إسرائيل لتهويد القدس وجزء مهم من هذه المعركة ثقافي، والمدير الذي سيرحل جمد ملف تسجيل القدس كتراث إنساني عالمي مشترك للأديان الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام)، فعل هذا بالطبع لحساب إسرائيل ومشروعها.
 وبعد أن انتهت المعركة يجب أن نقف لنتسأل إذا كنا قد خسرنا المنصب فما الذي يمكن أن نعتبر أننا كسبناه في معركة اليونسكو؟ وما الذي يمكن أن نتعلمه أو نستفيد به من المعركة للمستقبل؟
 في تقديري أن أول ما كسبناه في معركة انتخاب مدير عام المنظمة الدولية كان القدرة على معرفة الحلفاء الحقيقيين وأولئك الذين يمكن أن تتحول مواقفهم، عرفنا مواطن القوة ومواطن الضعف في علاقاتنا الدولية، عرفنا أن لنا قدرة تنافسية عالية ويمكن أن يحسب حسابنا عندما نحسن إدارة معاركنا، حتى لو لم ننتصر فيها في النهاية لكننا خضناها بقوة وكفاءة، ولا شك أن الفريق الذي أدار المعركة يستحق التحية.
 لكني أظن أن أهم ما خرجنا به كان برنامج فاروق حسني الانتخابي ورؤيته التي طرحها للعمل الثقافي الدولي، والتي ينبغي أن تطرح على الناس ليعرفوا ما قدمه، لقد قدم برنامجًا واضح المعالم للانطلاق بالمنظمة الدولية بعد الكبوة التي أصبتها في ظل إدارة مديرها الحالي، برنامج يحيي فكرة الحوار بين الحضارات التي طرحها المدير السابق للمنظمة فريدريكو مايور في تقريره الشهير "التنوع البشري الخلاق".
  لقد ركز فاروق حسني في رؤيته على التصالح والحوار بين الحضارات والثقافات، على دور الثقافة في بناء السلام العالمي الذي تحتاجه البشرية أكثر من أي وقت مضى لتركز جهودها على مواجهة الأخطار البيئية المحيقة بكوكبنا، ركز على احترام التنوع الثقافي وصيانة حرية التعبير، طرح برنامجًا يقوم على استخدام الثقافة "سلاحًا" في مواجهة الفقر والتخلف، الثقافة من أجل التنمية المستدامة، الثقافة من أجل تطوير التعليم ومواجهة الأمية على مستوى العالم، الثقافة من أجل وضع أفضل للمرأة، أكد كذلك في برنامجه على دور لليونسكو في مواجهة أخطار التغيرات المناخية التي باتت تهدد الأرض.
 هذا ما كسبناه في ظني فما الذي يمكن أن نتعلمه؟
 أول ما نخرج به من دروس: ضرورة الاهتمام بأفريقيا وإيلائها أهمية أكبر في سياستنا عمومًا وفي سياستنا الثقافية خصوصًا، أيضًا أن نفرق بين الشعوب والحكومات ونعتمد الدبلوماسية الشعبية ومد الجسور مع الجماعات والتجماعات الثقافية عبر العالم، ونحافظ على رؤيتنا المتمسكة بالحوار الثقافي والحضاري مع الشرق والغرب على السواء.
 أما همنا الأكبر فينبغي أن يكون في مواجهة معركة تهويد القدس.

الدستور سبتمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق