الأحد، 16 يوليو 2017

كيف نستعيد ذاكرتنا؟... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
كيف نستعيد ذاكرتنا؟
عماد أبو غازي
 كيف تنتعش الذاكرة؟ وهل نستطيع إنعاشها؟
 أظن أن إنعاش ذاكرة المصريين مهمة صعبة تحتاج إلى تضافر جهود عديدة وتواجه صعاب كثيرة، فالذاكرة التي أتكلم عنها غير مرغوب فيها من قوى كثيرة في المجتمع، بعضها مستفيد مما نحن فيه، وبعضها يتصور أنه الصواب.
 أول خطوات إنعاش الذاكرة إصلاح مناهج التعليم، فمناهجنا تتعمد تغييب الذاكرة، إنها تغيب قسمًا من تاريخ مصر لصالح قسم آخر، وتغيب قيم كاملة للثقافة المصرية لصالح قيم أخرى وافدة غريبة على مجتمعنا، التعليم الذي يختزل تاريخنا المصري القديم في صفحات معدودات لا يربطها رابط ولا منطق يكشف عن عصر تكوين الثقافة المصرية، التعليم الذي يكاد يتجاهل تاريخنا فيما يسمى اصطلاحًا بالعصر القبطي، التعليم الذي يعلي عصور على عصور في تاريخنا منطلقًا من منطلقات دينية أو سياسية، تعليم يمحو الذاكرة ويشوهها.
 والمشكلة الأكبر تكمن في القائمين علي العملية التعليمية أكثر مما تكمن في المناهج، فالقضية لن تنتهي بتغير المناهج بل بتغير عقلية القائمين علي التعليم أو ربما بتغيرهم أنفسهم، لقد نجح تيار الإسلام السياسي في اختراق المؤسسة التعليمية بأعضائها أو على الأقل بأفكاره، ولعل ما نشر مؤخرًا في بعض الصحف وبعض مواقع الإنترنت عن محاولة ناظرة مدرسة القيام بدور المطوعين مع إحدى مدرساتها، وعن رفض المسئول عن استمارات الثانوية العامة في إحدى المناطق التعليمية من قبول استمارة طالبة بهائية يعكس إلى أي مدى تعشش في وزارة التربية والتعليم تلك القوى الظلامية المعادية لحقوق المواطنة ولقيم التعايش وقبول الاختلاف التي قامت عليها الحضارة المصرية.
إذا نجحنا في مواجهة تلك القوى على ساحة التعليم ونجحنا في استعادة التعليم من أيديهم أو على الأقل إبعادهم عن الانفراد بالسيطرة عليه، فقد ننجح في استعادة جزء من الذاكرة المفقودة، عندما يعود التوازن إلى دروس التاريخ، عندما يبتعد التمييز عن مناهج التعليم، وعن ممارسات القائمين عليه، عندما يعلي التعليم في مصر من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة والمساواة والمشاركة والإبداع والابتكار والتجديد والتمرد الخلاق، عندها يمكن أن نستعيد جزء من هويتنا المفقودة.
 كذلك أتصور أن جزء من المشكلة يكمن في الانقطاع بين النخبة المثقفة والمجتمع، وفي تقديري أن اللغة مسئولة عن ذلك مسئولية كبيرة، لأننا في مصر ـ في اعتقادي ـ فاقدين لهويتنا اللغوية، ولا أعني هنا ما يردده الكثيرون حول شيوع استخدام اللغات الأوروبية بين الأجيال الجديدة وضعف اللغة العربية في وسائل الإعلام، لكن ما أقصده في تقديري يعد السبب الأساسي لهذه الظواهر، إنه الابتعاد عن لغتنا الأم، أقصد العامية المصرية، التي أزعم مع من يزعمون أنها لغتنا الأم، وإنها برغم ما فيها من ارتباطات قوية بالعربية بحكم أربعة عشر قرنًا من التعريب في مصر، إلا أن بها الكثير كذلك من الأصول من اللغة المصرية القديمة في مراحلها المتوالية، والتي كانت أخرها القبطية، فاللغة الأم هي تلك التي نتحدث بها بشكل تلقائي عندما نتعلم الكلام، فعندما يولد الطفل يكتسب اللغة من محيط أسرته، وبالتالي يكتسب اللغة العامية المصرية فاللغة الأم هي اللغة الأولي التي يتعلمها الطفل ويتحدث بها. ونحن كمثقفين نبذل الكثير من الجهد للكتابة باللغة الأم وهي العامية المصرية وكثيرين من يعجزون في نفس الوقت عن الكتابة أو الحديث بعربية فصحى سليمة تمامًا، وذلك لأن النخبة عندما تتحدث بصفة عامة تتحدث باللغة العامية أما عند عمل حديث في الإذاعة أو ألقاء خطبة أو كتابة موضوع غالبًا ما نستخدم الفصحى، أو نحاول.
 وأعتقد أن حركة الأحياء التي بدأت منذ القرن التاسع عشر واستمرت حتى بداية القرن العشرين هي التي أحدثت تغيرًا لغويًا في مجتمعنا وكان لها نتائج سلبية وكانت جزءًا من مشكلات النهضة وذلك لأننا تعلمنا لسنوات أن هذا الأحياء كان شيئًا إيجابيًا، وظللنا نتعلم لسنوات أن السبب في انهيار اللغة ما حدث من تطور في العصر المملوكي والعثماني قارب بين العامية والفصحى، ولكن هناك قراءة أخرى للأمر، إن اللغة كانت تتطور بالطريق الصحيح في اتجاه أن تقترب ثقافة النخبة من ثقافة العامة، وهذا كان من الممكن أن يطور مجتمعنا لكن حركة الأحياء للغة العربية وإعادة إنتاج نماذج قريبة من التراث الأدبي العربي أوقفت هذا التطور بل وصمته بالانحطاط، وهذا البعث والأحياء هو الذي صنع تلك الفجوة الكبيرة بين ثقافة النخبة وثقافة العامة، وهذا ما أدي إلى حدوث انفصام وعدم تواصل بين النخبة المثقفة والغالبية من جموع الشعب عندما بدأت مصر مرحلة النهضة والتحديث، ومع الاحتلال والازدواجية اللغوية في التعليم أصبح عندنا ثلاث لغات لغة يتكلم بها الناس في حياتهم ولغة للنخبة المثقفة في مجال الآداب والإنسانيات والعلوم الاجتماعية ولغة لمن يدرسون العلوم والطب والهندسة ويكتبون فيها هي الإنجليزية، وأرى أن ما نصنعه من دعوة لمحو الأمية يعتبر كالنقش على الماء طالما نسعى لمحو أمية المصريين بلغة غير لغتهم الأم.
 قد لا يوافقني البعض هذا الرأي ولكنني منذ البداية أعلنت أنها مجرد تصوراتي الخاصة، وأنا لا أدعو هنا لأحياء الماضي لكني مؤمن فقط بشعار الكاتب صلاح عيسى "من فات قديمه تاه ومن توقف عنده ضاع"، أنني أدعو للنظر إلى الماضي من أجل المستقبل.
 أتصور أننا في حاجة إلى جهد كبير كي ننفض عنا غبار أفكار سنوات الاستبداد والفكر الظلامي الذي يحول كل شيء حي وجميل في حياتنا إلى كفر، فحتى احتفالنا بالمولد النبوي الشريف يريدوا أن يكفرونا فيه، وكل سنة وإنتم طيبين وكل مولد نبي وإحنا بيه محتفلين.
الدستور 12 مارس 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق