الجمعة، 7 يوليو 2017

جامعة الحكومة... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
جامعة الحكومة
عماد أبو غازي
  في 12 ديسمبر 1923 تكونت لجنة من حسين رشدي باشا رئيس الجامعة وعبد الخالق ثروت باشا وأحمد لطفي السيد وكيلي الجامعة وستة أعضاء آخرين، واتفقت اللجنة على تسليم الجامعة لوزارة المعارف، وجاء هذا القرار في ضوء ثلاثة متغيرات جدت على الساحة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أولها استمرار الأزمة المالية للجامعة المصرية وعجز إدارة الجامعة عن تجاوزها بعد نهاية الحرب خلاف ما كان متوقعًا، وثانيها التغيرات السياسية والاجتماعية التي أعقبت ثورة سنة 1919، والتي كان من نتائجها إعلان إنجلترا استقلال مصر من جانب واحد بمقتضى تصريح 28 فبراير 1922، وتحولت مصر إلى مملكة دستورية، وصدر دستور 1923، ومن هنا ظهر المتغير الثالث إعلان الحكومة عن نيتها إنشاء جامعة حكومية تتبع الدولة وتستكمل بها "المملكة المصرية" الجديدة مقومات استقلالها الشكلي، وخاصة وأن ملك البلاد هو أحمد فؤاد أول رئيس للجنة تأسيس الجامعة الأهلية وأول رئيس للجامعة نفسها.


 وكان استمرار رفض الحكومة الاعتراف بشهادات الجامعة الأهلية عنصرًا إضافيًا دفع المسئولين عن الجامعة يسرعون الخطى نحو دمج الجامعة الأهلية في الجامعة الحكومية التي كانت الدولة تخطط لإنشائها.
 وتم توقيع عقد التسليم الذي وقع عليه كل من أحمد زكي أبو السعود باشا وزير المعارف وحسين رشدي باشا رئيس الجامعة المصرية وجاء في هذا العقد:
 "نظراً إلي أن الجامعة المصرية طلبت إلي وزارة المعارف أن تقيد شهاداتها كالشهادات العالية التي تخول التوظف في الحكومة فأجابت الوزارة بأنه ليس في وسعها الاعتراف بالشهادة التي تمنحها الجامعة لخريجها بالكيفية المرغوبة ما دامت بعيدة عن الإشراف على الدراسة فيها، ولما كانت الوزارة مقترحة إنشاء جامعة أميرية فسيكون بالضرورة من بين أقسامها كلية للآداب قد تنافس كلية الآداب بالجامعة المصرية فإذا رأيتم تلافيًا لهذا التنافس ضم كلية الآداب بالجامعة المصرية إلي وزارة المعارف فإن النظام العام الذي يوضع للجامعة الأميرية سيكون شاملًا لها فتصبح نواة لقسم الآداب بها، ومتى تم هذا الضم شرعت الوزارة في فحص منهج الدراسة لهذه الكلية، ونظام الامتحان بها ليكون ذلك توطئة لتقدير درجة الشهادة التي تمنحها فإذا ما وافقت إدارة الجامعة على وجهة النظر هذه فإن وزارة المعارف مستعدة للنظر فيما يلزم لتحقيق هذا الغرض".
 وقد نشر الدكتور عبد المنعم الجميعي نص الاتفاق في كتابه المعنون "الجامعة المصرية والمجتمع 1908 ـ 1925" والذي صدر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام قبل ربع قرن في العيد الماسي للجامعة المصرية، وقد تضمن هذا الاتفاق خمسة بنود وضعتها الجامعة المصرية الأهلية كشروط لاندماجها في الجامعة الحكومية:
 أولها وأهمها: "أن تكون الجامعة المصرية معهدًا عامًا محتفظة بشخصيتها المعنوية، وتدير شئونها بنفسها بكيفية مستقلة تحت إشراف وزارة المعارف كما هو الحال في جامعات أوربا".
 وقد سعت كل الحكومات الاستبدادية في العصر الملكي إلى خرق ذلك الشرط، خاصة حكومة إسماعيل صدقي في مطلع الثلاثينيات، كما أهدر إهدارًا تامًا منذ انقلاب يوليو 1952 وما زال مهدرًا، رغم إنه نصًا أساسيًا ضمن عقد اتفاق بين مؤسسي الجامعة والحكومة.
 أما الشرط الثاني وفقًا للاتفاق المبرم فقد نص على "أن تقوم الحكومة بإتمام النظام الحالي الذي لا يشمل سوى كلية في الآداب بأن تدمج في الجامعة مدرستا الحقوق والطب بعد تحويلهما إلى كليتين، وأن تضم إليها كلية العلوم، ويجوز أن تضم إليها كليات أخرى فيما بعد."
 وتناول الشرط الثالث أموال الجامعة والبالغ قدرها 46 ألف جنيه مصري ونص على ضرورة استخدامها في بناء مقر الجامعة احترامًا لشروط المتبرعين.
 ونص الشرط الرابع على أن تُحترم تعهدات الجامعة نحو أساتذتها وموظفيها، مع التأكيد على بقاء الدكتور طه حسين أستاذًا بكلية الآداب، الأمر الذي يكشف عن حرص مؤسسو الجامعة المصرية على حماية حقوق العاملين من أعضاء هيئات التدريس والموظفين والعاملين وعلى عدم المساس بها.
 وكان الشرط الخامس والأخير أن يكون من بين أعضاء مجلس إدارة الجامعة المصرية عضو أو أكثر في مجلس إدارة قسم الآداب بالجامعة الحكومية، وفي مجلس إدارة قسم العلوم، وفي مجلس إدارة الجامعة، وذلك في الدور الأول من التشكيل.
 وقد احتاج الأمر إلى عام ونصف العام كي يصدر الأمر الملكي بضم الجامعة الأهلية إلى الحكومة لتكون نواة لكلية الآداب بالجامعة الأميرية، وأن يكون وزير المعارف رئيسًا للجامعة بحكم وظيفته، يمثل الجامعة وينوب عنها في كل الظروف الرسمية، ويصدر عن البرلمان قانون إنشاء الجامعة المصرية الذي نص على اختصاص الجامعة بكل ما يتعلق بالتعليم في كلياتها، وعلى إدارتها لأموالها بنفسها، وتمتعها بشخصية معنوية مستقلة.

الدستور ديسمبر 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق