الجمعة، 12 مايو 2017

قانون الوثائق من تاني ... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
قانون الوثائق من تاني ...
عماد أبو غازي

 عودة إلى مشروع قانون الوثائق الجديد وما أثارته جريدة الوفد من اعتراضات عليه... تعيد الجريدة الربط بين طرح القانون والمطالبة بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر، فيرى كاتب الخبر في إقدام الحكومة على خطوة إصدار قانون الوثائق ردًا على الصحفيين المطالبين بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، بل يصل بالأمر إلى أن الإعداد لإصدار القانون يثبت زيف دعاوى النظام باتجاه لإصلاح دستوري!
 وهذا خلط أخر، فالقانون لا علاقة له بالصحفيين أو بحبسهم من قريب أو بعيد، فالقانون لم يشر إلى الصحافة أو الصحفيين على الإطلاق، والمادة التي تثير اللبس دائمًا وتنص على معاقبة من يفشي الوثائق السرية أو محتوها بالحبس، مادة موجودة في القوانين الحالية منذ سنة 1975 أي أنها ليست بجديدة، وهذه المادة في التشريع القديم والجديد على حد سواء غير موجهة إلى الصحفيين فهي تعاقب بالحبس كل من قام بإفشاء مضمون أو فحوى كل أو بعض ما أطلع عليه بحكم عمله أو مسئوليته في الجهة المنتجة للوثيقة أو المؤتمنة عليها من وثائق غير منشورة ومصنفة بإحدى درجات السرية، إذا القانون يتحدث عن مسئول وليس صحفي يعمل في الجهات المنتجة للوثائق أو التي تقوم بحفظها، ويفشي ما فيها من معلومات، ويشترط القانون لتوقيع العقوبة أن تكون هذه الوثائق سرية، والصحفيون لا يعملون في مؤسسات تنتج وثائق سرية ولا في جهات تحفظها، وبالتالي فالأمر غير موجه لهم، وربما يكون مصدر اللبس هنا مرجعه أن هذا التشديد التشريعي لعقوبة إفشاء سرية الوثائق عندما صدر سنة 1975 شاع أن المقصود به الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، لذلك يسمى هذا القانون بين المشتغلين بالتاريخ والوثائق "قانون هيكل"، وللأستاذ هيكل وضع خاص بين الصحفيين حيث كان مسئولًا رسميًا في الدولة في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس عبد الناصر، ومع ذلك لم يطبق هذا النص على الإطلاق، ولن يطبق في كل الأحوال على صحفي فالموضوع لا يخص الصحافة.
 تبقى قضية سرية الوثائق التي يشير إليها القانون، هنا لا بد من توضيح الأمر فالقانون الجديد لا يشرع لفرض السرية على الوثائق، بل ينص على أن هناك حد أقصى لمدة السرية لا يتجاوز 50 سنة، وعلى أن الوثائق التي تحمل درجة من درجات السرية ينبغي أن تودع في دار الوثائق القومية بعد أن تنتهي مدة الحظر المفروضة عليها، أما فرض السرية نفسه فأمر لا يختص به قانون الوثائق إنما الإجراءات الإدارية والأمنية المعمول بها في الجهات التي تصدر الوثائق، والأمر قائم قبل صدور القانون وبعده، وموضوع فرض السرية على بعض الوثائق لا تختص به مصر وحدها، فكل دول العالم من الولايات المتحدة إلى الصين تعرف الوثائق السرية، الأمر فقط يختلف في مدد السرية ونوعية الوثائق التي تفرض عليها درجات السرية المختلفة، ومن غير الطبيعي أن يطلب منا نحن المتخصصين في الوثائق والتاريخ أن نحدد لجهات الدولة ما تفرض عليه السرية وما لا تفرض من وثائق، بل هذا شأن هذه الجهات وحدها.
 أما الربط بين فرض السرية و قضايا الفساد، أو بقول آخر أن القانون عندما يتحدث عن السرية يهدف إلى حماية الفساد والفاسدين، فقول غريب لا يصدر عن تأمل وتروي في المقصود بالوثائق السرية، الفساد المفترض يرتبط أساسًا بالصفقات المالية والمناقصات والممارسات والمزايدات في أجهزة الدولة المختلفة، وجميع الوثائق المرتبطة بتلك العمليات لا يمكن أن تفرض عليها السرية وتخضع لرقابة الأجهزة الرقابية المختلفة بحكم نصوص القوانين المنظمة لهذه العمليات، وقانون الوثائق لا يرخص للجهات أن تفرض السرية على وثائقها، إنما يحدد فقط كيف يتم التعامل أرشيفيًا مع هذه الوثائق ومتى تتاح للباحثين، بل إن القانون ينص في مادته الأولى على أن الأصل في الوثائق العلنية، أما السرية فتحددها الجهات صاحبة الوثائق فيما يمس الأمن القومي، وأنا أتفق مع كاتب المقال في أن الأمن القومي مصطلح غائم وغير محدد، لكن قانون الوثائق لم يذكر هذا المصطلح أساسًا ولم يتعرض له من قريب أو بعيد، ولا أعرف من أين أتى كاتب المقال بأن القانون يتذرع بعبارة الأمن القومي ليغلظ العقوبات لتصل إلى الإعدام!!!
 إن جميع مواد العقوبات في القانون بخلاف موضوع إفشاء السرية، منصبة على العاملين في الدولة الذين يمتنعون عمدًا عن تسليم الوثائق للدار، وعلى من يهربون الوثائق إلى الخارج أو يتعمدون إتلافها أيًا كانت صفتهم، ولا أعتقد أن أحد يختلف على ذلك.
 أما عن تعريف الوثيقة في القانون فهذا موضوع حديث آخر.

الدستور 29 مارس 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق