الأربعاء، 28 يونيو 2017

صدقي يحارب سعد حيًا وميتًا... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
صدقي يحارب سعد حيًا وميتًا
عماد أبو غازي
 كانت معركة الحكومة ضد تمثالي سعد طويلة، في البداية قررت نقل تمثال القاهرة من المكان المقرر لإقامته، ميدان قصر النيل، إلى الضفة الأخرى من النيل، إلى ميدان الجزيرة، المكان الذي يقف فيه التمثال الآن شامخًا، وتقرر أن يقام في ميدان التحرير تمثالًا للخديوي إسماعيل، لم يقم أبدًا كأن اللعنة قد حلت على هذا المكان، أقيمت القاعدة الجرانيتية لتمثال إسماعيل لكنها ظلت خالية إلى أن تم فكها مطلع الثمانينيات عندما بدأ العمل في الخط الأول لمترو أنفاق القاهرة ولم تعد إلى مكانها، وهي القاعدة التي كتب عنها أمل دنقل رائعته "الكعكة الحجرية" تحية لانتفاضة الطلبة في يناير 1972، والتي اعتصم فيها الطلاب في ميدان التحرير.
 قبل مختار مرغمًا قرار نقل موضع التمثال، فكانت الخطوة التالية من جانب الحكومة لتعطيل العمل في التمثالين صدور أمر بوقف العمل بحجة تزيين الميادين العامة في القاهرة والإسكندرية والمدن المصرية الكبرى احتفالًا بعيد جلوس الملك، لكن الزينات مهما طال بقاؤها في الميادين سيأتي وقت وترفع، فبدأت الحكومة تبحث عن خطة جديدة.
 وجاء القرار، يعطل العمل في التمثالين لإعادة دراسة المشروع من الناحية الفنية، رغم أن العقد المبرم بين مختار والحكومة كان ينص على عدم إجراء أي تعديل فيما تم الاتفاق عليه، وعندما سئل رئيس الحكومة عن الأسباب التي دعته لتعطيل العمل في التمثالين أجاب قائلًا: "لقد كان رأيي تأجيل المشروع حتى يتاح دراسة رسوم التمثال من جديد، وإدخال التعديلات اللازمة خاصة ما يتعلق منها بالارتفاع، إن ارتفاع كلا التمثالين وفقًا للتصميمات يصل إلى 20 مترًا وهو ارتفاع لا نظير له في العالم إلا في تمثال نابليون بباريس وبسمارك بهامبورج ونلسون بلندن، وينبغي أن نلاحظ أن تمثال سعد بالإسكندرية سيكون قريبًا من تمثال محمد علي الذي لا يتجاوز ارتفاعه سبعة أو ثمانية أمتار، وليس من اللياقة أو الجمال أن يتجاوز ارتفاع تمثال سعد تمثال رب الأسرة العلوية".
 ولو كانت هذه الأزمة قد وقعت في أيامنا هذه لنجحت الحكومة في حلها جذريًا ببساطة، من خلال فتوى دينية من أحد كبار المشايخ بتحريم النحت من أساسه، "ويا دار ما دخلك شر"؛ لكن من حظنا أن الأزمة وقعت في زمن كانت قيم الدولة المدينة تحترم فيه، وكان المشايخ يعرفون حدودهم، وكان الذين يحاولون خلط الدين بالسياسة يجدون من يتصدى لهم من الساسة ويوقفهم في أماكنهم.
 نعود لتصريحات رئيس الحكومة، لم يكن المقصود بالطبع تعديل الجوانب الفنية في التمثالين بل عرقلة مشروعات تخليد الزعيم سعد زغلول بأية وسيلة، فماذا كان رد فعل الرأي العام المصري وقتها، كان الأمر واضحًا وضوح الشمس أمام الرأي العام، وتناولت الصحف الوطنية موقف حكومة إسماعيل صدقي بالهجوم في حدود ما كانت تسمح به ظروف الرقابة والتضييق على الحريات العامة في تلك الفترة.

 ودخل الكاريكاتير والزجل ميدان المعركة دفاعًا عن مختار وفنه ودفاعًا عن سعد وذكراه، فنشرت إحدى الصحف رسمًا ساخرًا لمختار وإلى جانبه تمثال سعد زغلول، وأمامه إسماعيل باشا صدقي يخاطبه حاملًا تمثالًا لرأسه شخصيًا ـ أعني رأس صدقي ـ ويقدمه لمختار على "صنية" وتحت الرسم عنوان كبير: "رأس تمثال سعد"، ثم عنوان آخر صغير يقول: "إقتراح يتقدم به صاحب الدولة رئيس الوزراء إلى المثال مختار"، ثم قصيدة زجلية على لسان صدقي يقول فيها:
 بلاش مقاوحة يا شيخ في الفن ومغالطة
 فين سعد؟ فين وشه؟ فين المجد والسلطة؟
الجسم جسمه صحيح... قابلينه بالبلطة.
لكن بقى الوش في التمثال ودماغه
بالهايفة فيهم ميتين أو تلتميت غلطة
بلاش تغير! ما فيش للتعب داعي
أدي دماغ تانية من صنعي وإبداعي
شوف فيها فني... وشوف في الفن طول باعي
ركبها واخلص على التمثال... وأنا اقطع
إن حد قال بم للتمثال دهو ـ دراعي
هاود وطاوعني أحسن لك وأبقى لك
مالك مبوز كده؟ مال حضرتك مالك؟
هاود وطاوعني واستنقح لتمثالك
أحسن ميدان في البلد ـ دا سعد كان روحي ـ
واجعل جبال الدهب ربحك وراسمالك
 لكن هل توقف مختار عن العمل في التمثالين؟
 وهل نجحت جهود إسماعيل صدقي في إثنائه عن غايته؟
الدستور 31 أكتوبر 2007


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق