الثلاثاء، 30 مايو 2017

الفرعون يجدد شبابه... وعم أحمد الغرباوي يعيد مجد الأجداد من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
الفرعون يجدد شبابه...
 وعم أحمد الغرباوي يعيد مجد الأجداد

عماد أبو غازي

اليوم ... صباح الجمعة 25 أغسطس بدأت كتابة مخربشاتي الأسبوعية، كنت أنوي أن أكمل حديثي عن مشروعات القناة عبر العصور، بعد أن انتهيت من المقال قررت أن تأجيله للأسبوع القادم، كان السبب ما شاهدته منذ ليلة أمس حتى ساعات من الظهيرة على شاشات التلفزيون المصري من تغطية مباشرة لعملية نقل تمثال رمسيس من ميدانه إلى مقره الجديد بموقع المتحف المصري الكبير، فقد دفعني هذا الحدث التاريخي المهم لتغيير موضوع مقالي، كان كل شيء عبقري، من ليلة أمس النقل يذاع على الهواء آلاف أو ربما عشرات الآلاف كانوا في وداعه في الميدان، ومصاحبين له في الرحلة عبر شوارع القاهرة والجيزة، ثم في استقباله في مستقره الجديد.


 بالفعل أثبت من نقلوا التمثال أنهم أحفاد من صنعوه، لقد تمت العملية بدقة وبراعة مذهلة تعيد إلى الأذهان زمن الإتقان المصري، وتمحو قليلًا آثار كود الإهمال الذي نعيش في ظله ونكتوي بناره كل يوم.
 أما عم أحمد الغرباوي سواق الكساحة التي نقلت التمثال فقصة أخرى عبقرية مصرية تخلدها البساطة والصدق والإتقان، إنسان جميل وحفيد حقيقي لبناة الأهرام، عمل لمدة 40 سنة سائقًا، لابد أن نذكر اسمه دائمًا لقد تحمل مسئولية جسيمة بهدوء وبساطة.
 وكان آلاف الملتفين حول رمسيس في رحلته يبدون كما لو أنهم من رعايا الفرعون، ممن عاشوا في عصره، كأنهم استيقظوا من ماض سحيق وجاءوا ليحتفوا بملكهم، جاءوا من عصر رمسيس الثاني الذي تحققت فيه أزهى أمجاد الحضارة المصرية سياسيًا وعسكريًا وفنيًا ومعماريًا، رمسيس الثاني الفرعون المقاتل الذي حقق الانتصارات في ساحات الحرب، بنفس القدر الذي نجح فيه في ميدان السياسة والدبلوماسية، فوقع أقدم معاهدة سلام في التاريخ نعرفها حتى الآن، إنها معاهدته مع الحيثيين التي وصلت إلينا نصوصها مدونة على جدران المعابد المصرية بالهيروغليفية، كما وصلت نسخة بالمسمارية مدونة على الألواح الطينية اكتشفت في خليج كوي في آسيا الصغرى، أما في الفن والعمارة فآثار عصر رمسيس الثاني تملأ متاحف العالم، كما تمتد على أرض مصر من شمالها إلى أقصى جنوبها، ويكفي عصر رمسيس فخرًا في مجال العمارة إنجاز المعبدين العظيمين: معبدا أبو سمبل.
 كانت الرحلة الأخيرة للفرعون وسط شعبه عظيمة، لقد التف المصريون حول الفرعون العظيم كما لو كان حيًا بيننا، هتفوا له ولوحوا ورفعوا الأعلام وغنوا النشيد الوطني، في مشهد احتفالي جدد فيه الفرعون شبابه وأعاد إلى ذهني صور عيد السِد، أو اليوبيل الذي كان يحتفل به ملوك مصر القديمة كل 30 عاما، وقد تقاربت مدة الاحتفال في عصر رمسيس الثاني، فبعد يوبيله الأول الذي أقامه في موعده كان يحتفل بعيد السِد كل ثلاث سنوات، فاحتفل بذلك 13 مرة باليوبيل، وكان الملك يجدد شبابه في هذا العيد في احتفال كرنفالي مهيب يشاركه فيه شعبه، ويجدد الشعب الولاء للفرعون، وكان لهذا العيد المهم في الحضارة المصرية طقوسه الخاصة والتي كان من بينها العدو لمسافة محددة تأكيدًا لحيويته وها هو رمسيس الثاني يجدد شبابه مرة أخرى ويحتفل بيوبيله الرابع عشر بعد 3219 سنة على انتقاله لمملكة أوزير.
أكثر المشاهد تأثيرًا كان مشهد أفراد أسرة مصرية تسكن على ناصية شارع الفجالة وقفوا في شرفة منزلهم يلوحون للتمثال بأيديهم ومناديلهم مودعين جارًا عظيمًا كانوا يفتحون عيونهم على رؤيته، يصادفونه كل يوم في ذهابهم وإيابهم طوال خمسين سنة، منظر يجعلك تبكي من التأثر ومن الفرح أيضًا، الفرح لأن الأوان قد آن أخيرًا ليغادر الفرعون العظيم مكانه الذي احتله منذ منتصف الخمسينيات، بعد أن أصبح ميدان رمسيس غابة من الكباري التي تسيء للتمثال ولصاحبه، غادر مكانه دون أن تغادر قلوبنا مكانته، غادر مكانه ليصبح أول من يدخل إلى المتحف المصري الكبير الذي كان حلمًا بات تحققه قريب المنال.
 تهنئة لكل من حملوا عبء هذا العمل الكبير الناجح، وفي انتظار حلم أخر جميل أعلن عنه الفنان فاروق حسني وزير الثقافة على الهواء وهو ينتظر وصول الفرعون إلى موضع المتحف، لقد بشرنا بقرار نقل مركب الشمس من موقعها الذي يشوه مشهد الهرم الأكبر ويعتدي على حرمه منذ أكثر من أربعين سنة، إنه قرار آخر جريء يستحق التحية والدعم حتى يستعيد الهرم هيبته واحترامه.
 آخرًا وأنا أتابع المشهد تذكرت الأستاذة صافيناز كاظم وتمنيت لو أنها تشاهد في التلفزيون ما يشاهده الملايين، لعل في هذا المشهد الذي خرج فيه عشرات الآلاف من المصريين من مختلف الأعمار في مصاحبة تمثال الملك العظيم رمسيس الثاني في رحلته إلى مستقره الجديد ردًا على قولها بأن المصريين ضد التماثيل ويكرهونها وعلاقتهم بها أنهم يصفعون وجهها وأقفيتها، تيجي تتفرج وتشوف!!!

الدستور 30 أغسطس 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق