الجمعة، 16 يونيو 2017

"هوامش على دفتر النكسة" مكرر... مع الاعتذار لنزار... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
"هوامش على دفتر النكسة" مكرر...
 مع الاعتذار لنزار
عماد أبو غازي
 هامش أول ... بحكم الصنعة والتخصص في الوثائق والتاريخ لفت انتباهي وأنا أتابع على شاشات الفضائيات الحرب الأهلية بين الفصائل الفلسطينية المسلحة مشهد تكرر من طرفي الحرب في كل من غزة والضفة الغربية، مشهد إحراق الوثائق والإلقاء بها من النوافذ، فمع الهجمات التي قامت بها ميلشيات حماس على مقار السلطة ومقار فتح في غزة، ورد فتح بالهجوم على المقار والهيئات التابعة لحماس في مدن الضفة الغربية، مع هذه الهجمات المتبادلة كان المهاجمون يحرقون الوثائق والأوراق التي يعثرون عليها ويدمرون أجهزة الكومبيوتر ويلقون بها من النوافذ.
 ولا أفهم لماذا هذا العداء للوثائق وعدم الاكتراث بالحفاظ عليها، بل ربما الحرص على تدميرها؟
 والغريب أنه في حالتنا تلك، حالة الصراع الفلسطيني الفلسطيني، يتم إعدام الوثائق رغم ما يمكن أن يكون في هذه الوثائق والمستندات من معلومات تفيد الطرف الذي يحرقها في صراعه!
 لكني سرعان ما تداركت، إن ما حدث ليس غريبًا علينا، مع إننا نملأ الدنيا صياحًا منذ قرابة 800 سنة عن تدمير المغول للكتب والوثائق، لكننا متفوقون عليهم  في هذا المضمار كمًا وكيفًا، فالمتابع لتاريخ العرب سيكتشف بسهولة أنه طوال التاريخ العربي وإلى يومنا هذا مارس الجميع حرق الكتب والوثائق والأفكار والبشر، ورغم معرفة الحضارة العربية الإسلامية للوثائق السياسية منذ الهجرة النبوية وتأسيس دولة المدينة، عندما وضع الرسول الوثيقة الشهيرة المعروفة بدستور المدينة ليحدد فيها العلاقة بين المهاجرين والأنصار وبينهم وبين اليهود المقيمين في المدينة، وبين مجمل سكان المدينة والقبائل المتحالفة معها، فكانت أول وثيقة سياسية للدولة الجديدة ثم أتبعها بوثيقة صلح الحديبية ورسائله للأباطرة والملوك والحكام يدعوهم فيها إلى الإسلام، ورغم معرفتها للدفاتر المالية التي تسجل موارد الدولة ومصروفاتها منذ عصر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في الواقعة الشهيرة المعروفة بتدوين الدواوين، ورغم معرفتها لنظم حفظ وثائق الدولة واسترجاعها منذ عصر الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية منذ إنشاء ديواني الرسائل والخاتم ، رغم كل هذا لا توجد لدينا وثائق تسجل الألف سنة الأولى من تاريخ الدول العربية الإسلامية، إلا القليل المتناثر هنا وهناك، لأننا جيل وراء جيل اعتدنا أن نحرق الكتب والوثائق، كل دولة تأتي تحرق ما تركه من قبلها، حتى فقدنا ذاكرتنا.
 هامش ثان... أفهم تماما أن يثور نواب جماعة الأخوان المسلمين وأنصارهم في الصحافة المصرية وعلى منابر المساجد ضد بيان الإدانة لجرائم حماس الذي صدر عن مجلس الشعب، وضد الموقف الرسمي المصري الذي أدان بوضوح حركة حماس وجرائمها، فالصلة بين الجماعتين وطيدة، فجماعتنا المسماة بالمحظورة صاحبة الريادة والسبق في الإرهاب باسم الدين، والحبل السُري بينها وبين حماس لم ينقطع، نفس المنهج ونفس المنطق الذي يهدر الوطن والوطنية ويعلي من قيم تقسيم البشر والأوطان على أساس الدين، نفس ظروف النشأة في أحضان القوى الاستعمارية من أجل تحقيق أهدافها في شق الحركة الوطنية، الإخوان أساتذة حماس، لكن التلاميذ تفوقوا على أساتذتهم، ونجحوا في تحقيق خطة إسرائيل التي صنعتهم في تقسيم ما بقى من فلسطين.
 هامش ثالث... لم أفهم منطق من بعض ينتمون إلى اليسار أو إلى التيار الليبرالي في دفاعهم عن جريمة حماس، أو مساواتهم بين أخطاء فتح وجرائم حماس، إن أخطاء فتح من النوع الذي اعتدنا عليه وأدمناه منذ بدأت المقاومة الفلسطينية، أما جرائم حماس فتشكل نقله نوعية في نكسات القضية الفلسطينية، إن ما حدث في غزة مثال لما يمكن أن يحدث في أي مكان يصل فيه المتطرفون دينيًا إلى الحكم، حتى لو كان وصولهم من خلال صندوق الانتخاب، فإنهم سرعان ما ينقلبون على الديمقراطية ليفرضوا سطوتهم على المجتمع كله، وينشئوا مليشياتهم المسلحة التي تفرض بالقوة فكرهم المتطرف، مثلما فعل النازيون في ألمانيا في الثلاثينات تكرر حماس التجربة، إن كل ما يشغلهم إقامة الإمارة الإسلامية في غزة ولتذهب فلسطين إلى الجحيم.
هامش أخير... لقد قال نزار قباني في رائعته هوامش على دفتر النكسة منذ أربعين عامًا بالتمام والكمال مخاطبًا جيلنا الذي كان في مرحلة الصبا الباكر:
نريد جيلًا غاضبًا...
نريد جيلًا يفلح الآفاق
وينكش التاريخ من جذوره...
وينكش الفكر من الأعماق
نريد جيلًا قادمًا...
مختلف الملامح...
لا يغفر الأخطاء.. لا يسامح..
لا ينحني...
لا يعرف النفاق...
نريد جيلًا..
رائدًا..
عملاق..
 يا أيها الأطفال...
من المحيط للخليج، أنتم سنابل الآمال
وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال
ويقتل الأفيون في رؤوسنا...
ويقتل الخيال...
أنتم بذور الخصب في حياتنا العقيمة
وأنتم الجيل الذي سيهزم الهزيمة...
 وللأسف بعد أربعين عامًا أصبحت الهزيمة هزائم والنكسة نكسات، لقد مكنا قوى الظلام والتخلف من عقولنا وهاهم يتقدمون ليملكوا رقابنا، وما زلنا ننتظر الجيل الذي سيهزم الهزيمة.

الدستور 27 يونيو 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق