الأحد، 11 يونيو 2017

الطريق إلى مجلس الأمن... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
الطريق إلى مجلس الأمن
عماد أبو غازي
 كانت السنوات السبع ما بين سقوط حكومة إسماعيل باشا صدقي بسبب الرفض الشعبي للاتفاقية التي وقعها بالأحرف الأولى مع أرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا وتوقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954 سنوات ساخنة مليئة بالحراك السياسي، فقضية الجلاء ووحدة وادي النيل (مصر والسودان) تتصدر الواجهة، وتشكل ركنًا محوريًا في الدعاية السياسية لكل الأحزاب والجماعات والتيارات السياسية، سواء تلك الأحزاب التقليدية التي ظهرت خلال النضال ضد المستعمر منذ بدايات القرن العشرين مثل الحزب الوطني، أو تلك التي ظهرت عقب ثورة 1919 وخرجت جميعها من عباءة الوفد المصري، بل حتى القوى السياسية التي تستند إلى منطلقات أيديولوجيا احتلت القضية الوطنية مكان الصادرة في دعايتها، وقد كان هذا أمرًا طبيعيًا في حركة استلهمت الفاشية والنازية مثل مصر الفتاة، لكن الأمر امتد كذلك إلى التنظيمات الشيوعية التي شغلت القضية الوطنية حيزًا كبيرًا من نشاطها ودعايتها السياسية رغم احتدام قضايا الطبقة العاملة والفلاحين في تلك الحقبة، وشمل الأمر أيضًا جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في مواجهة الحركة الوطنية، وظهرت أول ما ظهرت في مدينة الإسماعيلية في أحضان شركة قناة السويس، وظلت لسنوات تساند الملك في مواجهة الوفد الذي كان يقود الحركة الوطنية.

محمود فهمي النقراشي
 وكان طبيعيًا أن ينعكس هذا الوضع على الحركة الطلابية خاصة وأن جميع الأحزاب والتيارات السياسية كان لها وجودها الفاعل في صفوف الطلاب من خلال تشكيلات حزبية في الجامعات المصرية وفي معاهد الدراسة عمومًا، وقد كان هذا أمرًا مقبولًا ومستقرًا في ظل نظام التعددية الحزبية الحقيقية الذي عاشته مصر قبل انقلاب يوليو 1952، بل أن الأجنحة الطلابية للأحزاب كانت تفرض على القيادات الحزبية المواقف التي ينبغي أن تتخذها، ولعل انتفاضة 1935 الطلابية والتي تعرف بثورة الشباب خير مثال على قدرة الحركة الطلابية على فرض إرادتها على القيادات السياسية، وقد انتهت الانتفاضة بتشكيل جبهة وطنية من الأحزاب أسقطت دستور 1930 الذي انتهك به إسماعيل باشا صدقي الحقوق والحريات العامة وأعادت دستور الأمة ـ دستور 1923 وخاضت المفاوضات مع بريطانيا، وكانت هذه الأجنحة الطلابية مدارس لتخريج الكوادر السياسية الحزبية.
 لقد ارتبطت الحركة الطلابية منذ ميلادها في بدايات القرن العشرين بالنضال من أجل الاستقلال الوطني، فكانت القضية الوطنية دومًا عصب النضال الطلابي في مصر واستمرت المحرك الأساسي للطلاب لعقود طويلة، من هنا فقد كان من الطبيعي أن يشتعل الجدل في صفوف الطلاب وتموج الجامعات المصرية بالحركة عقب سقوط مشروع اتفاقية صدقي بيفن وسقوط حكومة صدقي نفسها، خاصة وأن رئيس الوزراء الجديد كان له تاريخ قريب من الصدام مع الطلاب، فقد تولى الوزارة مرة أخرى محمود فهمي النقراشي باشا الذي شكل وزارة ضمت "السعديين" و"الأحرار الدستوريين" فامتلكت بذلك الأغلبية البرلمانية،  وكان طرح القضية الوطنية في أوساط الحركة الطلابية المصرية أكثر سخونة وأكثر راديكالية حتى بين المجموعات الطلابية المنتمية للإتلاف الحاكم.
 وكان يوم 19 يناير 1947 مناسبة لتجديد النضال الطلابي فاليوم يوافق ذكرى توقيع اتفاقية السودان سنة 1899، وهي الاتفاقية التي أعطت حق حكم السودان لسلطة الاحتلال واعتبرها المصريون دوما اتفاقية باطلة، وقد قررت الأحزاب والقوى السياسية اعتبار ذلك اليوم يومًا للحداد الوطني، وكانت ضغوط الحركة الطلابية على الحكومة من أجل اتخاذ موقف تجاه التعنت البريطاني تتزايد يومًا بعد يوم.
 هذا رغم أن الأشهر الأولى لوزارة النقراشي شهدت جلاء الإنجليز عن المعسكرات والثكنات العسكرية التي كانوا يشغلونها في القاهرة والجيزة والإسكندرية وأخرها ثكنات قصر النيل التي غادروها في 29 مارس 1947 ورفع الملك العلم المصري عليها في احتفال كبير يوم 31 مارس أعقبه بإيفاد مندوبين عنه لوضع الزهور على ضريح مصطفى كامل وضريح سعد زغلول والنصب التذكاري لشهداء الجامعة في إشارة واضحة لأهمية الحركة الطلابية المصرية، وفي محاولة من الملك للتقرب إلى الحركة الوطنية المتصاعدة، تلك الحركة التي لم يكن يكفيها الجلاء عن هذا المعسكر أو ذاك، ولم تكن لترضى بأقل من الجلاء التام ووحدة وادي النيل.
 وكما يقول الدكتور عاصم محروس عبد المطلب في كتابه الذي صدر مؤخرًا عن مركز تاريخ مصر المعاصر بدار الكتب والوثائق القومية، والذي يتناول فيه "الطلبة والحركة الوطنية في مصر من 1922 إلى 1952، كان هناك طريقان لحل القضية المصرية سلمًا، إما تدويل القضية بعرضها على مجلس الأمن أو تسليم الحكم للوفد الحزب الأكثر ارتباطًا بالجماهير ليخوض مفاوضات يمكن أن يقبل الناس نتيجتها، أما النقراشي باشا فقد اختار منذ البداية طريق تدويل القضية الذي كان مطلبًا شعبيًا تجمع عليه معظم القوى الوطنية، ففي 25 يناير 1947 قرر مجلس الوزراء وقف المفاوضات مع الإنجليز وعرض قضية الجلاء عن وادي النيل على مجلس الأمن، وأبلغ النقراشي باشا القرار لمجلسي الشيوخ والنواب في بيان ألقاه في جلسة مشتركة للمجلسين عقدت يوم 27 يناير 1947.

الدستور 21 مارس 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق