الخميس، 18 مايو 2017

المواطن الصغير... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
المواطن الصغير
عماد أبو غازي
 "المواطن الصغير" عنوان كتاب جديد موجه بالأساس لتلاميذ المدارس، صدر مؤخرًا عن دار "بردي" للنشر، ودار بردي واحدة من دور النشر المتميزة المتخصصة بشكل أساسي في كتب الأطفال، نشرًا وتوزيعًا، وقد أهدتني مؤلفة الكتاب وصاحبة الدار الصديقة دينا الغمري نسخة من كتابها منذ أسبوعين، الكتاب مطبوع في قالب ملائم للطفل، قام برسمه الفنان منصور الشريف، ويتناول الكتاب في أسلوب مبسط وواضح وزكي مفاهيم الوطن والمواطنة، ويسعى لتوصيل معلومات أساسية حول النظم السياسية والمواطنة في مصر، للطفل في المرحلة الابتدائية، كل ذلك بأسلوب سلس يمكن أن يستوعبه الطفل في هذا السن.
 تنتقل دينا الغمري في كتابها بسهولة بين موضوعات صعبة تقدمها بلغة بسيطة لكنها علمية وتعليمية في نفس الوقت، يبدأ الكتاب بتعريف الطفل بأنه ينتمي إلى عالم كبير يحيط به، بدأ من الحديث عن أسرته الصغيرة وصولا إلى أن أسرته جزء من مجتمع، وطن، دولة، لينتهي الدرس الأول إلى تعريف الطفل بأنه مواطن في وطن وأن هذا الوطن قسم من العالم الكبير الذي نعيش فيه.
 تتوالى دروس الكتاب لتعرف الطفل بمكونات المجتمع والدولة، بحقوق المواطن وواجباته، بفكرة القانون الذي يتساوى أمامه الجميع، الكبير والصغير، الغني والفقير، الرجل والمرأة، تعرفه بالوطن الذي ينتمي إليه هو تحديدًا: مصر، تاريخها وجغرافيتها، الإطار الأقليمي الذي نعيش فيه، دستور مصر ومؤسساتها السياسية،  السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومعنى الفصل بينها، وأهميته لصون الدستور والحفاظ على استقرار الوطن، موارد الدولة وأوجه إنفاقها، تتناول فصول الكتاب أيضًا المحليات ودورها في تسيير حياة المجتمع، الجمعيات الأهلية ووظيفتها في تنمية المجتمع، كل ذلك من خلال فصول قصيرة مصورة بالرسوم المعبرة عن موضوعات هذه الفصول التي تصل إلى 22 فصلًا بشكل يقرب الكتاب إلى قلب الطفل ويحببه إليه، وفي ختام الكتاب قائمة بالكلمات التي تعبر عن المواطنة والتي وردت في متن الكتاب مرتبة حسب حروف الهجاء مع شرح مبسط وواضح لكل كلمة أو مصطلح.
 علمت أن وزارة التربية والتعليم اشترت نسخ للمكتبات المدرسية، لكن كم طفل يدخلها ويطلع على ما فيها؟ تأملت ماذا لو أن مثل هذا الكتاب يدرس في المدارس؟ ماذا لو أن هناك مقرر للمواطنة والحقوق المدنية يقدم للتلاميذ في قالب شيق جذاب بدلًا من الأساليب التعليمية المنفرة في مدارسنا؟ ماذا لو أعددنا المدرسين لتدريس مثل هذه المقررات من خلال دورات تعدها منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال المواطنة بعيدًا عن الأساليب البيروقراطية للتدريب؟
 لقد تلقيت هذا الكتاب قبل أحداث الإسكندرية بيومين، وقبل أحداث دهب بأسبوعين، وأتصور أنه لو عرف الطفل منذ صغره معنى الوطن والمواطنة، لن نجد من يرفض الآخر الشريك في الوطن لاختلافه في الدين، ولن نجد من يستمع للتحريض الطائفي الذي يمارسه المتشددون من الجانبين، سيعود مرة أخرى شعار "الدين لله والوطن للجميع" منهاجًا طبيعيًا لحياتنا، لن نجد من يحط من قدر المرأة وقدرتها ويروج لأفكار متخلفة تدعوا لعودتها إلى المنزل، لن نجد من يقبل أفكار المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المعادية للوطنية بدعوى الرابطة الدينية، أو من يستمع لمقولته التي يسخر فيها من مصر ومن الانتماء لها، ولن يصدق أحد تزيفه للتاريخ وتمجيده للاحتلال العثماني بدعوى أنه كان دولة للخلافة، متناسيًا أو متجاهلًا أن مصر أقدم دولة قومية في التاريخ وأن الرابطة الوطنية رابطة المواطنة التي جمعت المصريين مسلمين ومسيحين كانت أقوى من الرابطة الدينية، ولم يختل الحال إلا في هذا الزمن العجيب الذي سادت فيه أفكار التطرف الديني التي تأتي بالخراب على هذا الوطن، لن نجد من يلغم نفسه ليخرب بلده مختارًا أيام أعيادنا الوطنية التي نحتفل فيهل بمناسبة مهمة في تاريخنا للقيام بعمله الإجرامي، لن نجد من يقبل تعدي سلطة من سلطات الدولة على غيرها من السلطات، ولا من يقبل بامتهان استقلال القضاء الذي هو صمام الأمان لضمان حقوق المواطنة، لن نجد من يتقاعس عن أداء واجبه الانتخابي في اختيار من يمثله في المجالس النيابية، ولن نسمع عن انتخابات تتم بمشاركة أقل من 20% ممن لهم حق التصويت، لن نجد من يتهرب من الخدمة العسكرية ويفخر بتهربه، لن نجد من يحجم عن المشاركة في العمل العام، لن نجد من يفرط في حقوقه ويقبل أن تنتهك هذه الحقوق أو تنتقص.
هل أحلم؟ وهل هو حلم بعيد المنال؟ لا أظن.
عمومًا تحية لدينا الغمري ودار بردي للنشر.

الدستور مايو 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق