الجمعة، 28 يوليو 2017

التماثيل حكايات... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
التماثيل حكايات
عماد أبو غازي
 التماثيل حكايات، ونقل التماثيل من أماكنها كمان حكايات، إذا كان تمثال محمد فريد الذي نحته منصور فرج وأزيح عنه الستار في عام 1958 في موضعه القديم في شارع 26 يوليو بين قسمي حديقة الأزبكية قد نقل من موضعه بعد خمسين سنة من إقامته، فقد كان هذا قرارًا سليمًا، فالموضع القديم أصبح غير ملائم والشارع إغلق في هذا القسم منه، والوسعاية التي يقف فيها التمثال صارت مرتعًا لتجار الرصيف، والموضع الجديد في منتصف الشارع الذي يحمل اسم محمد فريد والذي كان يحمل قديمًا اسم شارع عماد الدين، والغريب أن الشارع كان يحمل اسم عماد الدين من بدايته في الناصرية حتى نهايته قرب ميدان رمسيس ثم اقتصر اسم عماد الدين على الجزء الممتد من تقاطع الشارع مع شارع 26 يوليو إلى نهايته عند شارع رمسيس وأطلق اسم محمد فريد على الجزء الآخر من الشارع رغم أنه القسم الذي يقع فيه ضريح الشيخ عماد الدين!!!
وتمثال محمد فريد ليس أول تمثال ينقل من مكانه أو يتغير وضعه، في عصر الخديوي إسماعيل نصبت التماثيل الأولى في الشوارع والميادين والحدائق المصرية، وعندما افتتح كوبري قصر النيل في 10 فبراير 1872، نصبت على مدخليه الأسود الأربعة التي صنعت في أوروبا وتكلفت 8425 جنيه بينما تكلف الكوبري 113850، وكانت الأسود منصوبة على قواعد مرتفعة، لكن عندما أعيد بناء الكوبري مرة أخرى وتوسيعه في ثلاثينيات القرن الماضي تغيرت القواعد وأصبحت بالصورة التي نراها عليها اليوم.


 الأمر نفسه حدث مع تمثال نهضة مصر الذي أزيح عنه الستار يوم 28 مايو 1928 في موقعه القديم بميدان باب الحديد، كانت قاعدة التمثال مرتفعه، وعندما قررت الحكومة سنة 1955 نقل التمثال من ميدان باب الحديد إلى مكانه الحالي بالقرب من جامعة القاهرة إقيم على قاعدة جديدة يبلغ ارتفاعها نصف ارتفاع القاعدة الأصلية.


 هناك تماثيل تعرضت للنقل من موقعها بسبب التطورات السياسية منها تمثال الخديوي إسماعيل بالإسكندرية الذي كان في موضوع النصب التذكاري للشهداء بالقرب من قلعة قايتباي، فأزيح بعد انقلاب يوليو، وظل في المخازن إلى أن أعاده محافظ الإسكندرية السابق اللواء عبد السلام المحجوب إلى الشارع مرة أخرى.


 وقد تعرض تمثال نوبار باشا الذي كان قائمًا في حديقة الشلال للمصير نفسه، أما تمثال سليمان باشا في القاهرة فقد نقل من مكانه في ميدان سليمان باشا إلى المتحف الحربي وحل محله تمثال الاقتصادي المصري طلعت حرب الذي نحته الفنان فتحي محمود، وتغيير اسم الميدان والشارع ليحملا اسم طلعت حرب. 


 أما تمثال ديليسبس في بور سعيد بمدخل قناة السويس الشمالي فقد دمره الشعب بسبب العدوان الثلاثي سنة 1956، وقد تم ترميمه مؤخرًا وتحتفظ به هيئة قناة السويس.


 والحرب ضد التماثيل اختلفت باختلاف العصور، فتمثال مصطفى كامل الذي كان أول تمثال يكتتب الشعب لإقامته بعد وفاة الزعيم بعامين، والذي نحته ليوبولد سافان وانتهى منه سنة 1913 ظل حبيس مدرسة مصطفى كامل حتى صيف عام 1938 بعد أكثر من ثلاثين عامًا على وفاة مصطفى كامل، عندما نقل إلى مكانه الحالي في عهد الملك فاروق، وعام 1938 العام الذي انتهت فيه أيضًا أزمة تمثالي سعد زغلول اللذان نحتهما مختار بالقاهرة والإسكندرية، لقد منعت الحكومة إقامتهما بعد انقلاب إسماعيل صدقي على الدستور، رغم أن مختار نحت التمثالين بتكليف رسمي من الحكومة، ودخل مختار في قضايا ضد الحكومة مات سنة 1934 قبل أن تنتهي ذيولها، ولم يشهد رفع الستار عن تمثاليه، ولم تكن قضية تمثالي سعد الوحيدة بين مختار والحكومة، فقد تعرض تمثاله نهضة مصر كذلك للتضييق من الحكومات الموالية للسرايا وتأخرت حفلة إزاحة الستار عنه قرابة العام.


ولتمثال أحمد باشا ماهر الذي نحته المثال محمد حلمي يوسف قصة، لقد اكتتب فيه الشعب تخليدًا لذكرى الزعيم الذي اغتالته يد الإرهاب السياسي المجرم في بهو مجلس النواب، وتحدد يوم 13 نوفمبر 1948 في الذكرى الثلاثين لعيد الجهاد الوطني لإزاحة الستار عنه، لكن عاصفة هبت بليل مزقت الملاءة التي تغطي التمثال وأزاحت الستار عنه قبل موعد الاحتفال الرسمي، ليصحو الناس في اليوم التالي ويجدوا التمثال مكشوفًا أمامهم غير مصدقين قصة الريح.


 ومن التماثيل التي ترتبط بالصراعات السياسية تمثال إبراهيم باشا الذي نحته الفنان الفرنسي كوردييه بأمر من الخديوي إسماعيل عام 1872، التمثال أقيم في أول الأمر بميدان العتبة الخضرا، ثم نقل بعد ذلك إلى موضعه الحالي بميدان الأوبرا أمام المدخل الرئيسي لدار الأوبرا المصرية القديمة التي احترقت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، ليحل محلها جراﭺ قبيح المنظر، المهم أثار تمثال إبراهيم باشا أزمة سياسية كبيرة بين مصر وتركيا، فقد نحت كوردييه جداريتين من النحت البارز ليضعهما على جانبي قاعدة التمثال تمثل الأولى معركة نازيب والثانية معركة عكا، وفي المعركتين انتصر إبراهيم باشا على جيوش الدولة العثمانية، فغضبت السلطنة العثمانية، وكانت مصر من الناحية الرسمية ولاية تابعة لاسطنبول، فحمل كوردييه جداريتيه ورحل إلى بلاده، وفي عام 1900 عرضهما في معرض باريس، ومن يومها اختفت اللوحتان ولم يبق إلا صورهما الفوتوغرافية، وعندما قررت الحكومة المصرية الاحتفال بالمئوية الأولى لوفاة إبراهيم باشا سنة 1948 حاولت جلب الجداريتين من فرنسا، ولم يعثر لهما على أثر فنحت منصور فرج وأحمد عثمان جداريتين جديدتين، هما القائمتان إلى الآن على القاعدة.


 أما تمثال لاظوغلي الذي صنعه جاكمار سنة 1872 فله حكاية طريفه فهو لسقا يشبه لاظوغلي، فعندما أراد جاكمار صنع التمثال لم يجد صورة لمحمد بك لاظوغلي، فيبدو أن الحاسة الأمنية لدى الرجل الذي أسس أول جهاز للأمن السياسي في مصر الحديثة جعله يتحاشى أن ترسم له صورة، وفجأة اكتشف أحد كبار الموظفين الذي كان صغيرًا أيام لاظوغلي هذا السقا الشبيه بالرجل يسير في منطقة خان الخليلي فاتخذوه موديل للتمثال.


 هذا عن التماثيل القائمة، فماذا عن التماثيل الغائبة، التي لم تقم أصلًا؟

الدستور 23 يوليو  2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق