الجمعة، 21 يوليو 2017

نوفمبر 1968 خطوة للوراء... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
نوفمبر 1968 خطوة للوراء...
عماد أبو غازي
  إذا كانت مظاهرات طلاب مصر في فبراير 1968 انطلقت في أعقاب قمع المظاهرات العمالية في حلوان احتجاجًا على أحكام الطيران، وجاءت منذ بدايتها واضحة في هدفها السياسي، فإن مظاهرات نوفمبر 1968 بدأت بداية مختلفة.
 كان سبب المظاهرات صدور تعديلات على قوانين التعليم العام، كانت تلك التعديلات التي وقف وراءها الوزير الإصلاحي الدكتور محمد حلمي مراد تهدف إلى الارتقاء بمستوى التعليم العام، وإنهاء حالة الفوضى والتسيب وتملق الطلاب التي أضعفت مستوى التعليم، كان التعديل يحدد عدد المرات التي يسمح فيها لطلاب الثانوية العامة بدخول الامتحان، وأنهى مهزلة انتقال الطلاب إلى الصف الأعلى بمادتين دون أن يكون مطلوب منهم أداء الامتحان فيها مرة أخرى، ووضع حد أدنى من الدرجات للالتحاق بالمرحلة الإعدادية، وأعاد امتحانات النقل إلى المرحلة الإعدادية.


 كانت مظاهرات طلاب باريس في مايو 68 قد وضعت ضمن مطالبها الارتقاء بمستوى التعليم العام والجامعي وإدخال مواد دراسية حديثة في المناهج، لكن بعض طلاب مصر كان لهم رأي آخر، كانت البداية يوم 20 نوفمبر 1968 من مدرسة ثانوية خاصة في مدينة المنصورة تضم طلابًا ممن استنفذوا مرات الرسوب في المدارس الحكومية فانتقلوا إلى نوع من المدارس الخاصة انتشر في ذلك الزمن الذي كانت فيه مدارس الحكومة ـ خصوصًا في المرحلة الثانوية ـ هي الأفضل، بمجرد نشر أخبار قانون التعليم الجديد خرج طلاب تلك المدرسة إلى الشوارع متظاهرين، وانضم إليهم طلاب مدارس ثانوية أخرى، وفي اليوم التالي انضم إليهم طلاب المعهد الديني الأزهري بالمنصورة وكان عددهم يقارب الألفين، وقد انضموا للمظاهرات رغم أن القانون لا يخصهم ولا ينطبق عليهم، وتوجهت المظاهرة إلى مديرية الأمن، ليتغير مسار الأحداث، فعندما وصلت المظاهرة إلى المديرية أطلقت الشرطة الرصاص على المتظاهرين، وكانت حصيلة مظاهرات نوفمبر 1968 في المنصورة مصرع ثلاثة طلاب وفلاح وجرح 32 متظاهرًا و23 من رجال الشرطة منهم تسعة ضباط.
 في اليوم الثالث للأحداث انتقلت الأخبار إلى جامعة الإسكندرية التي كانت تضم عددًا كبيرًا من أبناء محافظة الدقهلية، فتفجرت الأحداث صباح السبت 23 نوفمبر 1968، بدأت بمؤتمر طلابي بهندسة الإسكندرية سرعان ما تحول إلى مظاهرات في الشوارع، واستمرت المظاهرات واعتصم الطلاب في الجامعة حتى يوم 28 نوفمبر، شهدت المظاهرات التي خرجت إلى الشوارع أحداث عنف غير مسبوقة شملت تدمير لسيارات النقل العام وللمحال التجارية، وواجهت الشرطة المتظاهرين بعنف شديد، كانت حصيلته مروعة، فقد لقي ستة عشر شخصًا مصرعهم، منهم ثلاثة طلاب جامعيين وتلميذ عمره 12 عامًا سقط تحت الأقدام في المظاهرات، واثنى عشر من الأهالي، وأصيب 167 من الأهالي، مقابل 247 من رجال الشرطة منهم 19 ضابطًا، وألقي القبض على 462 شخصًا أفرج عن 78 منهم لأن سنهم أقل من 16 سنة وعن 19 آخرين لعدم كفاية الأدلة، وحبس 365 على ذمة التحقيق، أحيل 46 منهم إلى المحاكمة التي لم تتم أبدًا، كان من بينهم 40 طالبًا وثلاثة من أعضاء هيئة التدريس وثلاثة من الخريجيين من بينهم اثنان من رؤساء الاتحادات الطلابية السابقين، وقد افرج عن بعض المحتجزين في نهاية العام الدراسي في مايو 1969، واستمر بعضهم محتجزًا إلى العام التالي، وتم تجنيد بعض قادة الإضرابات قبل إكمال دراستهم الجامعية، وأحيل 20 طالبًا واثنان من المعيدين إلى مجالس تأديب.
 أما جامعة القاهرة فقد كانت مشاركتها محدودة في حركة نوفمبر 1968 بخلاف ما حدث في فبراير من نفس العام.


 ولكي ندرك ضراوة المواجهة فلنقارن بين أعداد ضحايا مظاهرات نوفمبر 1968 وشهداء مظاهرات "العهد البائد"، في ثورة الشباب في نوفمبر 1935 سقط  خمسة شهداء، وفي مظاهرات  9 و10 فبراير سقط  8 شهداء و84 مصابًا في القاهرة والإسكندرية والزقازيق والمنصورة، واستقال محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء احساسًا بالمسئولية السياسية عما حدث، ويوم 21 فبراير 1946 الذي يحتفل به طلاب العالم كيوم لكفاح الطلاب ضد الاستعمار تخليدًا لشهداء مصر سقط فيه 23 شهيدًا و121 جريحًا برصاص قوات الاحتلال البريطاني، وفي 4 مارس 1946 سقط في الإسكندرية 28 شهيدًا و 342 جريحًا مقابل جنديين بريطانيين وجرح أربعة، إنها أعداد للتذكرة فقط!!!
 لقد كانت مظاهرات الإسكندرية في نوفمبر 1968 رد فعل احتجاجي على عنف الشرطة في التعامل مع المتظاهرين في المنصورة، وتطورت إلى رفع مطالب ديمقراطية عامة، وقد شكلت تطورًا في شكل المواجهة بين الطلاب ونظام عبد الناصر، وقد أدى القمع البوليسي الشرس لمظاهرات المنصورة والإسكندرية في نوفمبر 1968 إلى عكس المستهدف منه، فبدلًا من أن تخفت حركة المعارضة في المجتمع تصاعدت واتسعت، لكن في المدى المباشر فقد الطلاب بعض المكاسب التي حققوها بعد مظاهرات فبراير، فعادت الريادة الطلابية مرة أخرى بقرار جمهوري بعد إلغائها لعدة شهور، وعادت التدخلات الأمنية إلى الجامعة مرة أخرى.
 لكن العجلة كانت قد دارت لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ الحركة الطلابية المصرية، لقد عاد الوعي للطلاب وانطلقت حركتهم ونمت بسرعة، وابتعدت أكثر فأكثر عن النظام، وأخذت تطرح برنامجًا سياسيًا لإصلاح الوطن.
 تبقى نقطة أخيرة لابد من الإشارة إليها، إن حركة 1968 في حاجة إلى تسجيل وتوثيق ربما كان أهم من أرخ لتلك الحركة اثنان من قادة الحركة الطلابية أحمد عبد الله وأحمد شرف الدين.
الدستور 11 يونيو 2008


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق