الخميس، 11 مايو 2017

إبداع المرأة... ذاكرة للمستقبل. من أرشيف مقالاتي القديمة


مخربشات
إبداع المرأة... ذاكرة للمستقبل
عماد أبو غازي

مع الدكتور لطيف زيتوني والأستاذ محمد دكروب
 في الأسبوع الماضي توجهت إلى بيروت للمشاركة في ندوة علمية بالجامعة الأمريكية في إطار الأنشطة الثقافية لبرنامج أنيس مقدسي، كانت الندوة تدور حول موسوعة الكاتبة العربية، وترجع قصة تلك الموسوعة إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، عندما تبنت مؤسسة نور لدراسات المرأة فكرة إعداد عمل علمي يحاول الإحاطة بما قدمته المرأة العربية في مجال الكتابة الأدبية الإبداعية في العصر الحديث، وكانت الفكرة الأساسية وراء المشروع توثيق إبداع المرأة العربية ودراسته في مرحلة تمتد من بداية دخولها مجددًا ساحة الكتابة الإبداعية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين، مع كامل الإدراك لدور المرأة في الكتابة الإبداعية في ماضي الحضارة العربية، استهدفت الموسوعة إذا دراسة الماضي القريب وتوثيقه ليكون نقطة انطلاق للأجيال الجديدة نحو المستقبل، يعرفون من خلالها كيف أسهمت المرأة في عالمنا العربي في رسم الخريطة الإبداعية العربية، وفي تشكيل الوعي الحديث، ومن هنا فقد حملت الموسوعة اسم ذاكرة للمستقبل.
 ومع اكتمال العمل بصورته الأولية تم الاتفاق بين مؤسسة نور والمجلس الأعلى للثقافة في مصر على نشر الموسوعة نشرًا مشتركًا بين الهيئتين، وفي سياق المؤتمر الثاني للمرأة العربية الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة في أكتوبر 2002 تحت عنوان "المرأة العربية والإبداع" صدرت الطبعة التجريبية للموسوعة في ثلاثة أجزاء، وفي ضوء الملاحظات على تلك الطبعة التجريبية صدرت في منتصف 2005 بعد ما يزيد على عشر سنوات من العمل الطبعة الأولى الكاملة ـ وليست النهائية ـ للموسوعة.
 وقد أشرفت على إصدار الموسوعة هيئة تحرير مكونة من ستة أعضاء، وشارك في العمل 12 من الباحثات والباحثين و11 من المساعدين، وقام بالإشراف الفني على الموسوعة الفنان أحمد اللباد، بينما تولت إدارة المشروع باقتدار من البداية إلى النهاية حسناء رضا مكداشي مديرة مؤسسة نور، وكانت الدكتورة لطيفة الزيات رئيسة لتحرير الموسوعة وشاركت في المراحل التأسيسية لهذا المشروع حتى رحيلها في 11 سبتمبر 1996.

الدكتورة لطيفة الزيات
كان السؤال الأساسي الذي طرح نفسه على هيئة التحرير: كيف يتم تبويب الموسوعة؟
وفقا للأنواع الأدبية، أم وفقا للأقطار العربية؟ وبعد مناقشات مطولة شارك فيها بعض الباحثين الرئيسيين، اتفقنا على التبويب وفقًا للدول أو الأقاليم الأكبر داخل الوطن العربي، مع إضافة كشافات بالأنواع الأدبية.
 ووفقا لهذا التصور صدرت الموسوعة في أربعة مجلدات، الأول: لبنان وسوريا، والثاني: مصر والسودان، والثالث: العراق وفلسطين والمغرب العربي، الرابع: الجزيرة والخليج واليمن والكاتبات باللغات الأجنبية، كما يحوي الجزء الرابع الكشافات.
 وقد تركت هيئة التحرير للباحثين الرئيسين اختيار أسلوب العمل، مع وضع الضوابط الشكلية، وقواعد التوثيق الببليوجرافي، وترتيب صياغة السير الخاصة بالكاتبات، وجاء كل فصل من الفصول مقسمًا داخليًا إلى؛ دراسة: كتبها باحث رئيسي تتناول إبداع المرأة في دولة عربية أو في إقليم كامل، وتحمل وجهة نظر الباحث ورؤيته للحالة الإبداعية للمرأة في النطاق الذي يكتب عنه، ثم منتخبات يختارها الباحث الرئيسي ومعاونوه، تمثل من وجهة نظرهم تعبيرًا عن إبداع المرأة في البلد موضع الدراسة، مع مراعاة تمثيل مختلف الأنواع الأدبية، وأخيرًا ببليوجرافيا تضم جميع ما أمكن حصره من أعمال إبداعية للمرأة، مع سيرة مختصرة لكل كاتبة دون إصدار أحكام قيمية على مستواها الإبداعي.
 وإذا كانت الموسوعة تغطي جغرافيًا إبداع المرأة في 19 بلدًا عربيًا فإن التغطية الزمنية للموسوعة تمتد من عام 1867، تاريخ أقدم نص مطبوع لكاتبة عربية نجحنا في الوصول إليه، للسورية وردة اليازجي، إلى عام 1999 الذي حدده فريق العمل كنقطة توقف لهذه الطبعة من الموسوعة، وعبر ما يزيد عن 130 سنة أمكن حصر أعمالا ل 1141 كاتبة عربية، كتبن في 6 أنواع أدبية، الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرحية وأدب الأطفال والسيرة الذاتية، وضمت الموسوعة 222 عملًا كنماذج لإبداع المرأة في تلك الأنواع الأدبية.
 ومن المؤشرات اللافتة للنظر التفاوت الواضح في الحالة الإبداعية للمرأة بين البلاد العربية، فبينما تظهر الكتابات الأولى للمرأة في سوريا ولبنان ومصر فيما حول الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فإن كتابة المرأة في معظم دول المغرب العربي والجزيرة والخليج تأخرت إلى النصف الثاني من القرن العشرين، بل أنها لا تظهر في بعض تلك الدول إلا في ربعه الأخير، كذلك تتفاوت أعداد المبدعات على مدى قرن وربع، فبينما يصل عددهن في مصر إلى 280 كاتبة، ويتجاوز عددهن المائة في كل من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، يبلغ إجمالي الكاتبات في باقي الدول العربية الأربع عشرة 300 كاتبة فقط.
 أخيرا فإن هذه الموسوعة تقدم مادة خام للباحثين للتعرف على حال المرأة المبدعة على اتساع العالم العربي وتكشف عن دورها المبكر في محاولات تحديث العالم العربي، وعن مدى إسهامها في الثقافة العربية، وتقدم نموذجًا لبنات اليوم حتى يواصلن العطاء بعيدًا عن دعاوى التخلف والاحتجاب خلف الأسوار.

الدستور 8 مارس 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق