الثلاثاء، 6 يونيو 2017

نهاية طاغية... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
نهاية طاغية
عماد أبو غازي

 لم ينقض هذا العام إلا وكان قد غادر دنيانا في الأيام الأخيرة منه، اثنان من أكثر حكام القرن العشرين استبدادًا وديكتاتورية، صعدا في السبعينيات من القرن الماضي، ولعب كل منهما دورًا مهمًا في خدمة مخططات الولايات المتحدة في منطقته، وانتهى بهما المطاف ملاحقين قانونيًا، لكن المسار والمصير اختلف بالنسبة لكل منهما.


 أولهما أوجستينو بينوشيه ديكتاتور شيلي الذي أعدم الآلاف وعذب عشرات الآلاف في سنوات حكمه منذ قام بانقلابه العسكري المدعوم أمريكيا ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيا سلفادور الليندي في 11 سبتمبر 1973، لتعيش شيلي قرابة العقدين في ظل حكم عسكري استبدادي مصحوب بالفساد، إلى أن اضطر في عام 1990 لترك الحكم للرئيس المنتخب ديمقراطيا مع احتفاظه بقيادة القوات المسلحة، ثم عضوية مجلس الشيوخ بعد تقاعده.


 والثاني صدام حسين ديكتاتور العراق الذي صعد إلى السلطة مع انقلاب حزب البعث ضد الرئيس غير المنتخب ديمقراطيًا عبد الرحمن عارف عام 1968، حيث ظل نائبا للرئيس أحمد حسن البكر حتى تقاعده في أواخر السبعينات، وبمجرد وصول صدام للرئاسة تخلص من منافسيه داخل حزب البعث بالإعدام وطوال سنوات حكمه أعدم وعذب عشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي عربا وأكرادا وتركمان، سنة وشيعة ومسيحيين، شيوعيين وبعثيين وليبراليين.
 رحل بينوشيه في العاشر من ديسمبر الماضي عن 91 عاما بعد رحلة مع المرض وبعد أن ظل مهددا بالملاحقة القانونية في عديد من الدول الأوروبية وفي شيلي نفسها مذ عام 2002 على الأقل بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في عصره، فعندما سافر الديكتاتور العجوز الذي بقي يتمتع بنفوذ هائل على الحياة السياسية في تشيلي إلى بريطانيا لإجراء فحوص طبية أعتقل بتفويض قضائي أصدره القاضي الأسباني بالتاسار جارسون، و بقي قيد الإقامة الجبرية لأكثر من سنة، قبل أن يتم إطلاق سراحه لأسباب طبية تبين فيما بعد أنها لم تكن دقيقة، عاد بعدها إلى شيلي، وترك مقعده كسيناتور، بعد قرار من المحكمة العليا بأنه يعاني من خرف الشيخوخة بصورة لا يمكن معها أن يُحاكم لأفعاله، وفي مايو 2004 حكمت محكمة تشيلي العُليا بناء على تصرفاته بقدرته على الصمود في محاكمة، وبدأت محاكمته في ديسمبر من العام نفسه لتهم تتعلق بحقوق الإنسان، وقد اعترف قبيل الأزمة الصحية التي انتهت بوفاته بمسئوليته الكاملة عما وقع في عهده دون أن يعتذر عنه!
 فجاء في رسالته التي قرأتها زوجته ونشرت في عدة صحف "إن استخدام عدة سبل للسيطرة العسكرية بما في ذلك الإعدام عن طريق المحاكم العسكرية كان ضروريًا."
وأكد الدكتاتور: "إن الصراعات الكبرى هي دوما كذلك، وستبقى كذلك، فهي تؤدي إلى الانتهاكات والمبالغات." وأضاف "وبكل صراحة يمكنني أن أقول أني فخور بكل ما قمت به لمنع اللينينية الماركسية من الاستحواذ على السلطة، إلا إنني كنت لأتوخى المزيد من الحكمة لو وضعت في نفس الموقف ثانية."  وقال بينوشيه إنه تصرف "بصرامة ولكن بمرونة أكبر مما يشهد له به أثناء حكمه الديكتاتوري."!!!
 رحل بينوشيه غير مأسوف عليه إلا من قلة قليلة استفادت من حكمه وعصره، لكن حظه كان أفضل من رفيق دربه.
 أما ديكتاتور العراق فقد سقط في أيدي قوات الاحتلال الأمريكي بعد أن قاد بلده إلى الدمار، وبدد ثرواتها في حروب إقليمية لخدمة المصالح الأمريكية ثم لخدمة جنونه وأطماعه، وكان طبيعيًا أن يقدم صدام حسين للمحاكمة لما ارتكبه من جرائم ضد الإنسانية، لكن المحكمة التي كان ينبغي أن تحاكمه هي المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم مجرمي الحرب ومن ارتكبوا جرائم التطهير العرقي.
 لكن لأن محكمة صدام تمت على يد خصومه السابقين بمنطق الانتقام والتشفي لا بمنطق إقرار العدالة، ولأن الكثيرين كان من مصلحتهم أن يصمت صدام قبل أن يكشف كل من دعموه وتواطؤا معه لسنوات، فقد صدر حكم الإعدام ونفذ سريعًا قبل أن تتم محاكمة صدام في القضايا الأكثر خطرًا من تلك التي أدين فيها، ودون تصديق رئيس الجمهورية جلال طلباني المعارض لعقوبة الإعدام من حيث المبدأ، واختار خصوم صدام فجر عيد الأضحى لشنق صدام وبث صور الإعدام عبر شاشات التلفزيون، ليصبح الديكتاتور القاتل "شهيدًا" و"بطلًا" و"رمزًا" بفضل غباء خصومه وروح الانتقام والتشفي التي تسيطر عليهم، وبفضل شعوب غاب وعيها واختلط الحق بالباطل في أعينها، فانطلقت مظاهرات التنديد من موريتانيا إلى العراق، وأقيمت سرادقات العزاء في أكثر من عاصمة عربية، وبعد مرور أسبوع بالتمام والكمال على تنفيذ حكم الإعدام شنقًا في صدام حسين، أسبوع من الاحتجاجات العربية، خرج علينا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ليؤكد على أن تنفيذ حكم الإعدام في الرئيس العراقي السابق صدام حسين، شأن عراقي داخلي، وأنذر المالكي بلهجة حادة الدول التي استنكرت الطريقة التي نفذ بها حكم الإعدام، بمراجعة علاقات بلده معها. وقال المالكي في خطاب ألقاه بمناسبة "يوم الجيش"، إن صدام حسين خضع لـ"محاكمة عادلة"، وإن إعدامه "يصب في مصلحة الوحدة الوطنية". وقال المالكي:"إن من شأن مثل هذه الانتقادات إثارة الفتنة، كما تعتبر تدخلا سافرا في شؤون العراق، ومسا بمشاعر أسر ضحايا النظام العراقي السابق".
 لقد ارتكب صدام جرائم لا حصر لها تستوجب محاكمته ومحاسبته، لكن عقوبة الإعدام في حد ذاتها جريمة ترتكبها الدول والمجتمعات التي ما زالت تطبقها، كما أن تطبيق هذه العقوبة الهمجية في يوم عيد جريمة أخرى.

الدستور 10 يناير 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق