الجمعة، 12 مايو 2017

قانون الوثائق تالت مرة... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات

قانون الوثائق تالت مرة...
عماد أبو غازي
 من أهم الاتهامات التي توجه لمشروع قانون الوثائق الجديد غياب تعريف دقيق للوثيقة، حيث يرى منتقدو القانون أن المشروع يعيبه "عدم وضع تعريف محدد للوثيقة الأمر الذي من شأنه اعتبار أي أوراق حكومية بمثابة الوثيقة"،  وهو ما يتنافى من وجهة نظرهم "مع دور الصحافة في ممارسة دورها في الرقابة الشعبية على أداء الأجهزة التنفيذية"، وربما كان هذا حقيقي إلى حد ما في المشروع القديم الذي تم سحبه منذ سنوات قليلة، والذي شابه بعض الغموض والالتباس بسبب المراحل الطويلة التي مرت بها صياغة القانون والتعديلات التي أدخلت على نصوصه، وقد كان ذلك التعريف محل اعتراض اللجنة العلمية لدار الوثائق القومية قبل أن يكون محل اعتراض الصحافة، وفي المشروع الحالي تمت صياغة النص الخاص بتعريف الوثيقة بشكل محكم، بعد مراجعة نصوص قوانين الوثائق في كثير من دول العالم، من بينها إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة وبعض الدول العربية التي سبقتنا في مجال  إصدار قوانين للوثائق مثل الجزائر، وقد جمع المجلس الدولي للأرشيف هذه القوانين كنماذج إرشادية لصياغة تشريعات الوثائق، والمجلس الدولي للأرشيف منظمة دولية تابعة لليونسكو تضم في عضويتها الأرشيفات القومية لدول العالم، إذًا فنحن في هذه المرة أمام تعريف محكم ودقيق إلى أبعد حد.
 فالوثيقة وفقًا لمشروع القانون "كل مادة يصدرها أو يتلقاها شخص من أشخاص القانون العام أو الخاص خلال نشاطه اليومي أيًا كان شكلها أو كيفية إنتاجها مدون أو مسجل أو مصور عليها بيانات أو معلومات أو صور، وتكون لها قيمة تستدعى حفظها حفظًا دائمًا"، ويتوافق هذا التعريف مع ورد بالفعل من تعريفات في التشريعات الأمريكية والفرنسية والبريطانية وكثير من تشريعات الدول العربية، وإذا كان هذا التعريف يعتبر أي أوراق حكومية بما فيها الوثائق الإدارية وثيقة، فهذا لأن أي أوراق حكومية هي بالفعل وثائق، وهذا ليس اختراعًا أو اكتشافًا بل إن الأصل في تعريف الوثائق إنها المستندات الإدارية والقانونية التي تصدرها مؤسسات الدولة المختلفة، وأهم الدراسات التاريخية التي درست تاريخنا في العصر العثماني والقرن التاسع عشر، سواء قام بها مصريون من أمثال الدكتور عزت عبد الكريم في دراسته عن التعليم في عصر محمد علي أو الدكتور أحمد الحتة في دراسته لتاريخ الزراعة في القرن التاسع عشر أو جمال الدين الشيال في دراسته عن الترجمة في عصر محمد علي، أو أجانب من أمثال ستنفرد شو عن اقتصاد مصر في العصر العثماني أو هيلين ريفلين عن الإدارة والاقتصاد في مصر في القرن التاسع عشر وغيرهم كثيرين، الجميع قد اعتمدوا على وثائق حكومية إدارية ومالية، ولولا أن محمد علي كان قد أنشأ الدفترخانة وحفظ فيها هذه الوثائق، ولولا أن الملك أحمد فؤاد الأول قد نقل جزأ من تلك الوثائق الحكومية الإدارية إلى أرشيف عابدين التاريخ وأتاحها لذلك الجيل الرائد من المؤرخين ليكتبوا تاريخ الأسرة العلوية اعتمادًا على تلك الوثائق لضاع جزء مهم من تاريخنا، إذًا فالوثائق الإدارية هي ما يحفظ بالدرجة الأولى في الأرشيفات القومية في العالم كله بشرط أن تكون لها قيمة تستدعي حفظها، وبالمناسبة فالقانون الحالي لا يضيف جديد هنا، لأن لائحة محفوظات الحكومة وقانون إنشاء دار الوثائق ينصان على ذلك، ما الجديد إذًا في مشروع القانون الحالي؟
 الجديد أن القانون يلزم جميع الجهات الحكومية بتسليم وثائقها للدار لحفظها بها بعد انتهاء استخدامها الإداري والقانوني في تلك الجهات، وذلك إذا كان للوثائق قيمة تستدعي حفظها حفظًا دائمًا، ويلغي المشروع الجديد بذلك الاستثناء الذي منحه القانون القديم لعدد من الجهات الحكومية من إيداع وثائقها بالدار.
 الأمر الثاني الجديد أن المشروع يحقق اللحاق بالتطور الأرشيفي في العالم، بإلزامه المؤسسات الخاصة بإيداع وثائقها بالدار بعد انتهاء استخدامها للأغراض التي أنشأت من أجلها بدلًا من إعدامها أو بيعها بالكيلو، للحفاظ على جزء مهم من تاريخ مصر ولإتاحته للباحثين.
 تبقى نقطة أخيرة في موضوع التعريف تثير اللبس دائمًا، موضوع السرية، فالقانون ينص على أن الأصل في الوثيقة العلنية، لكنه يؤكد أيضًا على أنه "تعتبر وثيقة أي مستند رسمي للدولة صنف بإحدى درجات السرية"، والقانون هنا لا يعتبر الوثيقة سرية لمجرد أنها وثيقة، لكنه ينص على أن الوثائق المصنفة أصلًا بدرجة من درجات السرية لدى الأجهزة الحكومية ينطبق عليه نص القانون أي أنها تحفظ في دار الوثائق بعد انتهاء مدة السرية عنها، فالقانون لا يختص بتحديد سرية الوثائق، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالسماح بالإطلاع عليها أثناء وجودها لدى الجهات الحكومية.
  أرجو أن تكون الصورة قد اتضحت من أن القانون لا يسهم في وضع قيود جديدة على حرية الرأي والتعبير والحق في تدفق المعلومات وتداولها بل يدعم هذه الحقوق، وفي النهاية فإن أي قرار إداري يصدر بناء على هذا القانون خاضع لرقابة القضاء.

الدستور 5 أبريل 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق