الثلاثاء، 2 يوليو 2019

السياسات الثقافية في المنطقة العربية - من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات

السياسات الثقافية في المنطقة العربية

عماد أبو غازي

 شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الماضي انعقاد المؤتمر الأول للسياسات الثقافية في المنطقة العربية، والذي نظمته مؤسسة المورد الثقافي بالتعاون مع مؤسسة دون والمجلس الثقافي البريطاني.


 وقد استمر المؤتمر على مدار يومين وشارك فيه حوالي سبعين من المهتمين بالشأن الثقافي في المنطقة العربية، يمثلون ثمانية أقطار عربية إلى جانب عدد من البلدان الأوروبية، وكان من بين المشاركين مسؤلين عن منظمات مجتمع مدني عديدة لها تجارب وخبرات متميزة في العمل الثقافي، كما كان من بينهم مسئولين في مؤسسات ثقافية حكومية، وخبراء في العمل الثقافي ومخططين ثقافيين وإعلاميين.


 ويأتي المؤتمر تتويجًا لجهود استمرت لعامين كاملين قامت بها مؤسسة المورد الثقافي بدعم من الاتحاد الأوروبي لدراسة السياسات الثقافية وتطويرها في ثمان من الدول العربية، هي مصر وتونس والجزائر والمغرب وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان، وقد صدر ملخص الدراسة في كتاب كبير وينتظر أن تنشر الدراسات الكاملة قبل نهاية هذا العام.
 وتعتبر دراسة حالة هذه الدول الثمانية مرحلة أولى سوف تتلوها مرحلة ثانية تضاف فيها دول أخرى للدراسة.


 وقد ناقش المؤتمر في أربع جلسات أربعة قضايا، قدمتها ورقة إطار الجلسات؛ اتخذت الجلسة الأولى منحاً نظريًا حيث ناقش المتحدثون قضية السياسات الثقافية ووضع الثقافة في المجتمع، في محاولة لتلمس كيف يمكن للسياسات الثقافية أن تسهم في تحسين وعي المجتمع بقيمة الثقافة.
 وناقشت الجلسة الثانية موضوع التحديات التي تواجه الثقافة على الصعيدين القومي والدولي، والشروط القانونية اللازمة لوضع السياسات الثقافية، وكان الهدف من هذه الجلسة محاولة الإجابة على بعض الأسئلة، مثل: كيف تتأثر السياسات الثقافية بالتطورات على المستوى المحلي والدولي؟ وما هي النقاشات السياسية التي تحدد اتجاه السياسات الثقافية وأجندتها؟ وما الفرق بين السياسات الثقافية وتشريعات العمل الثقافي؟ وما مدى تأثير التشريعات على السياسات الثقافية، خاصة ما يتعلق منها بحرية التعبير وتكوين الجمعيات؟ إلى غير ذلك من أسئلة العمل الثقافي.
 أما الجلسة الثالثة فكانت مخصصة للقضايا المتعلقة باقتصاديات العمل الثقافي، مثل تمويل السياسات الثقافية، وتنمية الموارد المالية، والاقتصاد الثقافي، وهي قضية مهمة سواء للعمل الأهلي أو الرسمي، وقد كان المستهدف من هذه الجلسة مناقشة خبرات فعلية في مجال اقتصاديات الثقافة للاستفادة منها.


 وتناولت الجلسة الرابعة أطر التعاون الثقافي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، من خلال مداخلات لفاعلين في الحقل الثقافي من مجالي العمل الأهلي والعمل الحكومي ومن مؤسسات دولية كذلك، وقد كانت الورقة الأساسية إطارًا نظريًا مهمًا قدمه الأكاديمي السوري الدكتور حسان عباس.
 وخصصت الجلسة الأخيرة لنقاش مفتوح حول ما دار في المؤتمر وما تضمنه الكتاب الذي يحوي التقرير الموجز عن السياسات الثقافية في الدول الثمانية.
 وقد انتهى المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات دارت حول ثلاثة محاور رئيسية إلى جانب بعض التوصيات العامة.
 وكان المحور الأول للتوصيات يدور حول الحوار وتبادل الآراء، وفي هذا الصدد كانت هناك توصيتان: الأولى ضرورة تنظيم ندوات وحلقات مناقشة حول عناصر محددة في السياسات الثقافية مع المسئولين الحكوميين في البلدان الثمانية التي شملتها المرحلة الأولى من مبادرة رصد السياسات الثقافية وتطويرها، أما التوصية الثانية فانصبت حول أهمية تبادل الخبرات مع دول البلقان وأفريقيا وتركيا والتي كان هناك ممثلون لها من بين المتحدثين في جلسات المؤتمر.


 ودار المحور الثاني من التوصيات حول الأبحاث المطلوبة والتي تتضمن مراجعة النص الكامل وتنقيحه قبل نهاية 2010، والبدء في المرحلة الثانية من المشروع البحثي والتي ينبغي أن تمتد لأربع دول جديدة على الأكثر مع إمكانية مراجعة نموذج العمل الذي تم صياغة التقرير على أساسه، ثم إطلاق مجموعات عمل تضم خبراء مستقلين وحكوميين في البلدان الثمانية موضوع التقرير لتقوم برصد وتوثيق التطورات والممارسات الإيجابية على صعيد السياسات الثقافية.
 أما المحور الثالث فيتعلق بالمعلومات والتوثيق وتضمن التوصية بإعداد تقارير سنوية وأخرى تصدر كل شهرين، على أن تصدر التقارير السنوية اعتبارًا من نهاية 2011 بينما يصدر تقرير كل شهرين اعتبارًا من نوفمبر 2010. كذلك أوصى المؤتمر بضرورة العمل على استكشاف إمكانية ابتكار مؤشر للفعل الثقافي لقياس الفعل الثقافي في البلدان الثمانية، وذلك بناء على نقاش وحوار بين المسئولين الحكوميين في مجال الثقافة والناشطين الثقافيين المستقلين.
 وفي النهاية كانت هناك توصيتين مهمتين لهما صفة العمومية، الأولى التأكيد على التحالف مع القطاعات الأخرى في المجتمع ذات الصلة بالعمل الثقافي مثل قطاعات التعليم والإعلام، والثانية اعتبار كل المشاركين في المؤتمر شركاء محتملين في تنفيذ هذه التوصيات.
 لقد جاء هذا المؤتمر كحدث مهم وإيجابي في الحياة الثقافية في المنطقة العربية، وحمل بادرة للتعاون والعمل المشترك بين مؤسسات العمل الثقافي الحكومية والمستقلة من أجل تطوير الواقع الثقافي في مجتمعاتنا والتقدم به إلى الأمام.
الدستور 16 يونيو 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق