الاثنين، 15 مايو 2017

مخربشات
دفاعا عن الفن الجميل... 
مارسيل خليفة في القاهرة

عماد أبو غازي
 زار القاهرة في نهاية الأسبوع الماضي الفنان اللبناني المبدع مارسيل خليفة الذي ارتبط فنه بالحركة الوطنية اللبنانية منذ السبعينيات، كما ارتبط بالمقاومة الفلسطينية، وشكل عبر سنوات ثنائيا فنيا مع الشاعر الكبير محمود درويش، وقدم مع فرقة الميادين إضافة مهمة للغناء وللموسيقى في العالم العربي، إضافة جعلت من مارسيل خليفة وتجربته الفنية قامة كبيرة تقف إلى جانب فنان الشعب سيد درويش، جاء مارسيل خليفة إلى القاهرة ليقدم حفلين غنائيين مع فرقة الميادين في افتتاح البرنامج الثقافي الفني "الربيع ... عاد من تاني"، كان الحضور في الحفل الأول بدار الأوبرا المصرية مذهلا: مئات من مختلف الأعمار، ضم المسرح من هم فوق الثمانين إلى جانب من هم دون العاشرة، الجميع في تفاعل حي مع الفن الجميل والكلمة الصادقة المعبرة عن هموم الوطن وهموم الناس، خارج المسرح كان هناك عدد يفوق من نجحوا في الدخول، كان اليوم بحق عرسا للفن خفف بعض الشيء من هموم التعصب الطائفي والتخلف الفكري الذي يسود مجتمعنا.


 لقد قامت بتنظيم هذا الحفل مؤسسة "المورد الثقافي"، و"المورد الثقافي" كما تعرف بنفسها في موقعها على الإنترنت (www.mawred.org) مؤسسة إقليمية غير ربحية تسعى إلى دعم الإبداع الفني في العالم العربي، وإلى تشجيع التبادل الثقافي داخل المنطقة العربية ومع بلدان العالم النامي.
 إن المورد الثقافي نموذج حي لقدرات المجتمع المدني على إبداع أشكال حية للعمل الثقافي تضيف إلى قدرات هذا البلد وطاقاته، إنها تجربة تستحق كل التحية والتقدير، وقبل ذلك وبعده الدعم والمساندة.
 سرحت بفكري وأنا استمع إلى مارسيل خليفة وأشاهد حجم الجمهور وانفعاله بالحدث الثقافي، وتساءلت ماذا لو حولنا حدائقنا ومياديننا وساحاتنا إلى فضاء مفتوح للفن والإبداع، أليس هذا طريقا لهزيمة التعصب والتطرف والاحتقان الطائفي؟
 ولكني عدت لأتدارك كيف لهذا أن يتحقق وتجربة مهمة مثل تجربة "المورد الثقافي" تواجه عقبات وعوائق بيروقراطية تهدد أهم إنجازاتها أعني "مسرح الجنينة"، يشير موقع المؤسسة الإلكتروني إلى أنها افتتحت مسرح "الجنينة" في حديقة الأزهر يوم 28 ابريل 2005، في شكل مسرح نصف مكشوف يتسع 300 مشاهد، ، وقد قام بتصميم المسرح و الإشراف على تنفيذه مؤسسة صندوق شباب المسرح العربي، بمساهمة تمويلية من صندوق التنمية الثقافية المحلية بالسفارة الهولندية بالقاهرة وبدعم من مؤسسة معهد المجتمع المفتوح، والمسرح ثمرة للتعاون بين المؤسسة وإدارة حديقة الأزهر في إطار سعيهما المشترك للتنمية الثقافية، وقد استغرق العمل فيه ثمانية شهور، ويسعى مسرح "الجنينة" إلى اجتذاب جمهور واسع من الشباب عبر تقديم برامج موسيقية ومسرحية متنوعة، تقدم معظمها فرقاً ومجموعات فنية مستقلة من مصر والمنطقة العربية، كما يسعى إلى تقديم التجارب الفنية الرائدة والمتميزة، والتي تسعى إلى استكشاف آفاق إبداعية جديدة.
 المسرح مهدد بأن يضيع بسبب مشاكل بيروقراطية!
هذا ما شاهدته من خلال برنامج "القاهرة اليوم" الذي يذاع على قناة شبكة أوربت، والذي استضاف بسمة الحسيني من المورد وممثلا لمؤسسة أغاخان التي رعت إنشاء الحديقة وأحد السادة اللواءات نواب محافظ القاهرة، وكان كلام السيد اللواء غير مطمئن ولا يبشر بخير على الإطلاق، وقد زرت موقع المورد الثقافي للتعرف على تفاصيل ما يحدث وقرأت فيه: "في يوم الخميس 23 فبراير تلقت إدارة حديقة الأزهر (شركة أغاخان للخدمات الثقافية) اتصالاً تليفونياً من مكتب السيد نائب محافظ القاهرة يبلغها بإلغاء الحفل الخاص بفرقة نغم مصري والذي كان مقرراً تقديمه على مسرح الجنينة بحديقة الأزهر بعد ساعات قليلة، و ذلك لاعتراض الأمن على محتوى الأغاني التي تقدمها الفرقة. في نفس اليوم، أبلغ السيد نائب المحافظ شفهياً إدارة حديقة الأزهر باعتراضه على وجود مسرح بالحديقة وعلى إقامة أية حفلات موسيقية فيها. أكد السيد نائب المحافظ بعد ذلك شفهياً أيضاً أنه لا علاقة للإلغاء بمحتوى أغاني الفرقة. وقال في يوم السبت 25 فبراير في أحاديث صحفية أن المحافظة قررت تعليق أنشطة المسرح لأنه يؤدي إلى تجمعات ضارة بالأمن! وقرن بين الأنشطة الثقافية التي تقدم في المسرح وتدخين الشيشة في المقاهي، وقال إن ذلك يتعارض مع جهود المحافظة لمكافحة تلوث البيئة!
 حتى يوم الاثنين 27 فبراير لم يصل إلى إدارة حديقة الأزهر، ولا إلى شركة المورد الثقافي للإنتاج الفني والتوزيع والتدريب التي تتولى تنظيم الأنشطة الثقافية في مسرح الجنينة، أية تعليمات مكتوبة من المحافظة، ولا من أي جهاز أمني، فيما يتعلق بمنع الحفل المذكور أو تعليق أنشطة المسرح، ولا بتقديم تبرير لأي من القرارين."
هذه كانت البداية فما الموقف الآن؟
 يقول الموقع: "أعددنا برنامجاً ثقافياً متنوعاً يضم عروضاً موسيقية وغنائية وشعرية من عدة بلدان، ولا نعرف على وجه اليقين هل ستستمر المحافظة في موقفها الرافض للأنشطة الثقافية بحديقة الأزهر، أم أنه من الممكن تصحيح هذا القرار لمصلحة جمهور الحديقة ومحبي الثقافة والفنون".
 وتناشد المؤسسة أجهزة الإعلام والصحافة والمؤسسات الثقافية والفنية والمنظمات والجمعيات الأهلية والمثقفين والفنانين التضامن معها من أجل رفع الحظر عن تشغيل المسرح الذي يقدم رسالة تنويرية وحضارية.

الدستور 3 مايو 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق