الخميس، 11 مايو 2017




مخربشات
نعم هناك ما يدعو دائما إلى الأمل...
عماد أبو غازي


المستعرب الألماني هارتموت فاندريش
   في عام 2004 كان العالم العربي وثقافته ضيف الشرف في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي يعد أهم معرض في العالم، وكانت فرصة مهم للثقافة العربية لتقدم نفسها إلى العالم، وكان من الخبرات المستفادة من هذه التجربة في سياق خطة تطوير معرض القاهرة الدولي للكتاب التفكير في أن يستضيف معرض القاهرة في كل عام ضيفًا للشرف يقدم ثقافته وآدابه وفنونه، وبدء هذا البرنامج في معرض القاهرة اعتبارًا من هذا العام ، وكانت ألمانيا أول ضيف للشرف في معرض القاهرة، وفي إطار نشاط ضيف الشرف الألماني دعيت للمشاركة في حلقتي نقاش حول الترجمة بين الألمانية والعربية، نظمت الهيئة الألمانية للتبادل العلمي إحداهما في مقرها بالزمالك، ونظم معهد جوته الثانية في الجناح الألماني بالمعرض، وقد اتخذت الحلقة الثانية التي دارت حول الترجمة من العربية إلى الألمانية وآفاقها المستقبلية سؤالًا قد يبدو متشائمًا عنوانًا لها، "هل هناك ما يدعو إلى الأمل؟"، خاصة إذا قرأنا "السؤال/العنوان" في ضوء عبارة التقديم للحلقة والتي صاغها البروفسير هارتموت فاندريش الأستاذ بجامعة زيورخ بسويسرا، الذي يعد واحدًا من أهم من ترجموا الأدب العربي الحديث إلى الألمانية، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق،  فقد ترجم وحده أكثر من أربعين عملًا إلى الألمانية، ويرى فاندريش في تقديمه، أن الكتب الأجنبية تحتاج إلى مترجم ينقلها إلى لغة بلده، وإلى دار نشر تقوم بنشرها، وإلى سوق يرحب بها، وإلى قراء يلتهمونها، وهذا حق، لكنها تذهب أيضًا إلى أن هذه الظروف والمعطيات غير متوافرة بالنسبة للأدب العربي في أوروبا بصفة عامة، وفي البلدان الناطقة باللغة الألمانية بصفة خاصة، وهذه المقولة لا يمكن التسليم بها ببساطة وتحتاج إلى مناقشة.
 هل هذه الاحتياجات التي يمكن أن نتفق على ضرورتها غير متوفرة بالفعل؟ أم أنها عناصر متوفرة لكنها غير فاعلة، تحتاج إلى أسلوب منظم ومخطط لإدارتها؟
 أعتقد أنه من غير المتصور أن نتحدث عن عدم وجود مترجمين ينقلون الثقافة العربية إلى اللغة الألمانية، سواء في الجانب العربي أو الجانب الألماني، فعلى الجانب العربي هناك اهتمام قديم بدراسة اللغة الألمانية يعود لسنوات طويلة وقد خرجت المدارس الألمانية وأقسام اللغة الألمانية في الجامعات في العالم العربي عمومًا ومصر خصوصًا أجيالًا وراء أجيال من المتخصصين في اللغة الألمانية، ولا شك في أنه من بين هؤلاء عشرات من القادرين على ترجمة الثقافة العربية إلى اللغة الألمانية، وعلى الجانب الآخر، فإن دور مدرسة الاستشراق الألماني في دراسة التراث العربي دور مهم ومميز طوال القرنين الماضيين، كما أن أقسام الدراسات الشرقية والعربية في الجامعات الألمانية، وجامعات البلدان الناطقة بالألمانية تضيف كل يوم رصيدًا جديدًا إلى المتخصصين في الدراسات العربية.
 وفي ضوء ما سبق أتصور أن عنصر المترجم الذي ينقل الثقافة العربية إلى الألمانية متوفر إلى حد بعيد.
  يتبقى العنصران الآخران، الناشر والمتلقي، ولنترك الناشر مؤقتًا ونناقش قضية المتلقي، هل حقًا لا يتوافر جمهور يمكن أن يقرأ الكتاب المترجم من العربية إلى الألمانية؟
 قد لا تتوافر لدي معلومات دقيقة عن سوق الكتاب الألماني وعن إمكانيات توزيع الكتاب العربي هناك، لكن بعض المؤشرات يمكن أن تكون مفيدة، فأتصور أن هناك جمهورًا مفترضًا للكتاب العربي المترجم إلى الألمانية في ألمانيا ومناطق اللسان الألماني، وما يؤدي لوجود هذا الجمهور المفترض ثلاثة أسباب:
الأول: الدراسات العربية في ألمانيا، فالدارسون، بصفة خاصة من يدرسون الأدب العربي، وبصفة عامة المتخصصون في شئون المنطقة العربية تاريخها وآثارها، اقتصادها، نظمها السياسية وأوضاعها، قراء محتملون للأعمال المترجمة عن العربية.
الثاني: زيادة أعداد المهاجرين من أصول عربية وشرق أوسطية خلال العقود الثلاثة الماضية، والذين يشكلون جمهورًا للكتاب العربي، وعلى وجه الخصوص الأجيال الثانية من المهاجرين الذين ولدوا في المهجر وابتعدوا تدريجيا عن لغات الوطن الأصلي.
الثالث: تصاعد الإرهاب الذي ينتسب إلى العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، ورغم أن هذا العنصر يعد من المعطيات السلبية حيث ينفر الناس من الثقافة التي أنتجت الإرهاب، لكن للأمر وجهه الآخر في هذه الزاوية أيضًا، الوجه الذي يتمثل في الرغبة المفترضة في التعرف على الثقافة التي أنتجت هذا التطرف من ناحية، وعلى جوانبها الأخرى المبدعة والإنسانية البعيدة عن هذا التطرف من ناحية أخرى.
 أما فيما يتعلق بالعنصر الثالث، أقصد الناشر الذي يستطيع أن يقوم بعبء نشر الأعمال العربية مترجمة إلى الألمانية فهذا موضوع حديث آخر. 
الدستور 1 فبراير 2006           


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق