الخميس، 11 مايو 2017

حجاج أدول... من أرشيف مقالاتي القديمة.

مخربشات
حجاج أدول...
عماد أبو غازي



 فوجئت وفجعت عندما قرأت في أخبار الأدب يوم الجمعة الماضي 3 مارس خبرا حول رفض تجميد عضوية الكاتب المبدع حجاج أدول في اتحاد الكتاب، طبعا لم يكن سبب المفاجأة والفجيعة قرار مجلس الاتحاد برئاسة الكاتب الكبير محمد سلماوي برفض توصية تقدم بها فرع الاتحاد بالإسكندرية بتجميد عضوية حجاج أدول، فهذا قرار حكيم وطبيعي ومنطقي، إنما مبعث الفجيعة توصية فرع الإسكندرية بتجميد عضوية كاتب وروائي بقيمة وأهمية حجاج أدول بسبب مواقفه وآراءه السياسية، والمفاجأة كانت عندما عرفت من الخبر المنشور في جريدة أخبار الأدب أن رئيس فرع الإسكندرية هو الصديق الدكتور شبل بدران، فلم أتصور أن مثقف بقيمة شبل بدران وتاريخه الوطني ومواقفه إلى جانب قضايا الديمقراطية والحريات يمكن أن يرأس مجلسًا يوصي بمحاسبة كاتب مبدع ومعاقبته على آرائه السياسية حتى لو كانت موضوع خلاف أو رفض.
 ووفقًا لما نشرته أخبار الأدب فإن فرع اتحاد الكتاب بالإسكندرية كان قد أصدر بيانًا طالب فيه بحرمان حجاج من منحة التفرغ التي يحصل عليها من المجلس الأعلى للثقافة والتي أبدع خلالها رائعته "معتوق الخير"، وذلك وفقا لنص البيان ردًا على "الادعاءات والتصريحات الخطيرة التي أدلى بها الزميل العضو السكندري حجاج أدول في مؤتمر الأقباط الدولي، وهي الافتراءات التي تحاول الإيهام بأن أبناء النوبة يتم إبادتهم وتطهيرهم عرقيًا"، ويضيف الخبر أن الدكتور شبل بدران رئيس الفرع قد قال للجريدة: "لقد حددنا له ندوة في أول فبراير لمناقشة إدعاءاته الخطيرة ووافق شفاهة على الحضور لكنه تراجع قبل الموعد بأيام قلائل كتابة وهو ما يعني إصراره على موقفه"، يبدو إذًا مما يقوله الدكتور شبل أن مجلس فرع إسكندرية كان يعد لجلسة استتابه وليس لندوة لمناقشة أفكار مهما اختلفنا معها فلا يمكن أن ينكر منصف أن أهالي النوبة قد قدموا تضحيات من أجل التنمية في مصر لم تقدمها منطقة أخرى، فمنذ بناء خزان أسوان أواخر القرن التاسع عشر، ثم تعليته في الثلاثينيات من القرن الماضي، وأهالي النوبة يفقدون أرضهم قطعة وراء قطعة في سبيل تحقيق الرخاء لمصر كلها، ثم جاء السد العالي ليغرق بلاد النوبة كاملة، ويهجر أهالي النوبة خارج بلادهم، ولا تتاح لهم الفرصة للتوطين الجماعي ليعيدوا بناء النوبة الجديدة، لقد ضحى أهالي النوبة دون غيرهم أو أكثر من غيرهم بكثير من أجل التنمية وزيادة الرقعة الزراعية وتوليد الكهربا للتوسع الصناعي، ولم يحصلوا على المقابل.
 وما يجب أن ندركه حتى نكون منصفين أيضًا أن للنوبة خصوصيتها، حقًا أن النوبة مصرية عبر آلاف السنين، بل دومًا كانت الحصن الأخير للدفاع عن الوطن وعن العقيدة عندما تسقط مصر في يد الغزاة تنتقل قاعدة المقاومة إلى أرض الذهب بلاد النوبة، وفيها تحفظ تقاليد المصريين وثقافتهم، لقد ظلت النوبة حافظة لعقائد المصريين القدماء حتى القرن السادس الميلادي، وعبر عصور التاريخ أصبح للنوبة خصوصية ثقافية مميزة، عادات وتقاليد خاصة، لغة محلية خاصة، وفي كثير من الأحيان لا يشعر النوبيون بأن هناك قدر كاف من الاحترام لهذه الخصوصية، وهذا مصدر لمشكلة لو لم ننتبه إليها ونعيرها القدر الكافي من الاهتمام فسوف تتفاقم المشكلة وتأخذ أبعادًا أخطر، وإذا كنا نملأ الدنيا صباح مساء بالدعوة إلى احترام التنوع الثقافي والخصوصية على النطاق العالمي، فعلينا أيضًا أن نحترمها على المستوى الوطني والمحلي، ولا يمكن أن نحل هذه المشاكل بمنطق النظم الشمولية البائدة والذي ما زال يسيطر على عقول الكثيرين بيننا ممن محدودي القدرة والموهبة الذين لا يستطيعون سوى الصياح والهتاف في المنتديات العامة، ولا يملكون سوى الدعوة لمصادرة الأخر المختلف، لقد تذكرت موقف مر بي أثناء عملي منذ عدة سنوات عندما طلبت اليونسكو تقريرًا عن الثقافات الهامشية في مصر ووضعها ومدى انتشارها، فأحيل الطلب إلى مقرري اللجان المختصة في المجلس الأعلى للثقافة لأعداد الرد، فقام أحدهم ـ رحمه الله ـ وقد كان من الأسماء الثقافية البارزة في الخمسينات والستينات بإعداد رد لو أرسل إلى اليونسكو لصنفت مصر ضمن الدول التي تمارس التطهير الثقافي وتسعى لإبادة الثقافات الهامشية، إنها العقلية التي قادت العديد من بلدان المنطقة العربية إلى كوارث بسبب تجاهل التمايزات الثقافية واللغوية داخل المجتمع.
 للأسف أن موقف فرع اتحاد الكتاب بالإسكندرية لم يكن الموقف المتشنج الوحيد ضد حجاج أدول، فمنذ فاز بجائزة ساويرس في الرواية عن حق وعن جدارة، لم يتوقف الهجوم عليه ولا على الجائزة التي تشكل إضافة مهمة للحياة الثقافية المصرية، وتعطى نموذجًا مضيء لإسهام رجال الأعمال المستنيرين في دعم الثقافة، كما أن هذا ليس الموقف الوحيد داخل اتحاد الكتاب الذي يحاسب فيه كاتب على مواقفه السياسية، فمن قبل حاسب الاتحاد الكاتب المسرحي علي سالم بسبب زيارته لإسرائيل، ورغم معارضتي الكاملة للزيارة وللتطبيع إلا أن منطق فصل كاتب من عضوية اتحاد الكتاب بسب مواقفه السياسية أو آراءه غير معقول وغير مقبول.
 وأخيرًا كل التقدير لمجلس الاتحاد برئاسة محمد سلماوي على الموقف العاقل والعقلاني من قضية حجاج أدول.

 الدستور 15 مارس 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق