الأربعاء، 31 يوليو 2019

هل ستنعقد القمة الثقافية العربية حقا؟ من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
هل ستنعقد القمة الثقافية العربية حقا؟
عماد أبو غازي
 
 من التوصيات المهمة التي انتهى إليها لقاء بيروت التحضيري للقمة الثقافية في يوليو الماضي، تلك التوصيات التي تتعلق بإعلاء القيم الإنسانية وحوار الثقافات، وفي هذا الصدد أوصى اللقاء بضرورة أن تتبنى القمة الثقافية العربية، إنشاء معهد عربي لحوار الحضارات، وإنشاء مؤسّسة لتدريب الشباب على الحوار وجدوى احترام القيم الإنسانية، انطلاقاً من اعتبار أن الحفاظ على القيم مسؤولية أساسية من مسؤوليات الدولة، ويجب رعاية ذلك والعمل على تحقيقه؛ وكذلك العمل على وضع معجم موسوعي عربي لتحديد سلم القيم النظرية الإنسانية العقلية والدينية لتكون مرجعًاً أساسيًا في برامج التعليم من ناحية، ولكافة فئات المجتمع من ناحية أخرى.
 وفي هذا السياق أيضا أوصى اللقاء بتأسيس وقفيات وطنية في جميع الدول لدعم مؤسّسات المجتمع المدني ومراكز البحوث التي تعمل على الحفاظ على القيم المجتمعية والوطنية لضمان الدعم الدائم لمثل هذه المؤسسات، مع ضرورة التعاون بين المؤسّسات الدينية والمؤسّسات المدنية من أجل تعزيز القيم المدنية والدينية وإيجاد توازن بينها.
 كما انتبهت التوصيات إلى أهمية العمل على جعل منظومة القيم المجتمعية والوطنية جزءًا من مناهج المراحل الدراسية المختلفة؛ وإدراج قيم احترام التعدّدية والتنوّع وحقّ الاختلاف داخل المجتمعات العربية في المناهج التربوية والأنشطة الإعلامية انطلاقًا من اعتبارها مصدر غنى وليس مصدر أزمات.
 وعلى صعيد آخر دعى اللقاء القمة إلى تبني العمل على وضع آلية للحوار بين القيادة السياسية ومثقفي ومفكري الوطن بشكل دوري لتحقيق تعاون مشترك لخدمة الوطن.
  ولم تقتصر التوصيات على الاهتمام بالحوار مع الآخر المختلف في الغرب والشمال، بل تبنت كذلك أهمية فتح حوار معمّق مع الثقافات الآسيوية التي أقامت معها الثقافة العربية تاريخًا طويلًا من التفاعل الثقافي، والاستفادة من تجربة تلك الدول الشرقية التي نجحت في إقامة التوازن الثقافي بين الأصالة والمعاصرة.
 أما موضوع السوق الثقافية العربية فقد احتل حيزًا مهمًا من التوصيات، دارت حول ضرورة العمل على مراجعة كافة الوثائق المتصلة بالعمل الثقافي العربي المشترك وتحديثها وتفعيلها، خصوصًا أن هناك عديد من الاتفاقيات التي تحتاج إلى أن تفعل وتدخل حيز التنفيذ، ومشروعات الاتفاقيات التي تحتاج إلى إقرارها في مجالات السوق الثقافية والصناعات الثقافية، وقد عملت على هذه الاتفاقيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم منذ سبعينيات القرن الماضي، وقدمت الكثير في هذا الصدد، ويحتاج الأمر إلى قرار سياسي كي تدخل مثل هذه الوثائق إلى حيز التنفيذ.
 وقد دعت التوصيات كذلك إلى اتخاذ إجراءات متعددة على مستوى الدول العربية مجتمعة وعلى المستوى القطري، مثل: الدعوة إلى إنشاء مركز معلومات للإنتاج الثقافي العربي والصناعات والخدمات المتصلة به، وإنشاء صندوق للتنمية الثقافية يدعم الإنتاج الثقافي، ويشجّع على الاستثمار في الصناعات والخدمات الثقافية، وإنشاء مصارف عربية متخصّصة تعمل على دعم الاستثمار في الصناعات الثقافية وفق معايير الجودة، وتأسيس شركات عربية للتوزيع، برأسمال أهلي، وتوجيه الأقطار العربية إلى إصدار تشريعات تسهم في تعزيز الاستثمار في هذا المجال، وإعطاء معاملة تفضيلية لصناعة الكتاب في الوطن العربي من خلال التشريعات الضريبية والجمركية، مع اهتمام خاص بصناعة الكتاب الرقمي والاهتمام برقمنة كتب التراث العربي ونشرها في هذا الوعاء الإلكتروني، وإقامة صناعة عربية للورق برأس مال مشترك، كجزء من حماية الأمن الثقافي العربي، ودعم صناعة السينما وأنواع الإنتاج الفني الأخرى، مع تشجيع الاستثمار في هذا المجال، وتقديم التسهيلات والحماية اللازمة لها، وإنشاء مراكز تحديث وتطوير للصناعات الثقافية في الأقطار العربية، وذلك لبناء القدرات الذاتية للمؤسّسات العاملة في هذا المجال، بالتركيز على التدريب والاستشارات ونقل الخبرات.
 ثم الدعوة إلى زيادة الموارد المخصّصة للثقافة في كلّ قطر عربي، وإلى تنقية التشريعات الوطنيّة، خصوصاً في مجاليّ الضرائب والجمارك، من كلّ ما يعوق مسيرة الإنتاج الثقافي، والعمل على تحفيز الوظيفة الثقافية لرأس المال الخاص ومؤسسّسات المجتمع المدني لتوجيه جزء من استثماراتهم وجهودهم إلى المجال الثقافي.
 كما ترددت في اللقاء الدعوة إلى عقد "قمة" شعبية موازية تضم ممثلين
للمثقفين والكتاب والمبدعين، ولروابطهم ونقاباتهم ومنظماتهم المختلفة، وممثلين للقطاعات الفنّية وقطاعات الإنتاج والتوزيع، وللقائمين على الصناعات الثقافية بشكل عام.
 لكن يبقى السؤال قائم بعد هذا كله، هل ستنعقد قمة ثقافية عربية حقا؟
 الدستور 4 أغسطس 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق