الاثنين، 5 يونيو 2017

من ميريت إلى نفيسة المرادية ... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
من ميريت إلى نفيسة المرادية ...

عماد أبو غازي

 المرأة المصرية صاحبة تاريخ طويل ممتد عبر خمسة آلاف عام، كانت فيها شريكة للرجل في كل إنجازات حضارتنا، وربما لم تشهد حضارة من الحضارات القديمة مكانة متميزة للمرأة مثلما شهدت الحضارة المصرية القديمة، والتي امتدت تأثيرات قيمها الإيجابية عبر عصور التاريخ المصري.
 ولم تكن مكانة المرأة المصرية قاصرة على حقوقها الاجتماعية وما تمتعت به من وضع مميز في الأسرة، ولا على استقلالها الاقتصادي، بل امتد إلى دورها السياسي البارز.


 فعلى الصعيد السياسي وصلت المرأة منذ عصر الأسرات الأولى في التاريخ المصري القديم إلى أعلى المناصب السياسية، بما في ذلك تولي العرش، وربما كانت ميريت نيبت التي حكمت مصر في أواخر عصر الأسرة الأولى هي أقدم الملكات المعروفات لنا، ويذكر التاريخ لها أنها نجحت في تنظيم الدولة بعد فترة من الاضطراب، ومن الملكات اللاتي حكمن مصر كذلك: خنت كاوس، أم الملوك، التي حكمت البلاد في عصر الأسرة الخامسة حوالي سنة 2400 ق.م.، وتولى ثلاثة من أبنائها العرش، ونيت إقري أو نيتوكريس من ملكات الأسرة السادسة، وقد حكمت مصر لمدة اثنتي عشرة سنة، وسبك نفرو من الدولة الوسطى وتاوسرت من الأسرة التاسعة عشرة، في زمن الدولة الحديثة، لكن أشهر ملكات مصر الحديثة على الإطلاق هي حتشبسوت ابنة الملك تحتمس الأول، التي حكمت مصر فيما بين سنتي 1471 و 1456 ق.م. في عصر الأسرة الثامنة عشرة، وتميز عهدها بالرخاء والاستقرار، وحققت العديد من الإنجازات الحضارية، ودعمت نفوذ مصر الخارجي من خلال التجارة ونشر الثقافة في المحيط الإقليمي.
 وإلى جانب ملكات مصر المتوجات اللاتي حكمن البلاد منفردات أو شريكات في الحكم، فإن هناك الكثيرات من زوجات الفراعنة وأمهاتهم كانت لهن مكانة متميزة في التاريخ المصري، ومن أشهرهن: تي ونفرتيتي ونفرتاري.
 كذلك لعبت أمهات الملوك وزوجاتهم في مصر القديمة دورا بارزا في الكفاح ضد الغزاة والمعتدين، ويذكر التاريخ الدور الذي لعبته إياح حتب زوجة الملك سقنن رع في المقاومة ضد الهكسوس، حيث يسجل لوح حجري عثر عليه بمعبد الكرنك أعمالها الطولية، ويبين كيف كان ترعى الجيش، وتنتقل في ربوع البلاد لكسب التأييد لزوجها الملك المقاتل سقنن رع، ويكشف دورها في حشد الرأي العام المصري وراء المقاتلين، وقد تولت الحكم بعد استشهاد زوجها سقنن رع في المعركة، وقد ربت ابنيها كامس وأحمس على مبادئ الوطنية، وبثت فيهما روح الشجاعة وحب القتال من أجل تحرير الوطن، الذي تحقق بالفعل على يد ابنها أحمس وزوجته أحمس نفرتاري التي قدسها المصريون لدورها في مساندة زوجها بطل التحرير أحمس الأول، وقد استمر تقديس المصريين لها لما يزيد عن 600 سنة بعد رحيلها.
 ومن الجدير بالذكر أن رمز العرش في الحضارة المصرية القديمة كان يرتبط بإيزيت، أو إيزيس حيث يرمز لها دائما بكرسي العرش.
 وقد امتدت التقاليد المصرية التي تجيز للمرأة تولى حكم البلاد إلى عصور سادت فيها قيم ومفاهيم حضارات شعوب أخرى، كانت ترى المرأة أقل مستوى من الرجال، فعندما حكم البطالمة مصر حاولوا فرض النظرة الهلينية للمرأة والتي تضعها في مرتبة دنيا، لكن التقاليد المصرية الأصلية هي التي انتصرت وانتقلت إليهم مع نهاية عصرهم حيث تولت العرش كليوباترة السابعة.
 وفي القرن الثالث عشر الميلادي، أسست السلطانة شجر الدر، ذات الأصل الأرميني بعد أن شاركت في تحقيق النصر على لويس التاسع في المنصورة، دولة جديدة في التاريخ المصري هي دولة المماليك التي استمرت في حكم البلاد قرابة ثلاثة قرون، وإذا كانت تقاليد دولة الخلافة العباسية في ذلك الوقت لم تسمح باستمرار شجر الدر في كرسي السلطنة طويلا، إلا أن الدولة التي أسستها امرأة هي التي تصدت للأخطار التي عجزت دولة الخلافة العباسية عن التصدي لها، خاصة الخطر المغولي والخطر الصليبي، لقد عاشت دولة المماليك التي أسستها امرأة ثلاثة قرون وسقطت دولة الخلافة التي رفضت أن تحكم مصر امرأة.
 وطوال العصر الإسلامي في مصر برزت شخصيات نسائية لعبت دورا مهما في الحياة السياسية الاجتماعية مثل ست الملك شقيقة الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وخوند فاطمة الخاصبكية زوجة السلطان قايتباي التي عاشت في القرن الخامس عشر الميلادي، ونفيسة المرادية التي كانت جارية لعلي بك الكبير ثم تزوجها، وتزوجت من بعده مراد بك، وقد احتلت مكانة بارزة في المجتمع المصري لمواقفها السياسية المتعاطفة مع أبناء الشعب ضد عسف أمراء المماليك بمن فيهم زوجها مراد بك، ولما قامت به من أعمال خيرية، فضلا عن دورها في الحياة الفكرية والثقافية في ذلك العصر، ذلك الدور الذي يعد امتدادا للإسهام المتميز والواضح للمرأة المصرية عبر العصور في الحياة الثقافية والفكرية، ففي مصر القديمة نجد الكاهنات العابدات، والكاتبات والطبيبات المعالجات، كما أن العقيدة الشعبية تتمحور حول رمز نسائي هي إيزيت أو إيزيس التي تمثل نموذجا للمرأة المكافحة المجاهدة المخلصة والمُخلّصة، وفي العصر الهلينستي تبرز أسماء حكيمات وعالمات في الرياضيات والفلك من أبرزهن هيباتيا السكندرية، وفي العصر المسيحي تتصدر القديسات والشهيدات قائمة المدافعين عن العقيدة الجديدة في مواجهة الاضطهاد الديني الروماني.
 وفي العصر الإسلامي نبغت في مصر بعض النساء المسلمات احتضنتهن مصر من أبرزهن السيدة سكينة بنت الحسين التي تعد من أقدر متذوقات الشعر في زمنها، والسيدة نفيسة بنت الحسين بن زيد وقد بلغت منزلة عظيمة في علوم الحديث والاجتهاد والفقه الإسلامي، وغيرهن كثيرات.
 وللتاريخ بقية...

الدستور 13 ديسمبر 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق