الخميس، 8 يونيو 2017

الأهلي وقرن من تاريخ مصر... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
الأهلي وقرن من تاريخ مصر
عماد أبو غازي
 هذا العام عام النادي الأهلي، ففي شهر إبريل القادم تمر مئة سنة على أول اجتماع لمجلس إدارته، وإذا كان تاريخ النادي الأهلي في الأمجاد الرياضية معروف، إنه نادي القرن العشرين إفريقيًا، وأكثر النوادي المصرية فوزًا ببطولتي الدوري العام وكأس مصر في كرة القدم بفارق كبير عن النادي الذي يليه، وأكثرها فوزًا بالبطولات الإفريقية، حقق عشرات البطولات المحلية والقارية في كرة القادم قاربت المئة، وحقق انتصارات في مبارايات دولية مع أهم فرق العالم، فضلًا عن عشرات من البطولات في ألعاب رياضية أخرى، كما كان النادي الأهلي أول نادي مصري يعرف نظام الاحتراف ويقدم محترفًا مصريًا يلعب كرة القدم في أوروبا، وذلك عندما احترف نجمه العظيم صالح سليم في منتصف الستينات في النمسا، وكان أول لاعب كرة قدم ـ في حدود علمي ـ يؤلف عنه كتاب في حياته، كان الكتاب يحمل عنوان "كرة صالح"، وما زال النادي الأهلي يحصد البطولات ويحطم الأرقام القياسية رقمًا بعد رقم على صعيد الرياضة.
  ويعتبر النادي الأهلي صاحب أكبر جمهور يشجع فرقه بين الأندية المصرية على وجه الإطلاق، ويمتد جمهوره الذي يشجع فريقه الكروي بامتداد العالم العربي.

اجتماع مجلس الإدارة الأول للأهلي
 لكن قصة النادي الأهلي التي تمتد لقرن كامل لم تكن قصة انتصارات رياضية وبطولات تتحقق في هذه اللعبة أو تلك، أو قصة جماهير غفيرة تتسع يومًا بعد يوم، أو قصة قيم وأخلاقيات رياضية تسعى القلعة الحمراء إلى ترسيخها وإرسائها في تعاملاتها مع مؤسسات العمل الرياضي ندر أن نصادف مثلها في ناد آخر؛ إن قصة النادي الأهلي تحمل كل ذلك، لكنها تحمل أبعادًا أكثر من ذلك بكثير، فهي تشكل جزءًا من قصة نضال الشعب المصري من أجل امتلاك مقدراته.
 لقد تأسس النادي الأهلي في عام 1907 في فترة محورية من تاريخ مصر، ولم يكن إنشاء النادي الأهلي مجرد تأسيس لنادي للرياضية البدنية والنشاط الاجتماعي، بل جزء من حركة عامة في المجتمع المصري بدأت مع مطلع القرن العشرين، تواكب فيها نمو الحركة الوطنية وصعودها التدريجي مع بناء المؤسسات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الحديثة، فقد شهدت تلك السنوات تأسيس الأحزاب السياسية التي تعبر عن التيارات الأساسية في المجتمع ويسعى كل حزب منها بطريقته لتحقيق أهداف النضال الوطني في الدستور والجلاء، وكان أبرزها حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية الموالي للخديوي عباس حلمي، وقد أسسه الشيخ علي يوسف ولسان حاله جريدة المؤيد، وحزب الأمة باتجاهه الليبرالي وقد أسسه أحمد لطفي السيد، وكانت جريدة "الجريدة" لسان حاله، ثم الحزب الوطني باتجاهاته الجذرية في العداء للاستعمار البريطاني، وقد أسسه مصطفى كامل سنة 1907، وكان الحزب تيارًا متصاعدًا في الحياة السياسية المصرية منذ صدرت جريدة "اللواء" سنة 1900.
 كما شهدت تلك السنوات أيضًا تأسيس نادي المدارس العليا كناد سياسي اجتماعي نقابي يجمع طلاب المدارس العليا وخريجيها في تنظيم واحد يدافع عن مصالحهم وينمي الروح الوطنية بينهم، وكان هذا النادي الذي عقدت جمعيته العمومية الأولى في ديسمبر 1905 وافتتح رسميًا في أبريل 1906 أول شكل من أشكال التنظيمات الطلابية في مصر، وقد لعب دورًا مهمًا في النضال الوطني حتى جمدت سلطات الاحتلال نشاطه مع قيام الحرب العظمى سنة 1914.
 نفس الفترة عرفت الدعوة لإنشاء الجامعة الأهلية وافتتاح الدراسة بها بالفعل في ديسمبر من عام 1908، لتكون نواة للجامعات المصرية الحديثة فيما بعد، وليتخرج منها مجموعة من رواد حركة التحديث التي انتعشت موجه جديدة من موجاتها في أعقاب الثورة المصرية، ثورة 1919، وعام 1908 نفس العام الذي شهد افتتاح مدرسة الفنون الجميلة التي أسسها الأمير يوسف كمال أحد رعاة النهضة الثقافية في مصر وجعل مقرها قصر من قصوره بحي درب الجماميز بالقاهرة، وهي المدرسة التي كان من بين طلاب دفعتها الأولى رواد الفن الحديث في مصر، مختار وراغب عياد ويوسف كامل ومحمد حسن.
 وتأسست في 1909 "نقابة عمال الصنائع اليدوية" بدعم من الزعيم محمد فريد الرئيس الثاني للحزب الوطني لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في تاريخ الحركة العمالية المصرية.
 وفي نفس الحقبة تأسست مجموعة من الجمعيات الأهلية كان من أبرزها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء التي ما زالت قائمة نشطة إلى يومنا هذا.
 في هذا السياق الذي شهد صحوة على كل الأصعدة في المجتمع المصري تأسس النادي الأهلي ليكون ناديًا وطنيًا، رغم وجود بعض الأجانب بين أعضائه، لكن فكرته الأساسية هي إنشاء نادي رياضي اجتماعي للمصريين في مواجهة نادي الجزيرة الذي كان ناديًا للأجانب، ومن هنا اتخذ النادي الأهلي اللون الأحمر شعارًا له، فقد كان علم مصر وقتها أحمر اللون.
 وبهذا المعنى كان النادي الأهلي جزءًا من المشروع الوطني الكبير الذي مهد الأرض للصحوة الكبرى التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وبلغت ذروتها بقيام ثورة 1919، وإذا كان نادي الجزيرة ناد للأجانب والنادي الأهلي ناد للأهالي ومن هنا أخذ أسمه، فإن النادي المصري الكبير الثاني "نادي الزمالك"، حاول أن يجمع بين الفئتين وحمل اسمه في مرحلته الأولى اسم "النادي المختلط"، ثم أصبح اسمه بعد ذلك نادي فاروق ورأسه حيدر باشا قائد الجيش، ثم تحول بعد 23 يوليو إلى نادي الزمالك وإن ظلت رئاسته في يد قيادة الجيش وأسرة حيدر باشا من خلال تولي المشير عبد الحكيم عامر رئاسته، ومن هنا فقد ظل النادي الأهلي مرتبطًا بالحركة الوطنية وبالشعب، وربما كان هذا سر جماهيريته الواسعة التي لا نظير لها.
 ولا شك في أن الاحتفال بالمئوية الأولى للنادي الأهلي والتي أوشكت فعالياتها على الانطلاق، سوف تكون على مستوى تاريخ هذا النادي الكبير باعتباره جزءًا من تاريخ الوطن.

الدستور 24 يناير 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق