الثلاثاء، 23 مايو 2017

قناة السويس تاريخ من المغامرة... من أرشيف مقالاتي القديمة

 مخربشات
قناة السويس تاريخ من المغامرة
عماد أبو غازي
 الأربعاء الماضي احتفلت مصر بالعيد الذهبي لقرار تأميم شركة قناة السويس، ذلك القرار الذي غير تاريخ مصر والمنطقة العربية، بل يمكن أن نقول بلا مبالغة أنه كان قرارًا مؤثرًا على المستوى العالمي، بحيث يمكن أن نعتبره حدثًا من أهم أحداث القرن العشرين، ومازالت آثار هذا القرار ماثلة بيننا إلى الآن.
 لقد منح قرار التأميم لعبد الناصر ـ صاحب القرار المغامرة ـ شعبية جارفة وشرعية جماهيرية لم تتحقق له قبل ذلك اليوم، فلم يلق إجراء من الإجراءات التي اتخذها مجلس قيادة الثورة أو الحكومات المتعاقبة التي توالت على مصر منذ قامت حركة الضباط الأحرار بانقلابها فجر 23 يوليو 1952من التأييد مثلما لقي قرار تأميم قناة السويس. لقد حقق بذلك القرار الحلم الذي ظل يراود المصريين قرابة تسعين عامًا، لذلك فقد رحب المصريون بالقرار رغم ما كان متوقعًا من سخط الدول الغربية على مصر بسببه، ورغم ما كان متوقعا من أن يجلبه على البلاد من "عواقب وخيمة"، وقد جاء رد الفعل الغربي الذي تحقق بعد شهور قليلة عندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي الغاشم ـ كما تعودنا أن نصفه في طفولتنا ـ ذلك العدوان الذي بدأ في الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر من السنة نفسها باحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء، وأعقبه احتلال إنجليزي فرنسي لمنطقة القناة بدعوى تأمين القناة والفصل بين الطرفين المتحاربين.

 نعود إلى قرار التأميم، ففي يوم 26 يوليو 1956، وبمناسبة الذكرى الرابعة لمغادرة الملك فاروق لمصر بعد تنازله عن العرش، تلك المناسبة التي كان قادة انقلاب يوليو يحتفلون بها في الإسكندرية التي غادر منها فاروق البلاد، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر في كلمات محددة ضمن خطابه الذي ألقاه في ميدان المنشية قرار تأميم شركة قناة السويس وتحويلها إلى شركة مساهمة مصرية، وقد عبر الشعراء عن هذا الحدث المهم في تاريخنا الوطني، التأميم، من خلال عشرات القصائد، بالنسبة لي أجملها ما عبر به الشاعر والفنان المبدع صلاح جـاهين عن مشاعر الشعب الجياشة تجاه التأميم في قصيدته الطويلة "موال للقنال" قائلًا:
يا سايق الغليون
عدي القنال عدي
وقبل ما تعدي
خد مننا وأدي
ده اللي فحت بحر القنال جدي
بحر القنال يا كترها رماله
وجدنا ... فوق الكتاف شاله
بحر القنال اتبدلت حاله
وجدنا متهني بعياله
واحنا على الشطين
مفتحين العين
عارفين طريقنا منين
واللي صديقنا فين
يا سايق الغليون
دي أرضنا     وأرضنا لينا
ضرب الرصاص    للي يعادينا
دي أرضنا          وتربها أجددنا
ضرب الرصاص      للي يعاندنا
  لم يكن قرار تأميم شركة قناة السويس نهاية المطاف في قصة مصر مع القناة، بل كان بداية لمرحلة جديدة من الكفاح دفاعًا عن القناة، كما لم يكن بالطبع بداية القصة فتاريخنا مع القناة طويل ممتد، وكله تاريخ من المغامرة والمقامرة، كان الشعب المصري دائمًا بطلها.
 وقد عبرت المذكرة الإيضاحية لقرار التأميم عن هذا التاريخ الطويل مع القناة في عبارة موجزة جاء فيها: "بالدماء المصرية شُقت قناة السويس لتخدم الملاحة البحرية"، وهذه حقيقة تاريخية عادت المذكرة ففصلت ما أجملته لتبرهن عليها: "إنه من عام 1859 حتى عام 1864 مضت خمس سنوات سخر فيها المصريون دون أجر أو شكر لحفر القناة، وأن ستين ألفا من المصريين كانوا يُخصصون شهريًا لهذه الخدمة في وقت لم يتجاوز فيه تعداد جميع المصريين أربعة ملايين، ولقد مات من هؤلاء العمال تحت الانهيارات الرملية ما يزيد على المئة ألف دون دفع أي تعويض عنهم أو جزاء، كما قامت الجهود المصرية في كل من ترسانة القاهرة وترسانة الإسكندرية بإعداد المشروعات اللازمة لإكمال حفر القناة، ووُضعت جميع وسائل النقل البري والنهري في خدمة الشركة بالمجان، ومنحتها الحكومة جميع الأراضي والمناجم اللازمة، ولم تكتف الحكومة المصرية بذلك، بل ساهمت مساهمة جبارة في تمويل عمليات حفر القناة، فقد بدأت الشركة برأس مال لا يتجاوز نصف مليون من الجنيهات، بينما تكلف إنشاء القناة ما يزيد على الستة عشر مليون جنيه، وتحملت مصر بهذا الفرق جميعه".
 لقد كانت تلك مبررات أوردتها المذكرة الإيضاحية لقرار التأميم الذي أيده الشعب رغم ما حمله من مخاطر وما كان واضحًا فيه من روح المغامرة، فكيف تكون لدى المصريون الإحساس بأهمية هذا القرار وضرورته؟
 إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب العودة إلى الوراء أكثر إلى بداية مشروع القناة وهذا حديث آخر.
الدستور 2 أغسطس 2006


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق