الخميس، 1 يونيو 2017

أستاذ الأدباتية وأدباتي الأساتذة ... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
أستاذ الأدباتية وأدباتي الأساتذة ...
عماد أبو غازي
 "عند الشدائد تظهر معادن الناس"... و"أستاذنا" الذي نتحدث عنه اليوم امتحن بالشدة وراء الشدة وظل ثابتًا على المبدأ مخلصًا لأفكاره وقيمه، إنه واحد من أبناء الشعب المصري تجسدت فيه كل القيم الإيجابية في هذا البلد، شارك في صنع الأحداث التاريخية الكبرى في وطننا في القرن التاسع عشر، وساهم في تكوين الوجدان المصري.
 أستاذنا هو عبد الله نديم الكاتب الثائر والأديب المبدع، خطيب الثورة العرابية الذي ألهب حماسة الجماهير بكلماته عن أهداف الثورة وطموحات الشعب. برز عبد الله نديم كأحد أهم قادة الثورة العرابية من المدنيين منذ تصاعد الأحداث في صيف 1881 حتى هزيمة العرابيين في سبتمبر 1882، ورغم أنه كان عند اشتعال الثورة في السادسة والثلاثين من عمره، إلا أنه احتل مكانة مرموقة بين قادة الثورة، لأنه كان قد اكتسب خبرة كبيرة وحقق شهرة ذائعة من خلال مشاركته في العمل العام.


 ولد عبد الله مصباح نديم الإدريسي في الإسكندرية في أسرة متوسطة الحال، في 10 ديسمبر سنة 1845 على الأرجح، وقد لمح أبوه علامات نبوغه فألحقه بمسجد إبراهيم بالإسكندرية ليتلقى العلوم الدينية، لكن الفتى اهتم بفنون الأدب ونبغ فيها، فبرع في الكتابة والشعر والزجل، وتميز النديم في المناظرات المرتجلة واشتهر بروحه الساخرة.
 لم يحترف عبد الله نديم الأدب في بداية حياته العملية لكنه اتجه إلى تعلم صنعه يتعيش بها، فدرس فن التلغراف، وكان قد دخل إلى مصر حديثًا، واشتغل النديم في مكتب بنها للتلغراف، ثم انتقل إلى مكتب القصر العالي حيث تسكن الوالدة باشا، أم الخديوي إسماعيل.
 وكان انتقاله إلى القاهرة بداية لاختلاطه بأعلام الأدب والفن والثقافة في ذلك العصر، فأخذت شهرته تذيع بينهم، إلا أن إقامته لم تطل بالقاهرة، فقد اصطدم بخليل أغا، أغا قصر الوالدة باشا والرجل القوي صاحب النفوذ، فأمر بفصله.
 رحل عبد الله نديم إلى الدقهلية وأقام بالمنصورة حيث افتتح متجرًا هناك، وخلال إقامته التي لم تستمر طويلًا كان مجلسه مقصدًا لرجال الأدب وطلاب العلم، وبعد تجواله في عدة مدن وقرى بالدلتا عاد إلى الإسكندرية ليستقر بها، وكان ذلك سنة 1876، في فترة صعود الحركة الوطنية، وهناك اتصل بعناصر من جماعة مصر الفتاة، التي كانت تطرح مشروعًا للإصلاح الوطني والدستوري ـ وهي غير جماعة مصر الفتاة التي أسسها أحمد حسين في ثلاثينيات القرن الماضي متأثرا بالتنظيمات الفاشية والنازية التي ظهرت في أوروبا في تلك الفترة ـ وتعد جماعة مصر الفتاة التي ظهرت في سبعينيات القرن التاسع عشر في عهد الخديوي إسماعيل أقدم تشكيل حزبي عرفته مصر.
 وفي تلك المرحلة المهمة من تاريخ مصر والتي شهدت صعودًا للدعوة لسيطرة المصريين على مقدرات بلادهم، بدأ عبد الله نديم الكتابة بانتظام في عدد من الصحف التي أصدرها أديب إسحاق وسليم نقاش، وفي سنة 1879 شارك في تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية، وأصبح مديرًا لمدرستها، كما تولى تدريس الإنشاء وعلوم الأدب والخطابة بها، وأنشأ فريقًا للمسرح بالمدرسة وقام أعضاء هذا الفريق من تلاميذ المدرسة بالاشتراك مع النديم بتمثيل بعض أعماله الأدبية الأولى التي ألفها، ومنها "الوطن وطالع التوفيق" و"العرب". ونظرًا للنجاح الذي حققته مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية فقد وضعت تحت رعاية الأمير عباس حلمي الذي أصبح خديوي مصر فيما بعد.
 لقد ظهر عبد الله نديم على الساحة الأدبية والفكرية في مصر في وقت كانت البلاد تموج فيه بتيارات الإصلاح والتجديد، وكان الشعور الوطني في تصاعد مستمر، خاصة في السنوات الأخيرة من حكم إسماعيل حيث سعى الوطنيون المصريون إلى إنقاذ البلاد من عبء الديون الخارجية التي كانت قد أوشكت أن تهدر استقلال مصر، وتشكلت التجمعات السياسية مثل جماعة مصر الفتاة وجماعة حلوان التي عرفت باسم الحزب الوطني. وقد التقى النديم بالمجموعة الأولى، وظهرت ميوله الوطنية من خلال كتاباته الصحفية وأعماله الأدبية وخطبه التي كان يلقيها في المنتديات العامة.
 وفي صيف سنة 1881 أصدر الرجل صحيفة أسبوعية أسماها "التنكيت والتبكيت"، انتهجت خطًا وطنيًا واضحًا وأسلوبًا أدبيًا ساخرًا، وكان عبد الله نديم مهمومًا في صحيفته بقضية وحدة الوطن واستنهاض همة أبنائه للارتفاع بشأن البلاد، وقد تواكب صدور الصحيفة مع أحداث الثورة العرابية، فكان من الطبيعي أن ينضم عبد الله نديم إلى صفوف الثورة ويساند أهدافها الوطنية، وقد وجد العرابيون فيه سندًا لهم بكتاباته الوطنية الحماسية، وانتقل النديم إلى القاهرة ليكون في قلب الأحداث، والتقى بأحمد عرابي زعيم الثورة، حيث طلب منه أن تكون صحيفته لسان حال الثورة، بشرط أن يغير اسمها إلى اسم أكثر وقارًا! يلائم عقلية عرابي العسكرية المحافظة.
 وأصدر عبد الله نديم صحيفة "الطائف" من القاهرة لتحل محل "التنكيت والتبكيت" ولتصبح لسان حال الثورة، وخلال أسابيع قليلة أضحت الطائف أهم الصحف المصرية على الإطلاق.
 وللحكاية بقية.

الدستور 4 أكتوبر 2006

هناك تعليق واحد:

  1. شكرًا على مشاركة المقال القيم. لأغراض بحثية، هل يمكن تزويدي بأرقام صفحات المقال الأصلي الذي نشر في جريدة الدستور في أكتوبر 2006. شكرًا لاهتمامكم وتعاونكم.

    ردحذف