الجمعة، 16 يونيو 2017

النكسة موديل 2007... دولتان لشعب واحد! من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
النكسة موديل 2007... دولتان لشعب واحد!
عماد أبو غازي
 هل هناك أي معنى لاستمرار الحديث عن أربعين نكسة ونحن نعيش هذه الأيام نكسة أكبر وأعمق وأشد إيلامًا للنفس؟ إذا كانت نكسة 67 قد أضاعت بقية فلسطين وأراضي مصرية وسورية وأردنية ولبنانية، ما زال بعضها ضائعًا إلى الآن، فإن النكسة الأكبر نعيشها الآن على أيدي عصابات التيار الإسلامي في فلسطين حماس تقسم الوطن، وفي لبنان "فتح الإسلام" تمارس البلطجة السياسية والعسكرية، وفي العراق لم يكفهم القتل على الهوية فقرروا اغتيال الموتى في مراقدهم بنسف المساجد والأضرحة على من فيها، النكسة التي سوف تضيّع ما بقي من عقل الشعوب العربية وروحها إذا كان هناك بقية منها أصلًا.
 في اليوبيل الفضي لنكسة يونيو 67 وفي يوم 5 يونيو 1982 على وجه التحديد، اجتاحت إسرائيل لبنان ووصلت إلى العاصمة بيروت لتقتلع المقاومة الفلسطينية من لبنان، ولتنتقل منظمة التحرير إلى تونس، ورغم قسوة دخول القوات الإسرائيلية لعاصمة عربية، وخروج قيادات المنظمة من لبنان واحتلال مساحة أكبر من الجنوب اللبناني، إلا أن  يونيو 82 كان مختلفًا عن  يونيو 67، يومها قاوم اللبنانيون والفلسطينيون العدوان مقاومة شعبية شرسة، وتفجرت حركات التضامن والمناصرة للشعبين اللبناني والفلسطيني بطول العالم العربي وعرضه، ونجحت المقاومة اللبنانية التي تفجرت بقيادة اليسار اللبناني في إجبار إسرائيل على الانسحاب إلى الجنوب اللبناني، كما أسقطت المعاهدة التي وقعها الرئيس اللبناني بشير الجُميل وقتها مع إسرائيل، يومها ملكت الشعوب العربية جزأ من مقدراتها بيدها.
 أما اليوم في يونيو 2007، مع أربعين نكسة يونيو 67، فقد تبدل الحال، لقد حققنا تطورًا مذهلًا، ووصلت "المقاومة الفلسطينية" إلى الاكتفاء الذاتي، لم تعد إسرائيل في حاجة لأن تعتدي على الفلسطينيين، لم تعد في حاجة إلى تتبع قادة الكتائب واغتيالهم، لم تعد في حاجة إلى تقسيم الكيان الصغير للشعب الفلسطيني إلى كيانين، واحد في غزة والأخر في الضفة، لقد قام الأخوة الأعداء بالمطلوب، قتلوا وجرحوا أكثر من 200 فلسطيني في أقل من أسبوع، تولوا بأنفسهم تصفية بعضهم البعض، فكتائب القسام تعدم قادة كتائب الأقصى، وكتائب الأقصى تعدم قادة كتائب القسام، لقد قسموا بقية "الوطن" الباقية قبل أن يصبح "وطن"، مرة باسم الله، مرة باسم القضية، مرة باسم الوطن، مرات ومرات باسم الشرعية، التي يدعي كل منهم أنه صاحبها، عصابات تتقاتل على جثة شعب، وأطل علينا عبر شاشات التلفزيون متنطع يتحدث باسم حركة حماس ليبشرنا بأن استيلاء ميلشيات حماس على مقار الأجهزة الأمنية في قطاع غزة يماثل فتح مكة!
  رئيس السلطة الوطنية يعلن حالة الطوارئ بعد فوات الأوان وبعد أن أصبح عاجزًا عن تطبيقها في غزة معقل الانقلاب كما يسميه، ورئيس وزراء بائس مرتبك متلجلج لا يعرف ما يقرأ رغم قدراته المنفلوطية التي ظهرت في خطبه التي ظل يمطرنا بها بعد صلاة كل جمعة عبر قناة الجزيرة منذ تولى رئاسة الحكومة، فيبدو أنه لم يكتب هذه المرة بيانه ولا يعرف ما فيه.
 هاهي اليوم حماس في نكسة 2007 تحقق أهداف إسرائيل كما لم يتصورها أحد ممن خدعوا بادعاءات حماس، أو حتى من أولئك الذين يعرفون تاريخ حماس وأصلها وفصلها، بل ولا حتى إسرائيل التي صنعت حماس لتضرب بها الانتفاضة الأولى في فلسطين التي قادها أبو جهاد، عندما اشتعلت الحركة الوطنية في فلسطين في مطلع الثمانينات واجهتها إسرائيل بالحرب على لبنان، وعندما انفجرت الانتفاضة الأولى وتزايد تعاطف العالم شرقًا وغربًا معها، سعت إسرائيل إلى كسرها من خلال حركة حماس، التي حرفت النضال الوطني الفلسطيني عن طريقه كنضال وطني وديمقراطي يجمع كل أبناء فلسطين بغض النظر عن دينهم، إلى نضال ديني، من نضال يسعى إلى تحقيق هدف نهائي يتمثل في إقامة دولة ديمقراطية علمانية يعيش فيها مسلمون ومسيحيون ويهود، أصبح النضال من أجل دولة دينية جديدة، كيان عنصري آخر لا يختلف عن إسرائيل إلا في الهوية الدينية، لقد صنعت إسرائيل حركة "عنصرية" فلسطينية، علشان ما يبقاش حد أحسن من حد.
 لقد صنعت إسرائيل حماس والحركة الإسلامية في أراضي 48 مثلما صنعت شركة قناة السويس وسلطات الاحتلال الإخوان المسلمين في مصر لضرب الحركة الوطنية بقيادة الوفد وشق صفوفها، ومثلما صنعت الولايات المتحدة خميرة تنظيم القاعدة أثناء الحرب ضد النظام الموالي للاتحاد السوفيتي في أفغانستان وضد القوات السوفيتية هناك، ولا أظن تجربة من تلك التجارب الثلاثة نجحت مثلما نجحت تجربة إسرائيل مع حماس.
 لقد وصلت حماس إلى السلطة فكان إنجازها الأكبر إشعال الحرب الأهلية وتقسيم القسم المقسم الباقي من فلسطين، وللحق كان لها إنجازًا آخر مهم تمثل في مصادرة كتاب "احكي يا طير" الذي يجمع التراث الشعبي الفلسطيني لإحراقه، "لإن فيه كلام أبيح"، هل هناك قبح و"أباحه" أكثر مما تفعله حماس، ثم فيها إيه لما يحرقوا كتاب إذا كانوا قد أحرقوا وطنًا.

الدستور 20 يونيو 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق