السبت، 8 يوليو 2017

اغتيال الديمقراطية... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
اغتيال الديمقراطية
عماد أبو غازي
 قبل أن ينقضي عام 2007 حقق التحالف الإرهابي الأسود بين التطرف الديني والاستبداد نصرا جديدا باغتيال رمز من الرموز الساطعة للديمقراطية في العالم، بينظير بوتو، التي لا نظير لها كمعنى اسمها، بنظير التي ولدت في عام 1953 ابنة الجيل الذي تصور أن بمقدوره أن يغير العالم، الجيل الذي قاد حركات الطلاب اليسارية من مشرق الكرة الأرضية إلى مغربها في عام 1968، الجيل الذي ينتمي إليه بيل جيتس صاحب شركة ميكروسوفت أحد أهم من طوروا حضارة الموجة الثالثة التي نعيش في ظلالها، الجيل الذي كان يحلم في شبابه بعالم خالي من الحرب والعنصرية والفقر والظلم الاجتماعي، لكن بعد أربعين عاما من ثورة الشباب، هل تحقق الحلم أو شيء منه؟  ها هي زهرة من زهرات هذا الجيل تنتمي إلى عالمنا الثالث تغيب على يد الإرهاب الديني الذي يقف وراءه أيضا اثنان من أبناء جيلها.

 تنحدر بينظير بوتو من عائلة سياسية شهيرة من إقليم السند في باكستان، تماثل عائلة نهرو ـ غاندي في الهند، وقد ولدت بينظير بوتو في إقليم السند في 21 يونيو 1953، وتلقت تعليمها الجامعي في جامعتي أكسفورد ببريطانيا وهارفارد بالولايات المتحدة، واستمدت مصداقيتها كسياسية من تراث والدها ذو الفقار علي بوتو، الذي شغل منصب رئيس وزراء باكستان في أوائل السبعينات، وكانت حكومته إحدى الحكومات المدنية الديمقراطية النادرة في العقود الثلاثة التي أعقبت تأسيس الدولة أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، بل ربما في تاريخ باكستان السياسي كله.  لقد كانت فترات تولي حزب الشعب للحكم في باكستان استثناء في تاريخ من الاستبداد والانقلابات الدستورية، مثلما كان الحال مع الوفد المصري قبل انقلاب يوليو 1952، وحزب الشعب يشبه في توجهاته حزب الوفد المصري وحزب المؤتمر الهندي، إلا أنه أحدث منهما تأسيسا.
 ومنذ أسابيع قليلة مر العيد الأربعيني لحزب الشعب الباكستاني، فقد انطلق الحزب في مؤتمره التأسيسي الذي انعقد في مدينة لاهور الباكستانية يومي 30 نوفمبر و1ديسمبر 1967، ووفقا للمقال الذي كتبه الكاتب فخار زمان على موقع حزب الشعب على الإنترنت، فإن هذا المؤتمر التأسيسي كان المؤتمر الذي انتخب فيه السياسي الشاب ذو الفقار علي بوتو رئيسًا للحزب، ولم يكن قد بلغ الأربعين من عمره، وجمعت مبادئ الحزب بين الدعوة للديموقراطية الاجتماعية لتحقيق العادلة الاجتماعية، في مجتمع يعاني من أوضاع شبه إقطاعية، والديمقراطية السياسية التي تحقق المساواة بين المواطنين وتوفر لهم حقهم في المشاركة، في مجتمع عاش في ظل حكم عسكري ديكتاتوري لسنوات طويلة  منذ انفصال باكستان عن الهند الذي جاء بتخطيط استعماري قسم الأمة الواحدة إلى دولتين أصبحتا بعد حرب 1971 ثلاث دول: الهند العلمانية الديمقراطية التي لا تميز بين مواطنيها على أساس الدين، وباكستان الإسلامية التي غلب على عمرها الذي يناهز الستين الحكم الديكتاتوري العسكري تتخلله استراحات ديمقراطية قصيرة، وبنجلاديش التي تراوح بين الديمقراطية والاستبداد.
 لقد كان للحزب أربعة مبادئ أساسية استند عليها نضاله من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية: إن الإسلام عقيدة دينية، والديمقراطية الأساس السياسي للحزب، والديمقراطية الاجتماعية أو الاشتراكية مذهب الحزب الاقتصادي، وكل السلطة للشعب شعاره السياسي.
 لقد تولى حزب الشعب برئاسة بوتو الأب حكم باكستان عقب هزيمة بلاده في الحرب الهندية الباكستانية سنة 1971 وانفصال القسم الشرقي من الدولة تحت اسم بنجلاديش، وسقوط النظام العسكري الذي لم يأت لشعبه سوى بالهزائم والفقر وانتهاك حقوق الإنسان، وجاء حكم حزب الشعب مبشرًا بعصر جديد، لكن تحالف العسكر والمتطرفين الدينيين مدعومًا بمساندة أمريكية وتمويل خليجي نجح في الإطاحة بالديمقراطية في انقلاب عسكري بقيادة الجنرال ضياء الحق، واعتقل بوتو وأعدم بعد محاكمة غير عادلة سنة 1979 رغم كل مناشدات المجتمع الدولي بوقف تنفيذ الحكم.
 وكانت سنوات حكم ضياء الحق وزمرته العسكرية سنوات النمو والازدهار للتطرف الديني الذي يعاني منه العالم كله الآن وفي مقدمته باكستان نفسها، سنوات التحالف بين بؤر التطرف الديني والأجهزة الأمنية والاستخباراتية الباكستانية التي ساهمت مع دول عربية تحت الرعاية الأمريكية في تكوين منظمات جهادية إسلامية لضرب النفوذ السوفيتي في أفغانستان، لقد استحضر هذا التحالف العفريت وفشل إلى الآن في صرفه.
 لقد تعرضت الشابة بينظير بوتو وهي في العشرينات للاعتقال بعد الإطاحة بوالدها، كانت نموذجًا ملهمًا عندما كان جيلي في سنوات الشباب، تجلت صلابة وعناد بينظير بوتو أول ما تجلت لدى سجن الجنرال ضياء الحق لوالدها عام 1977 واتهامه بالقتل، ثم إعدامه بعد عامين. وسجنت قبيل إعدام والدها، وقضت أغلبية السنوات الخمس من سجنها في حبس انفرادي، وصفته بأنه كان شديدة القسوة، وخرجت من سجنها إلى المنفى، لكنها عادت إلى باكستان عام 1986، وتجمعت في استقبالها حشود جماهيرية ضخمة، وواصلت النضال إلى أن أصبحت رئيسة للوزراء بعد وفاة الجنرال ضياء الحق في انفجار طائرته عام 1988، وكانت فور انتخابها لأول مرة إحدى أشهر القيادات النسائية في العالم، وشغلت بينظير بوتو منصب رئيسة وزراء باكستان مرتين، الأولى ما بين عامي 1988 و1990، والثانية ما بين عامي 1993و1996، وفي الحالتين أقالها رئيس البلاد من منصبها بعد اتهامها بالفساد الذي لم يثبت عليها أبدًا، بل ظهرت تسجيلات لمكالمات تؤكد حدوث ضغوط على القضاة والمحققين لإدانتها.
 ومنذ أسابيع عادت بينظير إلى باكستان مرة أخرى من المنفى الاختيار على أمل استعادة الديمقراطية ومواجهة التطرف الديني، لكن التطرف كان أسبق إليها؛ وكما يقول بول رينولدس محلل هيئة الإذاعة البريطانية: "يعتبر اغتيال بنظير بوتو ضربة قاصمة، بل قد تكون قاضية، للآمال الدولية في أن تعيش باكستان حالة من الاستقرار، حيث زادت مخاوف انفجار الوضع في البلاد مرة أخرى".
 لقد كان مجرد وجودها حتى وهي بعيدة عن الحكم حرة تعارض أو سجينة خلف القضبان أو منفية خارج الوطن يعني أن هناك أمل، فما زال "حسها في الدنيا، لكن اليوم وقد غابت؛ غاب الأمل في إنقاذ باكستان ـ على الأقل ـ لسنوات من تحالف الإرهاب الديني والدكتاتورية العسكرية، والأمر لا يخص باكستان وحدها، بل يعم أمن العالم وأمانه، فباكستان قوة نووية، وترسانتها النووية خطر يهدد البشرية في ظل غياب الديمقراطية، وغياب القدرة على السيطرة على الإرهاب الديني.

الدستور 2 يناير 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق