الاثنين، 24 يوليو 2017

كل ما تهل البشاير من يناير... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
كل ما تهل البشاير من يناير
عماد أبو غازي
 تطورت الحركة الطلابية في العام الدراسي التالي 1972/1973، وبدء النشاط الطلابي منذ بداية العام الدراسي من خلال مجلات الحائط والحلقات النقاشية، وبدأت الأزمة الأولى مع قرار إدارة كلية الطب بجامعة القاهرة إحالة عدد من الطلاب إلى التحقيق بسبب مجلات الحائط، فتصاعدت الاحتجاجات بين طلاب الجامعة تضامنًا مع زملائهم، وبدأت مؤتمرات التضامن في كليات الجامعة المختلفة، وشكل الطلاب لجان الدفاع عن الديمقراطية، وتصاعدت أنشطتهم السياسية داخل أسوار الجامعات وانضم إليهم عددًا من الفنانين والكتاب والمثقفين من خلال الأنشطة الثقافية والفنية والسياسية التي نظمتها الأسر الطلابية ذات التوجه اليساري في مختلف كليات الجامعة ـ وكان نظام الأسر الطلابية قد بدء يتبلور في تلك السنوات ـ وتحولت الندوات والمؤتمرات السياسية إلى اعتصام متصاعد، ولجأ النظام من خلال الاتحاد الاشتراكي إلى لعبة خطرة، "بلقنة" الصراع، أو "طلبنته"، فكون محمد عثمان إسماعيل أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكي العربي آنذاك ومحافظ أسيوط فيما بعد، مجموعات طلابية أسماها الجامعات الدينية أو الإسلامية، ودرب أعضائها وسلحهم بالأسلحة البيضاء، ودفعهم للاعتداء على الطلاب اليساريين، وكانت العواقب وخيمة على مصر كلها بعد أقل من عشر سنوات فقد انفجرت موجات التطرف والعنف الديني، إلى أن ارتكبت مجموعة من هؤلاء الشباب جريمة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات باسم الدين، لقد صنع النظام الوحش الذي تصور أنه سيفتك باليسار لكن الوحش فتك بالرئيس وقاد البلاد إلى موجة من التطرف الديني ما زالت آثارها ماثلة إلى يومنا هذا.



سهام صبري وأروى صالح
 من قيادات الحكة الطلابية في السبعينيات
 أما الحركة الطلابية فقد ازدادت قوة يومًا بعد يوم، وبلورت برنامجًا وطنيًا ديمقراطيًا، وصعدت المطالبة بالحريات الديمقراطية إلى الصدارة، فقد بات واضحًا أن تحرير الأرض لا يمكن أن يتحقق في غياب حريات المواطنيين الأساسية، وكان سقوط التنظيم الطليعي في مايو 1971، وصدور قانون جديد للجامعات في عام 1972 نص على انتخاب عمداء الكليات، وغياب الحرس الجامعي عن الجامعة، وعودة عددًا من أساتذة الجامعات الذين أبعدوا في تطهير 1954 إلى الجامعة عوامل ساعدت على انخراط أعداد أكبر من أعضاء هيئة التدريس إلى جانب الحركة الطلابية.
 وكان للحركة الطلابية أصداء واسعة في المجتمع كله، كانت أملًا يتفتح في بناء مجتمع حر جديد، بعد أن عاشت مصر عشرين عامًا في ظل حكم صادر حريات المواطنين ومبادرتهم الشعبية، كانت مظاهرات الطلاب تعيد حنينا إلى ماض صار بعيدًا، لقد فقد المجتمع المصري تنظمياته المستقلة ومبادرته الشعبية لسنوات طويلة، فكانت الحركة الطلابية الجديدة بمثابة عودة الروح وعودة الوعي لمصر، فأيدها أبرز مثقفي مصر ومبدعيها وفي مقدمتهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ من خلال بيان شهير أيدوا فيه مطالب الطلبة، كان البيان مستفزًا للنظام الذي لم يتصور أن في مقدور الطلاب إخراج مصر من صمتها الرهيب، الأمر الذي ترتب عليه اتخاذ إجراءات عقابية ضد كل من وقعوا على البيان حتى يكون عبرة لمن يعتبر، شملت تلك الإجراءات فصلهم من الاتحاد الاشتركي، وكان هذا يعني بالتباعية منعهم من الكتابة في الصحف، كما شهدت بعض النقابات المهنية حركة تضامن هادئة مع الطلاب.

الحكيم ومحفوظ
 وفي الأيام الأخيرة من عام 1972 بدأ النظام يفقد صبره خصوصًا بعد امتداد الحركة الطلابية إلى كل الجامعات المصرية، فشن حملة اعتقالات واسعة على قيادات الحركة الطلابية بعد خطاب شهير للرئيس السادات ألقاه مساء الخميس 28 ديسمبر 1972، أكد فيه على تمسكه بالحرية والممارسة الديمقراطية، مع تحذير "اليسار المغامر" و"اليمين الرجعي" و"القلة المندسة" في صفوف الطلاب، تلك المصطلحات التي احترف النظام ترديدها لتبرير اعتداءاته المتكررة على الحريات الديمقراطية.


 صباح السبت عندما اكتشف الطلاب اعتقال زملائهم خرجت المظاهرات تجوب الجامعات المصرية وتهتف: "يوم الخميس قالنا حرية ... وأخد اخواتنا في الفجرية"، "قال هنمارس قال هنمارس... حط في بيتنا مخبر حارس"، وتحولت المؤتمرات والمظاهرات إلى اعتصام مفتوح، وفي جامعة القاهرة احتل الطلاب قاعة الاحتفالات الكبرى، واستمرت حالة الغضب تتصاعد إلى أن خرج آلاف الطلاب صباح يوم الأربعاء  3 يناير 1973 في مظاهرات حاصرتها قوات الأمن وردت أغلبها إلى داخل أسوار الجامعات، وبعد معارك استمرت لساعات اقتحمت قوات الأمن الجامعات المصرية وسيطرت عليها، وتم تعطيل الدراسة لمدة شهر، عاد بعده الطلاب ليجدوا معظم قادتهم رهن الاعتقال، لكن لجان الدفاع عن الديمقراطية سرعان ما عاودت نشاطها بقيادة الصف الثاني، واستمر التوتر في الجامعة حتى انتهى العام الدراسي.
 ثم كانت حرب أكتوبر 1973 نقطة فاصلة في تاريخ الحركة الطلابية في تلك المرحلة، فقد انتهت حالة اللا سلم واللا حرب، وحقق الجيش المصري انتصارًا عسكريًا، الأمر الذي أدى إلى تراجع الحركة الطلابية وانفضاض كثير من الطلاب من حول قياداتها، لقد كانت السنوات التالية لانتصار أكتوبر سنوات التراجع والانحسار التدريجي للحركة الطلابية الجماهيرية الواسعة ذات التوجه اليساري، وفي نفس الوقت سنوات المد الديني السلفي داخل الجامعات، وقبل انتهاء عقد السبعينات كان الرئيس السادات قد ألغى لائحة الاتحادات الطلابية، وأضاف بعض المواد إلى لائحة تنظيم الجامعات بدلًا منها، وألغى اتحاد طلاب الجمهورية واتحادات الجامعات وأعاد نظام الريادة والحرس الجامعي، فأعاد الأوضاع إلى ما كانت عليه في الخمسينات والستينات.
 إن هذا العام يشهد مرور أربعين عامًا على حركة الطلاب في العالم عام 1968، وفي نفس الوقت مرور 35 عامًا على انتفاضة 1973، أخر الانتفاضات الطلابية الكبرى، وفي هذه المناسبة ومع الذكرى الثانية لرحيل الدكتور أحمد عبد الله أحد أبرز قادة الحركة الطلابية في السبعينيات صدرت الطبعة العربية الثانية من كتابه الطلاب والسياسة في مصر عن المركز القومي للترجمة، وسوف يناقش صالون الترجمة بالمركز الكتاب في السابعة من مساء الأحد القادم 29 يونيو.

الدستور 25 يونيو 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق