الأربعاء، 10 مايو 2017

الترجمة ومجتمع المعرفة. من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
الترجمة ومجتمع المعرفة
 عماد أبو غازي



 خلال أيام قليلة سيكمل مشروع الترجمة الذي يتبناه المجلس الأعلى للثقافة في مصر، تحت اسم المشروع القومي للترجمة ألفه الأولى بصدور ترجمة كتاب الناقد إيميه آزار عن فن التصوير المصري الحديث بترجمة للكاتب الكبير إدوار الخراط والناقد الدكتور نعيم عطية، وتلك هي المرة الأولى في حدود علمي ـ في عصرنا على الأقل ـ التي ينجح فيه مشروع عربي للترجمة في تحقيق هذا الرقم، وإذا كانت الترجمة مهمة في كل عصر فإنها تكتسب في عصرنا هذا، عصر مجتمع المعرفة أهمية أكبر، فالعالم يعيش في ظل ثورة معرفية لم يشهدها من قبل، ثورة تحولت فيها المعرفة إلى ثروة، وفي الوقت الذي يحقق فيه العالم المتقدم طفرة معرفية هائلة، "تتخلف البلدان العربية في مضمار اكتساب المعرفة وبخاصة في إنتاجها"، على حد قول تقرير التنمية البشرية، فأصبحنا في العالم العربي نعاني من فجوة معرفية تفصلنا عن العالم المتقدم تتسع يومًا بعد يوم، وإذا كانت مجتمعاتنا العربية لا تسهم في إنتاج المعرفة على الصعيد العالمي في عصر مجتمع المعرفة إلا بأقل القليل، وإذا كانت اللغة العربية قد تراجعت تراجعًا ظاهرًا كلغة للعلم والثقافة والمعرفة منذ نهاية العصور الوسيطة وعبر عصري الثورة الصناعية وثورة المعلومات والاتصالات انتهاء إلى عصر مجتمع المعرفة، فقد أضحى من الحتمي "أن نسعى لامتصاص الإنتاج المعرفي العالمي واستيعابه تأسيسا لنهضة معرفية في الوطن العربي"، وتلعب الترجمة دورًا أساسيًا في تحقيق هذا الهدف وفي سد تلك الفجوة، فلم تعد الترجمة إذًا في عصرنا هذا ترفًا يمكن الاستغناء عنه، بل صارت أحد أشكال التواصل الحيوية بين الثقافات وجسر لنقل المعرفة من المجتمعات المتقدمة إلى المجتمعات المتخلفة، وإذا كانت الترجمة قد ظلت عبر العصور ضرورة لازمة لتحقيق النهضة في كل المجتمعات الساعية إلى التطور، فقد تزايدت ضرورتها في عصر العولمة وثورة المعلومات والاتصالات، وصارت شرطا من شروط سد الفجوة المعرفية بين المجتمعات، ولا جدال في أن الترجمة لعبت دورا مهما في نمو الثقافة العربية وازدهارها، خاصة في عهد الخليفة العباسي المأمون، عندما ترجمت إلى العربية معارف الإغريق والفرس والهنود والسريان وعلومهم، فنهضت الثقافة العربية الإسلامية، وأضحت اللغة العربية لغة الثقافة والعلم في العالم القديم، فهل يمكن أن تلعب الترجمة دورا في تجاوز الأزمة المعرفية العربية الراهنة ؟  
 إن التحدي الذي تواجهه البلدان العربية اليوم فيما يتعلق بقضية الترجمة كما رصده تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2004 يتلخص في الإجابة على السؤالين التاليين:
 "كيف تصبح الترجمة رصيدا استثماريا وإبداعا بما تضفيه وتهيئه من فرص لتجديد البنية الذهنية للفرد والمجتمع، وما تهيئه من قيمة جديدة وفكر جديد للمجتمع وطاقة جديدة للتمكين واطراد عملية التنمية؟"
 وكيف يمكن للترجمة أن "توفر فرصا جديدة للاستيعاب والعطاء في إطار المشاركة المعرفية الكوكبية عبر شبكة الاتصالات الكوكبية التي هيأتها ثقافة الاتصالات، وللتأثير المتبادل، دون الاقتصار على التأثير السلبي حين يجف نبع العطاء؟"
 لكن هل واقع الترجمة في العالم العربي يبشر بخير؟ بعض الحقائق والأرقام قد تجيب على هذا السؤال:
حسب التقرير، يقدر إجمالي المترجم إلى العربية منذ عصر الخليفة العباسي المأمون إلى الآن بعشرة آلاف كتاب، بما يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة! وفي مطلع السبعينيات من القرن الماضي كان متوسط الكتب المترجمة في العالم العربي 175 كتابا سنويا، وصلت إلى 330 كتابا في مطلع القرن الحادي والعشرين، وهو خمس ما تترجمه اليونان! في الوقت الذي كانت فيه بلد كاليابان في عصر ميجي ـ عصر النهضة اليابانية في القرن التاسع عشر ـ تترجم 1700 عنوان سنويا والآن تترجم 30 مليون صفحة سنويا! كذلك فمن اللافت للنظر أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتل مكانة متقدمة في مضمار الترجمة رغم أن 85% من جملة الرصيد المعرفي في العالم مدون بالإنجليزية، بينما يحتل العالم العربي بدولة الاثنتين والعشرين مكانة متأخرة في الترجمة رغم ضآلة إسهام اللغة العربية في الرصيد المعرفي في العالم!
 ولتتضح الصورة أكثر علينا أن ندرك أن دور النشر والمطابع في العالم تصدر الآن حوالي ألف كتاب مترجم في كل عام، أي أن ما يترجمه العالم العربي لا يتجاوز 0.33% مما يترجمه العالم، هذا بالطبع إذا صحت هذه الأرقام المأخوذة عن تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2004، أما لو لم تصح فالأمر يعكس مشكلة أخرى تتعلق بفوضى البيانات والمعلومات ـ بل غيابها من الأساس ـ في عالمنا العربي في عصر ثورة المعلومات!
لكل ما سبق فإن النجاح الذي حققه المشروع القومي للترجمة خلال عشر سنوات هي عمره من 1995 إلى 2005، يعد رغم أي جوانب للقصور إنجازا مهما يستحق أن نتوقف عنده ونتعرف عليه عن قرب لنحدد عناصر قوته فنزيد منها ونقاط ضعفه فنتلافاها، استشرافًا لآفاق مستقبل يحتل فيه العالم العربي مكانا على خارطة مجتمع المعرفة.

  الدستور 21 ديسمبر 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق