السبت، 22 يوليو 2017

رجعوا التلامذة يا عم حمزة... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
رجعوا التلامذة يا عم حمزة...
عماد أبو غازي
 عنوان هذا المقال مطلع أغنية للشيخ إمام كتب كلماتها الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، كنا نرددها في سنوات السبعينيات، وتقول الأغنية في مطلعها:
رجعوا التلامذة
يا عم حمزة
للجد تاني
يا مصر إنتي
إنتي اللي باقية
 وإنتي إنتي قطف الأماني
لا كورة نفعت ولا أونطة
ولا المناقشة وجدل بيزنطة
ولا الصحافة والصحفجية
شاغلين شبابنا عن القضية
 وعم حمزة الذي تتحدث عنه الأغنية، كما حكت لي جدتي ضابط شرطة كبير كان يواجه مظاهرات الطلاب بعنف في مرحلة ما قبل يوليو، وكان الطلاب وقتها يرددون هتافًا متحديًا للقمع البوليسي موجهًا لحمزة هذا يقولون فيه، إن لم تخني الذاكرة:
 إحنا التلامذة يا عم حمزة
ما يهمنيش من المحافظة
واخدين عل العيش الحاف
والنوم من غير لحاف
 حقًا كما تقول كلمات نجم كان الزمن في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات زمن رجوع التلامذة، رجوعهم إلى صادرة المواجهة مع النظام من أجل الديمقراطية وإزالة آثار هزيمة يونيو 1967، رجع التلامذة في فبراير 1968، واستمروا في الساحة لقرابة عشر سنوات.

أحمد عبد الله
 لقد مر العام الدراسي 1969/ 1970 هادئًا على ساحة العمل الطلابي، بعد عامين دراسيين متواليين شهدا حركة طلابية كانت الأولى من نوعها منذ الانقلاب الذي قام به الضباط الأحرار، كانت مصر منشغلة بحرب الاستنزاف وغارات العمق التي طالت مدارس ومصانع، ثم كانت الأعوام الأولى من السبعينيات عام 1970 و1971 مجالًا لأنشطة طلابية تنمو تدريجيًا شملت كل الجامعات المصرية، وخلال تلك المرحلة تم إلغاء الحرس الجامعي وحل محله مكاتب أمن بها موظفين مدنيين من موظفي الجامعة، وجاءت أحداث مايو 1971 التي عرفت باسم ثورة التصحيح لتربك الاتحاد الاشتراكي العربي وتخفف من قبضته على العمل الطلابي، فأتت انتخابات اتحادات الطلاب في العام الدراسي 71/1972 بعناصر مستقلة، بل ومعارضة للنظام في بعض الكليات، وطرحت في الانتخابات الطلابية لعامين متواليين شعارات سياسية كانت قد غابت عن الجامعة لسنوات طويلة، وكان عام 71/1972 بداية لموجة جديدة في الحركة الطلابية المصرية استمرت على مدار عامين دراسيين، وامتدت آثارها حتى عام 1977.
 وتركزت مطالب تلك الحركة على قضيتين: الديمقراطية وإنهاء حالة اللا سلم واللا حرب التي عاشتها مصر منذ قبِول عبد الناصر لمبادرة روجرز، واستقطبت الحركة الطلابية كل القوى الحية في المجتمع، كذلك عرفت تلك السنوات تصاعد للحركة العمالية أعاد إلى الأذهان السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية والتي تشكلت فيها اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، خاصة أن قيادة الحركة الطلابية في مطلع السبعينيات قد انعقدت لجيل جديد من اليسار المصري كان محملًا برؤى وطنية وديمقراطية جذرية.
  كان العام الدراسي قد بدأ باعتصام طلاب كلية الطب البيطري بجامعة القاهرة، وكان موضوع الاعتصام بدل العدوى للأطباء البيطريين. لقد بدأت الحركة في أواخر عام 1971 من خلال مجلات الحائط التي ابتكرتها الحركة الطلابية في تلك المرحلة، ومن خلال حلقات النقاش والاجتماعات، ومن خلال نشاط الأسر والجماعات الطلابية التي أصبحت ظاهرة في تلك المرحلة، وكان من أبرزها جماعة أنصار الثورة الفلسطينية بكلية الهندسة وأسرة مصر بكلية الآداب وأسرة عبد الحكم الجراحي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
 أما الانتفاضة السياسية الواسعة فقد بدأت في يناير 1972، وكان السبب الذي فجر الأحداث خطاب الضباب الشهير للرئيس السادات، الذي أعلن فيه تأجيل عام الحسم (عام 1971) بسبب "الضباب السياسي" الذي تسببت فيه الحرب الهندية الباكستانية، شكل الطلاب لجان وطنية على مستوى الكليات والجامعات ثم لجنة وطنية عليا لقيادة عملهم، ورفع الطلاب شعارًا سياسيًا واضحًا لحركتهم، وكان شعارهم الذي تختتم به البيانات السياسية "كل الديمقراطية للشعب... كل التفاني للوطن"، وقد خرج الشعار من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وفقًا لرواية الدكتور أحمد عبد الله في كتابه الطلبة والسياسة في مصر، وأحمد عبد الله شاهد عيان على الأحداث؛ بل هو أحد صناعها البارزين فقد كان الرئيس المنتخب للجنة الوطنية العليا للطلاب.
 وتوالت المؤتمرات السياسية داخل الجامعات طوال شهر يناير 1972 انتهت باعتصامات طلابية، وتوجه وفد من الطلاب إلى مجلس الشعب، وبعد أن تم الاتفاق على نشر بيان الطلاب في الصحف بعد إدخال بعض التعديلات عليه، تراجع النظام ولم يعد يصبر على الطلاب، فاقتحمت قوات الأمن الجامعات واعتقلت الطلاب المعتصمين، فخرجت المظاهرات إلى الشوارع واحتل الطلاب ميدان التحرير في مشهد لم تعرفه مصر لسنوات طويلة، إنه المشهد الذي خلده الشاعر الكبير أمل دنقل بقصيدته الكعكة الحجرية إشارة إلى قاعدة التمثال الجرانيتية الخالية التي ظلت تميز الميدان، وأزيلت أثناء أعمال الحفر لمشروع الخط الأول لمترو الأنفاق، ولم تعد إلى الآن.
 الدستور 18 يونيو 2008


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق