الاثنين، 5 يونيو 2017

هدى شعراوي... والاتحاد النسائي المصري.. من أرشيف مقالاتي القديمة

 مخربشات

هدى شعراوي... والاتحاد النسائي المصري

عماد أبو غازي

 في 16 مارس 1923 تأسس الاتحاد النسائي المصري في ذكرى أول مظاهرة نسائية في ثورة 1919، اليوم الذي اتخذنا منه يوما للمرأة المصرية نحتفل به كل عام، وقد ارتبط هذا الحدث المهم في تاريخ الحركة النسائية المصرية بدعوة نساء مصر، مرة أخرى، للمشاركة في المؤتمر النسائي الدولي في روما، وبالفعل نجحت المرأة المصرية في الوصول إلى المؤتمر والمشاركة فيه تلك المرة، فقد سافر وفد الاتحاد النسائي المصري الذي ضم هدى شعراوي وسيزا نبراوي وريجينا خياط وإستر ويصا واصف.


 وكالعادة أثار سفر الوفد النسائي حفيظة المتشددين وبعض المعارضين لفكرة طرح قضايا المرآة في الخارج، إلا أن الوفد النسائي سافر إلى روما رغم أنف المعترضين تعبيرا عن اقتناع عدد كبير من الرائدات بضرورة مشاركة المرأة المصرية في المحافل الدولية لطرح قضايا المرأة وقضايا الوطن في تلك المحافل، ومن الجدير بالذكر أن ثقافة الوفد المشارك ومستوى علم عضواته حظي باحترام المشاركين والمشاركات في هذا المؤتمر، وشجع الجهات الدولية على التعامل بجدية مع قضايا المرأة المصرية، كما كان بداية لمواقف المساندة التي تبنتها الحركة النسائية العالمية لقضايانا العربية.
 وقد سجلت عودة الوفد النسائي المصري من روما حدثا تاريخيا مهما في حياة المرأة المصرية، فقد خلعت هدى شعراوي حجابها لأول مرة أمام الجموع المحتشدة لاستقبال الوفد في الميناء، وظهرت سافرة الوجه محدثة بذلك خطوة مهمة في تحرر المرأة من قيود التخلف، وقد حذت عضوات الوفد الأخريات والنساء المجتمعات في الميناء حذو هدى شعراوي.
 وبالمناسبة فإن المرأة المصرية لم تكن محجبة ولا محتجبة على الإطلاق عكس ما يردده البعض عن جهل بحقائق التاريخ أو تجاهل لها لغرض في نفوسهم، فالحجاب كان منتشرا فقط في أوساط الطبقات العليا بينما غالبية نساء مصر من بنات الريف كن سافرت يخرجن إلى العمل إلى جانب أزواجهن كتفا بكتف، والجلباب والطرحة الفلاحي لا علاقة لها إطلاقا بالحجاب الوهابي الوافد علينا مع غزو ثقافة الصحراء والبترودولار في السنوات الأخيرة.
 نعود مرة أخرى إلى الاتحاد النسائي الذي نجح عقب تأسيسه في تحقيق خطوات مهمة وإنجازات حضارية لصالح المرأة المصرية، كما نجح في تنظيم جهود الحركة النسائية من أجل إصلاح أوضاع المرأة، ومن أهم القضايا التي تصدى لها الاتحاد النسائي المصري، قضية تحديد سن الزواج، وقد نجح الاتحاد في إقناع الحكومة المصرية بإصدار تشريع بهذا الشأن، وتبنى الاتحاد أسلوب جمع التوقيعات على العرائض لتحقيق الأهداف التي ناضلت من أجلها المرأة المصرية، ذلك الأسلوب الذي كان قد صار أسلوبا أساسيا في العمل السياسي في مصر منذ حملة التوكيلات للوفد المصري، ومن القضايا التي تبناها الاتحاد: الحد من تعدد الزوجات، والحد من الطلاق دون مبرر، وحماية الزوجات من بيت الطاعة، وإطالة فترة حضانة الأم لأطفالها، وإذا كان الاتحاد لم ينجح في تحقيق كل هذه المطالب، إلا أنه نجح في تكوين رأي عام تبنى هذه القضايا، وتم إنجاز الكثير منها في النصف الثاني من القرن العشرين.
 هذا فضلا عن تبني الاتحاد المطالبة بالحقوق السياسية الكاملة للمرأة وفي مقدمتها حقوق الانتخاب والترشيح في المجالس النيابية، وقد بدأ هذا النشاط بعد عام واحد من تأسيس الاتحاد عندما صدر بيان مشترك بين اللجنة التحضيرية للسيدات الوفديات والاتحاد النسائي المصري تضمن المطالبة بمساواة الرجال والنساء في الحقوق السياسية.
  وعلى الصعيد السياسي أيضا تبنى الاتحاد النسائي المصري بقيادة هدى شعراوي مواقف جذرية في قضايا الاستقلال الوطني والديمقراطية، وقد كانت مواقفة تلك من أسباب الخلاف بين الاتحاد النسائي المصري وحزب الوفد، فقد وقف الاتحاد ضد معاهدة 1936 التي وقعتها حكومة مصر برئاسة النحاس باشا رئيس الوفد المصري، لأن الاتحاد رأى فيها استقلالا منقوصا للبلاد.
 وعربيا تبنت هدى شعراوي من خلال الاتحاد الدعوة لأول مؤتمر نسائي عربي عقد في القاهرة خريف سنة 1938 لمناصرة الثورة الشعبية في فلسطين، وسمي المؤتمر مؤتمر نساء الشرق، وفي عام 1944 دعا الاتحاد النسائي المصري إلى اجتماع آخر في القاهرة أسفر عن تأسيس الاتحاد النسائي العربي بحضور ممثلات لست دول عربية: مصر والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن. وقد تولت هدى شعراوي رئاسة الاتحاد المصري والاتحاد العربي حتى وفاتها في 12 ديسمبر 1947. وقد استمر الاتحاد في نشاطه بعد وفاة هدى شعراوي إلى ما بعد انقلاب يوليو 52 حيث تم تعقيم الاتحاد مثل غيره من منظمات المجتمع المدني و"تأميم" نشاطها، إذا كانت المرأة المصرية قد حصلت بالفعل على حقوق كثيرة في ظل نظام يوليو في مقدمتها حق الترشيح والانتخاب وتولي الوزارة فقد فقدت استقلالها التنظيمي، وهذه قصة أخرى.
 رحم الله هدى شعراوي ورحم أيامها التي نتحسر عليها اليوم، إن ما قامت به هدى شعراوي كان امتدادا لقيم ومبادئ كانت راسخة في المجتمع المصري وحجبتها قرون الحكم الأجنبي، وتاريخ هدى شعراوي مجرد بضع صفحات من تاريخ المرآة المصرية الحديث الذي تحاول قوى التخلف التي تحمل رياح الوهابية الجهولة حجبها وتحجيبها.

الدستور 29 نوفمبر 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق