السبت، 10 يونيو 2017

21 فبراير يوما لكفاح الطلاب ضد الاستعمار... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
21 فبراير يوما لكفاح الطلاب ضد الاستعمار
عماد أبو غازي
 مر الأسبوع الماضي يوم 21 فبراير دون أن يتذكره أحد، رغم ما لهذا اليوم من أهمية في تاريخنا الحديث عامة وفي تاريخ حركتنا الطلابية على وجه الخصوص، كما مرت في العام الماضي الذكرى الستين لهذه المناسبة دون أن نحتفي بها بما يلائم قدرها، ولم أنتبه إلى أن هذه الذكرى مرت الأربعاء الماضي، إلا عندما أشارت بثينة كامل وهي تقدم فقرة الصحافة في برنامج "القاهرة اليوم" ليلة الأربعاء بدلًا من الكاتب الصحفي خيري رمضان إلى غياب أي إشارة في صحف 21 فبراير إلى هذا اليوم العظيم في تاريخنا، الذي أصبح يومًا عالميًا لكفاح الطلاب ضد الاستعمار إحياء لذكري شهداء المظاهرات الشعبية ضد الاحتلال البريطاني والتي قادها الطلاب في كل من مصر والهند وجنوب أفريقيا.
 ولهذا اليوم أحداث سبقته، وجذور بعيدة مهدت له، فمنذ مطلع القرن العشرين ولدت الحركة الطلابية المصرية واتخذت مسارين متجاورين ومتشابكين عادة، مسار الحركة المطلبية التي يسعى خلالها الطلاب لتعديل لوائح الدراسة ونظم التعليم، وأخرى سياسية ذات أبعاد وطنية وديمقراطية تطالب بالجلاء والدستور، ومع اندلاع ثورة 1919 لعب الطلاب دورا متعاظما في النضال الوطني وفي الدفاع عن الحريات العامة والحفاظ على دستور 23، وأصبح الطلاب مع الاتحاد النسائي أكثر فصائل الحركة الوطنية جذرية في المواقف السياسية.
 ومثلما تفجرت ثورة 1919 مع نهاية الحرب العالمية الأولى أعقب نهاية الحرب العالمية الثانية تصاعدًا في مطالبة الإنجليز بالجلاء التام عن البلاد، ومنح الاستقلال الكامل لمصر والسودان، وكانت فترة الحرب العالمية الثانية قد شهدت تحولات في الخريطة السياسية للأحزاب المصرية، فقد شهد حزب الوفد، حزب الأغلبية الذي يحظى بتأييد شعبي حقيقي، انقسامات جديدة مؤثرة بانشقاق مكرم عبيد باشا وتأسيسه لحزب الكتلة الوفدية، كما عرف الحزب استقطابا داخليا بين الجناح المحافظ الذي يعبر عن مصالح كبار الملاك، والجناح الداعي إلى إصلاحات اجتماعية واقتصادية، والذي سمي تيار الطليعة الوفدية، وكان يضم كثيرا من الطلبة الوفديين، ويقوده مفكرين ومثقفين من ذوي الميول اليسارية مثل الدكتور محمد مندور، وفي نفس الوقت تصاعد نفوذ الأحزاب والحركات الجديدة التي تستند إلى مرجعيات دينية أو فكرية، مثل: حركة الأخوان المسلمين ومصر الفتاة والتنظيمات الشيوعية المتعددة، وأصبح لهذه القوى الجديدة مع الطليعة الوفدية النفوذ الأكبر في وسط الحركة السياسية للطلاب.
 في هذه الأجواء بدأت الحكومة المصرية التي كان يرأسها محمود فهمي النقراشي باشا في اتخاذ خطوات نحو العودة بالبلاد للأوضاع الطبيعية، فأُلغيت الرقابة على الصحف وأُبيحت الاجتماعات العامة ومُنع الاعتقال في يونيو 1945، وفي أكتوبر ألغيت الأحكام العرفية تماما، رغم أن هذه الحكومة تولت الحكم عقب جريمة الاغتيال التي ارتكبها إرهابي شاب يدعى محمود العيسوي، راح ضحيتها رئيس  الوزراء الدكتور أحمد ماهر، يوم 24 فبراير 1945، وقد وقعت الجريمة بالبهو الفرعوني بالبرلمان عندما كان ماهر باشا متوجها من قاعة مجلس النواب إلى قاعة مجلس الشيوخ، وقد برر الإرهابي جريمته بأنها رد على قرار إعلان الحرب على ألمانيا! وكانت مصر قد وقفت على الحياد رسميا طوال سنوات الحرب، رغم أنها قدمت دعما كاملا لقوات الحلفاء، ورغم أن بعضا من أهم معارك الحرب دارت على أرضنا، وقد رأى أحمد ماهر وقتها محقا، أن إعلان الحرب في مصلحة مصر حيث يتيح لها أن تكون من بين الدول المؤسسة للأمم المتحدة.
  وفي يوم 22 سبتمبر 1945 أصدرت "الهيئة السياسية" بيانًا طالبت فيه بالجلاء ووحدة وادي النيل، وكان أحمد ماهر قد شكل تلك الهيئة عقب توليه رئاسة الوزرة للاسترشاد بها في الأمور المهمة، وكانت تتشكل من عدد من زعماء الأحزاب والساسة المستقلين، وقد جاء في البيان: "ترى الهيئة السياسية بإجماع الآراء أن حقوق مصر الوطنية كما أجمع عليها رأي الأمة وأعلنتها الحكومة هي جلاء القوات البريطانية وتحقيق مشيئة أهل وادي النيل في وحدة مصر والسودان، كما ترى الهيئة أن الوقت الحاضر هو أنسب الأوقات للعمل على تحقي أهداف البلاد القومية واتخاذ الوسائل لمفاوضة الحليفة للاتفاق على هذه الأسس، وترى الهيئة أن قيام التحالف على هذه الأسس يزيد ما بين البلدين من علاقات الصداقة والتعاون توثقا ومتانة".
 وفي اليوم التالي تبنت حكومة النقراشي بيان "الهيئة السياسية"، ورغم هدوء صيغة البيان وتأكيده على التحالف مع بريطانيا إلا أنه لم يلق استجابة من الجانب البريطاني، وبعد ثلاثة أشهر تقريبا، في أواخر ديسمبر 1945، سلم سفير مصر لدى بريطانيا عبد الفتاح عمرو، مذكرة إلى الخارجية البريطانية تطالب الحكومة البريطانية بالدخول في مفاوضات مع الحكومة المصرية لإعادة النظر في معاهدة 1936، التي كانت تحكم العلاقة بين البلدين، وتسمح بوجود قوات بريطانية وقواعد على أرض مصر.
 وبعد أكثر من شهر جاء الرد البريطاني سلبيا في 26 يناير 1946، كان الرد يؤكد على صلاحية معاهدة 36 للاستمرار، مع مماطلة واضحة في إمكانية تعديل بعض شروطها.
 ومن هذا الرد السلبي كانت البداية، البداية لواحدة من أهم حلقات النضال الطلابي الوطني في تاريخ مصر الحديث.

الدستور 28 فبراير 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق