الجمعة، 16 يونيو 2017

ذكريات في أربعين النكسة... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
ذكريات في أربعين النكسة...
عماد أبو غازي
 الأسبوع الماضي مرت أربعون سنة على حرب يونيو 1967، تلك الحرب التي أعادت رسم خريطة المنطقة العربية، بل ربما أسهمت في ميلاد العالم الجديد بدرجة كبيرة، الحرب التي ما زالت ظلالها الكئيبة جاثمة على حياتنا رغم مرور 40 سنة ورغم حرب أكتوبر 1973، التي عدلت الموازين، لكن الأمور لم تعد إلى ما كانت عليه قبل 67، وأظن أن جيلي ما زال يعاني آثار هذه الهزيمة إلى يومنا هذا.
 لم أكن أنوي أن أجتر الألم مرة أخرى رغم أننا في أربعين النكسة، لكن ملف "أخبار الأدب" حول هزيمة 67 دفعني دفعًا إلى الخوض في الموضوع، ثم كانت مناقشة مع جاري وصديقي و"ضميري" فيما أكتب محمد حاكم لتضعني أمام هذا الماضي الحاضر دائمًا، فقد ألح عليّ حاكم أن أكتب ذكرياتي عن يونيو 67، التي طالما رويتها له مرارًا وتكرارًا، وأكد لي أن كتابة شهادات من المعاصرين باختلاف أعمارهم ومواقعهم من الحدث ورؤيتهم له سيقدم مادة مهمة لمن سيؤرخون في يوم من الأيام للحدث، خاصة في ظل غياب الوثائق الرسمية المحجوبة رغم مرور تلك السنوات الأربعين، بل حتى في حالة وجود هذه الوثائق ستظل لشهادات الناس العاديين أهميتها، فأقنعني حاكم بما يملك من قدرة على الإقناع، فتوكلت على الله وكتبت.


 توقفت، سئلت نفسي، بعد أربعين سنة ما الذي تبقى في الذاكرة عن تلك الأيام؟
 أتذكر تمامًا يوم 14 مايو 1967، كان اليوم الأخير في امتحانات أولى إعدادي في مدرستي، خرجت من المدرسة مع بعض الأصدقاء وقررنا أن نحتفل بنهاية العام الدراسي وبداية الأجازة بطريقة مختلفة، كنا نسكن في ضاحية المعادي حيث الدراجات وسيلة الانتقال الأساسية، أخذنا دراجاتنا و"نزلنا مصر"، يعني توجهنا إلى القاهرة بلغة أهل المعادي وحلوان، وعلى كورنيش المعادي ذهابًا وعودة شاهدنا قوافل من السيارات العسكرية المحملة بالجنود تتحرك في اتجاه القاهرة، ورغم اهتمامي المبكر بمتابعة السياسة، إلا أن فترة الامتحانات عزلتني عن متابعة ما يجرى، بعد الظهر عندما عدت إلى المنزل، عرفت من أبي، وكان يومها عيد ميلاده، حقيقة تلك التحركات، هناك أزمة في الأفق بين مصر "لا مؤخذه" بين الجمهورية العربية "المتحدة" وإسرائيل، فاسم مصر كان من الممنوعات، فلو قلت مصر تبقى رجعي تنتمي للعصر البائد ومعادي للقومية العربية.
 أذكر أنني انتقلت في اليوم التالي للإقامة في بيت جدتي بحي المنيل الذي يموج بالحياة لأقيم هناك حتى يوم 6 يونيو، كي لا أعطل أخي الأكبر مختار عن المذاكرة فقد كان في الإعدادية، وكانت الامتحانات مقررًا لها أن تنتهي يوم 5 يونيو.
 في بيت جدتي الذي ينتمي سياسيًا وفكريًا للعصر الليبرالي عشت الأسابيع السابقة على النكسة، جو مختلف عن الأجواء السائدة في مصر الآذان تتنقل بين البرنامج العام وصوت العرب من ناحية والبي بي سي وصوت أمريكا الخاضعتين للتشويش من ناحية أخرى، والتلفزيون المصري من ناحية ثالثة، الصورة بأبعادها المختلفة تتضح أمامي، احتمالات وقوع الكارثة تقترب يومًا بعد يوم، وتيرة الأغاني الحماسية تتصاعد، فايدة كامل، عبد الحليم حافظ، شادية، أم كلثوم، المجموعة، وكما سمعت من الإذاعي الكبير وجدي الحكيم في برنامج القاهرة اليوم الأسبوع الماضي، أن القيادة السياسية كانت ترى أن الأغاني ما زالت أقل من المستوى المطلوب، ووصل الأمر إلى حد أن تستمع القيادة السياسية لبعض الأغنيات قبل إجازة إذاعتها، وبعد ذلك ننتظر النصر!!! فكما قال نزار قباني:
بالناي والمزمار..
لا يحدث انتصار
 صحوت صبيحة الاثنين 5 يونيو 1967 على صوت أحمد سعيد وهو يعلن نبأ إسقاطنا لتسعين طيارة، وشارع المنيل يهلل ويهتف، شباب المنظمة، منظمة الشباب، من أبناء المنيل في الشوارع متطوعين في الدفاع المدني، وكان الشارع قبلها بأيام ملئ باللافتات التي تبشر بالدخول إلى تل أبيب، والدمى المعلقة في الشوارع التي تمثل قادة إسرائيل، بعد الظهر كانت أمامي روايتان، الرواية المصرية التي تتحدث عن الطائرات التي أسقطناها والقوات التي تتقدم خلف خطوط العدو، والرواية الأخرى التي تتحدث عن تدمير الطائرات المصرية في مطاراتها، وتقدم القوات الإسرائيلية في سيناء.
 بعد ظهر الثلاثاء 6 يونيو عدت إلى منزلنا في المعادي، كانت شوارع الحي الهادئ بعيدة تمامًا عن أجواء المعركة، اكتشفت أن أخي الأكبر انضم إلى الدفاع المدني.
 يوم الخميس 8 يونيو كانت الصورة تتضح تدريجيًا لدى الصف الثاني والثالث من المسئولين في الدولة، بدأ أبي وكان وقتها وكيلًا لوزارة الخزانة، كما كانت تسمى وقتها، يمهد لنا الأمر.
 ويوم الجمعة ونحن في طريقنا إلى مسجد فاروق بالمعادي التقينا ببعض أصدقائه الكل يلف ويدور حول الحقيقة المرة دون أن ينطق بها أحد، إلى أن جاء المساء وألقى عبد الناصر خطابه الشهير بخطاب التنحي، أتذكر تمامًا أنه بمجرد انتهاء الخطاب ومع غروب شمس 9 يونيو ومضت السماء بطلقات المدفعية المضادة للطائرات، التي لم نسمع صوتها طوال أيام الحرب، ما أذكره أيضًا أنني انفجرت فجأة في بكاء حار لا أعرف على وجه الدقة سببه إلى اليوم، فقد كنت متأكدًا من الهزيمة منذ اليوم الأول ومتابعًا لأخبارها من المحطات الأجنبية، فهل صعب عليا عبد الناصر الذي لم أكن أحبه؟ أم هل كان السبب إعلان الهزيمة رسميًا؟ أم كان لدي أمل أن ما تذيعه إذاعات العالم غير حقيقي؟

https://youtu.be/xBxZ7h6u7Dk

لا أعرف.

الدستور 13 يونيو 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق