الثلاثاء، 23 مايو 2017

لبنان في القلب دائمًا... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
لبنان في القلب دائمًا
عماد أبو غازي
 عشرة أيام كئيبة مرت منذ بدأ العدوان الإسرائيلي الذي فاق كل الحدود وكل التوقعات على لبنان، تنقل شاشات التلفزيون ووكالات الأنباء ورسائل البريد الإلكتروني أخبار ضحايا الجريمة الإسرائيلية. حتى الآن ـ 22 يوليو ـ سقط ما يزيد عن ثلاثمائة مدني لبناني أكثر من نصفهم من الأطفال، غير آلاف الجرحى ومئات الآلاف من المهجرين عن ديارهم، وفوق ذلك كله تدمير مجنون للبنية الأساسية اللبنانية، التي أعاد اللبنانيون تشيدها بعد سنوات الحرب الأهلية المريرة وما تخللها من تدخل سوري وثلاث غزوات إسرائيلية، لبنان الذي كان قد أوشك أن يتعافى من آثار ثلاثين عاما من الحروب، يدمر مرة أخرى، تدمره إسرائيل تدميرا شاملا، بتأييد غير محدود ودعم سياسي وعسكري مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، وعجز دولي وعربي كامل، مرة أخرى يدفع شعب لبنان الثمن نيابة عنا جميعا، مرة أخرى يُفرض على هذا البلد أن يتحول إلى ساحة لصراع المصالح والإرادات في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط كلها.
 إننا نقف اليوم أمام جريمة إسرائيلية جديدة تضاف إلى قائمة الجرائم الطويلة لآلة الحرب الإسرائيلية طوال ما يقارب ستين عاما هي عمر دولة إسرائيل، لكن ما الذي تريده إسرائيل من عدوانها هذه المرة؟ والسؤال هنا للكاتب والمفكر اللبناني كريم مروة في مقال له بعنوان "لبنان في قمة الخطر" تلقيته على بريدي الإلكتروني وأنا أكتب هذا المقال، يتساءل مروة: "ما الذي تريده إسرائيل من عدوانها على لبنان؟  هل تريد أن تهيئ لاجتياح جديد للبنان شبيه باجتياح عام 1982؟  هل تريد بالعشوائية والوحشية اللتين تدمر بهما المنشآت المدنية اللبنانية، جسوراً وطرقات ومحطات كهرباء ومطارات، أن تخلق فتنة تعيد إلى لبنان حرباً أهلية عبثية جديدة؟" ويستطرد مروة قائلا: "إنها أسئلة حقيقية يطرحها اليوم اللبنانيون بأعلى الصوت، لكي يسمعها العالم كله".

كريم مروة
 ويؤكد كريم مروة أنه رغم أن اللبنانيين يميلون بأكثريتهم لتحميل المسؤولية عما جرى إلى حزب الله، فإنهم يؤكدون وحدتهم، بما في ذلك مع حزب الله، في مواجهة هذه البربرية الإسرائيلية التي بات يعرفها العالم في كل تاريخها. وإن وحدة اللبنانيين اليوم في مواجهة هذه العدوانية الإسرائيلية هي الرد الصاعق على الأهداف التي تبغي إسرائيل تحقيقها من هذا النوع من العدوان على بلدهم.... ويسترسل قائلا: "إن لبنان اليوم كله، واللبنانيين كلهم، هم أكثر وحدة من أي وقت مضى.  ولن تستطيع إسرائيل أن تهز وحدتهم القوية هذه.  إنهم جميعهم في خندق واحد ضد هذه البربرية الإسرائيلية المتجددة.  ولن تنجح إسرائيل في منع لبنان من أن يبقى نموذجاً نقيضاً لنموذجها، نموذجاً راقياً للحرية والتعدد الديني والثقافي، ونقيضاً لعنصرية أولئك الذين يريدون إبقاء الشعب الإسرائيلي في غيتو شبيه بغيتوات العهود القديمة البغيضة".... "ألم يحن الوقت، بعد أن تأخر كثيراً، لكي يمارس لبنان حقه في الحرية والسيادة والاستقلال، أسوة بسائر دول العالم؟  هل يصح أن يبقى في عذابه الدائم، وفي الآلام والمآسي التي لا حدود لها، التي تأتيه من داخله ومن خارجه؟  ألا يستحق أن يساعد من قبل الأشقاء ومن قبل الأصدقاء في العالم لكي يحقق شعبه الطموح العريق عنده في أن يكون، تكريساً لتقاليده القديمة، واحة للحرية والديمقراطية في المنطقة، وملتقى تاريخياً للثقافات جميعاً، في الشرق والغرب؟  إننا كلبنانيين نصرّ على أن نذهب بكل طاقاتنا إلى المستقبل وفي اتجاه هذه المهمات التاريخية على وجه التحديد.  لكننا ملزمون في هذه اللحظة العصيبة بأن نكون أقوياء في وحدتنا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، وفي التصدي لهذا العدوان البربري الذي يتعرض له بلدنا وشعبنا. لكن النقاش مع حزب الله مؤجل إلى أن ينتهي العدوان.  والمهمة الآن أمام جميع اللبنانيين هي استمرار وحدتهم في مواجهة العدوان الإسرائيلي وهي الدفاع عن لبنان، أرضاً وشعباً ومؤسسات."
 لكن في التو واللحظة وأنا أقرأ مقال كريم مروة ـ الذي أتفق مع كل حرف فيه ـ تأتي إجابة أخرى على سؤال ما الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه من عدوانها، جاءت الإجابة عبر شاشات التلفزيون على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس، تعليقا على مئات القتلى وآلاف الجرحى الذين تحصدهم قنابل إسرائيل وصواريخها، قالت رايس: "إنها آلام المخاض! مخاض ميلاد شرق أوسط جديد تتشكل ملامحه الآن"! لذلك ستفتح الولايات المتحدة ـ وفقا لوكالات الأنباء اليوم أيضًا ـ مخازن أسلحتها لتزود إسرائيل بمئات جديدة من القنابل الموجهة بالليزر، لتستمر الحرب، مزيد من القنابل تحمل مزيدا من القتل والخراب.
 إذًا الموضوع أكبر من لبنان وأوسع من حدوده الصغيرة، إذًا نحن أمام مرحلة تتصور الإدارة الأمريكية إنها الأخيرة في تشكيل خريطة جديدة لمنطقتنا، خريطة ترسم بأشلاء الأطفال ودمائهم، ويدفع لبنان ثمنها، خريطة تتصور الإدارة الأمريكية أنها ستحقق مصالحها في المنطقة، لكنها لو قدر لها النجاح لن تحقق إلا سقوط شعوب منطقتنا العربية تحت سطوة التطرف والإرهاب، اليمين المسيحي الأمريكي المتطرف من ناحية، وإرهاب الدولة الإسرائيلية التي يقودها اليمين الصهيوني والقوى الدينية المتطرفة من ناحية أخرى، وقوى التطرف الديني الإسلامي التي ستصبح نموذج "المقاومة" لشعوب المنطقة من ناحية ثالثة، ولعل ما حدث ويحدث في العراق شاهد على ذلك.
 لكن شعب لبنان الذي حمل عنا جميعًا في المنطقة العربية أعباء الصراعات ودفع فواتيرها وأثبت مرات ومرات قدرته على الانتصار على المعتدين سيظل الأمل الأخير لوقف هذا المخطط لو نجحت القوى المعادية للحرب والعدوان على صعيد العالم في عرقلة آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا ووقفها.

الدستور 26 يوليو 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق