الأحد، 4 يونيو 2017

هدى هانم... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
هدى هانم...
عماد أبو غازي
 هدى محمد سلطان، بنت محافظة المنيا، التي ولدت في عام  1879، في وقت كانت مصر تعيش في ظل صعود لحركة سياسة تطالب بالإصلاح السياسي والدستوري، بحق المشاركة في الحكم، وتتصدى في الوقت ذاته لتغول النفوذ الأجنبي في البلاد، نشأت في بيت منشغل بالسياسة، فقد كان أبوها واحدا من قادة الحركة الوطنية الصاعدة، فهي ابنة محمد باشا سلطان، الذي صاحب الثورة العربية منذ بدايتها، حتى أصبح من أبرز القادة المدنيين للثورة، وانتُخب رئيسا لبرلمان الثورة، لكنه اختلف مع العرابيين وأنقلب عليهم وانحاز إلى جانب الخديوي توفيق، عُرفت هدى محمد سلطان باسم هدى شعراوي نسبة إلى زوجها علي باشا شعراوي ثالث الثلاثة الذين توجهوا إلى دار المعتمد البريطاني يوم 13 نوفمبر سنة 1918 للمطالبة بإنهاء الأحكام العرفية والسماح لوفد مصري بالسفر إلى مؤتمر الصلح في باريس عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكانت حركة هؤلاء الثلاثة: سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي، الشرارة التي فجرت الأحداث التي انتهت بالثورة المصرية العظيمة، ثورة 1919.

  كانت هدى شعراوي واحدة من بناة نهضة مصر الحديثة، كما كانت حياتها نموذجا آخر من نماذج التمرد في تاريخنا المصري، كانت مشاركتها في العمل العام وفي الحياة المصرية حافلة بالموافق التي تحدت فيها التقاليد البالية في مجتمعنا، وأسهمت في التأسيس لقيم جديدة بديلة.
 كانت البداية الأولى لمشاركة هدى شعراوي في العمل العام وهي في العشرين من عمرها، عندما أسهمت في الجهود الأهلية لمقاومة الوباء الأصفر الذي اجتاح البلاد أواخر القرن التاسع عشر. بينما كان ظهورها البارز في مواجهة قيم التخلف والجمود في مجتمعنا وهي في الثلاثين وعلى وجه التحديد في عام 1909، بعد افتتاح الجامعة الأهلية المصرية بشهور قليلة، عندما قادت الحملة من أجل قسم نسائي في الجامعة، وقد تحركت في دعوتها تلك من خلال الجمعية الأدبية التي رأستها، وكللت حملتها بالنجاح ، فقد نجحت في تنظيم  محاضرات نسائية عامة في الجامعة المصرية ورئاستها، وكانت موجهة للمرأة المصرية والعربية ودارت حول قضية الحجاب، وبذلك فتحت أمام المرأة المصرية باب حضور الاجتماعات العامة مع الرجال، وانتزعت الاعتراف بإمكانية رئاسة المرأة المصرية لندوة عامة، ورغم أن نجاح هدى شعراوي كان نجاحا مؤقتا، لأن القسم النسائي في الجامعة توقف بعد فترة، إلا أنها سجلت ريادة في تحدي قيم فاسدة في المجتمع تحجب المرأة عن المشاركة في مختلف مجالات الحياة المصرية، كما أن محاولاتها تلك وجدت صداها بعد سنوات عندما تغيرت الظروف وفتحت الجامعة المصرية أبوابها أمام الفتيات المصريات ليلتحقن بكليات الجامعة المختلفة ويتخرجن عالمات وناقدات وطبيبات ومحاميات، وكل هذا بفضل تمرد هدى شعراوي ورائدات أخريات على واقع متخلف.
 لكن الدور الأكبر لهدى شعراوي بدأ مع ثورة 1919، فعندما اشتعلت الثورة كان لها دور القيادة السياسية في مشاركة المرأة في الثورة، وإذا كانت السيدة صفية زغلول (أم المصريين) قد تولت القيادة الروحية للحركة بحكم أنها زوجة زعيم الثورة، فإن القيادة الفعلية للحركة انعقدت منذ اليوم الأول لهدى شعراوي، التي أعادت بقيادتها للمظاهرة النسائية الأولى في ثورة 1919 والتي خرجت يوم الأحد 16 مارس تقاليد المرأة المصرية في مشاركة الرجل في النضال ضد المستعمر كتفا بكتف، وقد ردت مشاركة المرأة المصرية في الثورة للمصريات حقوقهن التي ضاعت، فعادت إلى الشارع كاشفة وجهها فاتحة صدرها للرصاص منهية إلى حين عصور الجمود والتخلف، وقد أدت المشاركة الإيجابية الفعالة للمرأة المصرية في الثورة إلى تغير جوهري في نظرة المجتمع إليها كما حققت هذه المشاركة مكاسب عديدة للمرأة في مصر، وأخرست كثيرا من الأصوات التقليدية المعادية للمرأة وحقوقها، وقد استقبل شاعر النيل حافظ إبراهيم المظاهرة النسائية بقصيدة جاء في مطلعها:
خرج الغواني يحتججن
                   ورحت أرقب جمعهن
فإذا بهن تخذن من
                  سود الثياب شعارهن
فطلعن مثل كواكب
                 يسطعن في وسط الدجنة
وأخذن يجتزن الطريق
                 ودار سعد قصدهن
يمشين في كنف الوقار
                 وقد أبن شعورهن
 وكنت مظاهرة 16 مارس نقطة انطلاق لحركة نسائية وطنية، وانبثق عنها تأسيس لجنة سيدات الوفد كأول تنظيم سياسي نسائي في مصر الحديثة، وقد شاركت هدى شعراوي في تأسيسها ولعبت دورا بارزا في قيادتها.
 وفي عام 1920 وجهت الدعوة لهدى شعراوي للمشاركة في المؤتمر النسائي الدولي كممثلة لمصر، فشكلت وفدا من لجنة سيدات الوفد تحت رئاستها للسفر إلى المؤتمر، لكن أزواج عضوات الوفد منعوهن من السفر!
 وتروي هدى شعراوي الواقعة قائلة: "رأيت وجوب تلبية الدعوة خدمة للمرأة المصرية، فأقنعت بعض الصديقات بالسفر إلى المؤتمر وأبرقت إلى أوروبا بذلك، ولكن الأزواج خذلونا في اللحظة الأخيرة ورفضوا بعد قبول، أن يسمحوا لزوجاتهم بالسفر، فتحطم أملي، واضطررت إلى إرسال برقية أعتذر فيها بمرض المندوبات بالحمى الإسبانيولية التي كانت منتشرة إذ ذاك، ولعلي أشكر للحمى وجودها الذي مكنني من تقديم عذر مقبول".
 لم تكن تلك نهاية القصة، فبعد ثلاث سنوات تمكنت هدى شعراوي وزميلاتها من السفر لكن بعد أن أسسن الاتحاد النسائي المصري، وتلك قصة أخرى.

 الدستور 22 نوفمبر 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق