السبت، 17 يونيو 2017

مؤرخ الحركة الوطنية... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
مؤرخ الحركة الوطنية
عماد أبو غازي
 في عام 1968 صدر عن دار الكاتب العربي للطباعة والنشر كتابًا يحمل عنوان "تطور الحركة الوطنية في مصر من سنة 1918 إلى سنة 1936"، من تأليف باحث واعد كان في الأربعين من عمره وقتها، فقد ولد في 18 أبريل سنة 1928، إنه عبد العظيم محمد إبراهيم رمضان، هكذا ظهر اسمه على غلاف عمله الأول، كان هذا الكتاب تدشينًا لعبد العظيم رمضان مؤرخًا للحركة الوطنية المصرية بجداره.


 كان الكتاب في الأصل الرسالة التي حصل بها رمضان على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1964، تحت إشراف أستاذه المؤرخ الكبير محمد أنيس، وقد ناقشت الرسالة لجنة مكونة من ثلاثة من كبار المؤرخين المصريين هم أحمد الحتة وأحمد عبد الرحيم مصطفى ومحمد أنيس.
 كان الكتاب في وقته نقلة في التأريخ للحركة الوطنية المصرية، وما زال إلى الآن المرجع الأكثر أهمية في هذا المجال، فالكتاب أول دراسة أكاديمية تتناول تاريخ الحركة الوطنية المصرية في مرحلة من أهم مراحلها، مرحلة السنوات الأولى من الحقبة الليبرالية في تاريخنا المصري، وقد بدأت الدراسة مع الثورة المصرية الكبرى ثورة 1919، وانتهت مع معاهدة 1936 التي كانت نتيجة من نتائج ثورة الشباب سنة 1935.
 وكانت الدراسات السابقة على رسالة عبد العظيم رمضان، إما دراسات أكاديمية تتناول تأسيس الدولة الحديثة في مصر وصراعاتها مع القوى الاستعمارية، مثل أعمال محمد صبري السوربوني، أو تتناول القضية المصرية من زاوية المفاوضات مع المحتل البريطاني مثل أعمال محمد شفيق غربال، أو محاولات لكتابة تاريخ الحركة الوطنية المصرية من منطلقات حزبية أو أيديولوجية مثل أعمال عبد الرحمن الرافعي المنتمي إلى الحزب الوطني (حزب مصطفى كامل) وشهدي عطية الشافعي وفوزي جرجس المنتميان إلى الحركة الشيوعية المصرية.
 وقد أكمل الدكتور عبد العظيم رمضان دراسته لتاريخ الحركة الوطنية المصرية من خلال رسالته للدكتوراه التي تناول فيها الفترة من عام 1937 إلى عام 1948، وقد انتهى منها في عام 1970، ونشرت فيما بعد في جزءين.
  وقد مثلت الدراسة التي قام بها الدكتور عبد العظيم رمضان رد اعتبار للمرحلة الليبرالية من تاريخنا وللنضال الوطني الذي قادته أحزاب وطنية مصرية في عصر كانت المرحلة الليبرالية توصف فيه بـ "العصر البائد"، وكانت الأحزاب تعامل باعتبارها "رجس من عمل الشيطان". وجاء نشرها في أعقاب هزيمة 1967 في سياق محاولات إعادة الثقة للشعب في قدراته.
 لقد اطلعت على الكتاب للمرة الأول في سنة 1974 وأنا طالب في السنة الثانية بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، ومنذ قرأت الكتاب شدني إليه وإلى صاحبه بقوة، وأخذت أتتبع مؤلفات الدكتور عبد العظيم رمضان لسنوات، وتوقفت عند بعض من هذه المؤلفات التي شكلت في مجملها رؤية متكاملة لمؤرخ مصري لتاريخ الحركة الوطنية، ومن أهمها: "الصراع الاجتماعي والسياسي في مصر من ثورة يوليو إلى أزمة مارس1954"، (1975)، و"عبد الناصر وأزمة مارس" ( 1976)،  وقد حمل الكتابان طرحًا جديدًا وجريئًا لمجريات الصراع السياسي في مصر منذ انقلاب يوليو 52 حتى انقلاب الانقلاب على الديمقراطية سنة 54، وللخلفيات الاجتماعية لهذا الصراع، ومن هذه المؤلفات أيضًا "الجيش المصرى في السياسة" (1977)، و"صراع  الطبقات في مصر"(1978)، و"الصراع بين الوفد والعرش" (1979)، و"الفكر الثورى في مصر قبل ثورة 23 يوليو" (1981)، هذا فضلًا عن الكتاب الذي ترجمه عن الإنجليزية "تاريخ النهب الاستعماري لمصر ( 1798- 1882)" من تأليف جون مارلو.
 وفي الثمانينيات من القرن الماضي أطلق عبد العظيم رمضان مشروعًا علميًا مهمًا عندما بدأ تحقيق مذكرات الزعيم سعد زغلول المحفوظة بدار الوثائق القومية بالقاهرة، والتي بدأ في إصدارها منذ عام 1987، وصدرت عن مركز بحوث تاريخ مصر المعاصر التابع لدار الكتب والوثائق القومية، وكان تحقيق هذه المذكرات إضافة مهمة للمكتبة التاريخية في مصر طال انتظارها، بعد أن لفت انتباه الباحثين إليها الدكتور عبد الخالق لاشين الذي درسها في رسالته قبلها بسنوات، ومذكرات سعد زغلول من أكثر مذكرات الساسة والزعماء المصريين قيمة وأهمية، لأن صاحبها زعيم أكبر ثورة شعبية في تاريخنا الحديث كان يكتبها في حينها، وليست ذكريات دونها بعد الأحداث بسنوات.
 وخلال السنوات العشرين الأخيرة تبنى عبد العظيم رمضان إصدار سلسلة تاريخ المصريين من الهيئة المصرية العامة للكتاب، والتي جمع فيها بين إعادة نشر الكتب المرجعية لكبار المؤرخين المصريين والأجانب في مجال تاريخ مصر عبر العصور والتي نفدت منذ سنوات، ونشر مؤلفات كبار أساتذة التاريخ المعاصرين، بالإضافة  إلى نشر عشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه التي أنتجها شباب الباحثين في الجامعات المصرية وتتناول تاريخ مصر، سائرا في ذلك على نهج أستاذه محمد أنيس الذي ساعده في نشر رسالته للماجستير، ليسري بذلك المكتبة التاريخية المصرية.
 لقد قال عبد العظيم رمضان في كلمات الإهداء لكتابه الأول: "طوال السنوات الست الطويلة التي استغرقها إعداد هذه الرسالة 1958 – 1964 لم يكن الدكتور محمد أنيس أستاذًا ومعلمًا فحسب، بل كان هاديًا ومرشدًا ورفيقًا كبيرًا. ولم يكن صاحب هذه الرسالة، للدكتور محمد أنيس، تلميذًا فحسب، بل كان متأثرًا مؤتمًا.. بل كان مريدًا." ووفاء لذكرى محمد أنيس كان كتابه صفحات مطوية من تاريخ الزعيم مصطفى كامل من أوائل ما أصدره عبد العظيم رمضان في سلسلة تاريخ المصريين بعد رحيل أستاذه.

الدستور 11 يوليو 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق