الأحد، 16 يوليو 2017

إنعاش ذاكرة المصريين... من أرشيف مقالاتي

مخربشات
إنعاش ذاكرة المصريين
عماد أبو غازي
 يمكن أن يفقد إنسان الذاكرة، لكن هل يمكن أن تفقد الشعوب الذاكرة؟  قفز هذا السؤال إلى ذهني وأنا في طريق إلى الإسكندرية للحديث في محاضرة في إطار البرنامج الثقافي لجماعة تحوتي موضوعها "إنعاش ذاكرة المصريين"، فاتخذت السؤال مدخلًا لمحاضرتي، جر السؤال أسئلة، فلو فكرنا في غياب وعى الشعوب بتاريخها، يضعنا ذلك أمام قضية أخرى فأي ذاكرة تحتاج إلى أن تقوم الشعوب بإنعاشها؟ وإذا تحدثنا عن إنعاش الذاكرة في مصر فأي ذاكرة تلك التي نحتاج إلى إنعاشها؟ فمصر بلد يمتد تاريخها لآلاف السنين في الماضي، فأي لحظة من هذا التاريخ نريد أن ننعشها؟ وهل معني إنعاش الذاكرة هو الوقوف بالتاريخ في لحظة معينة؟ ألا يعد ذلك جمودًا مضادًا للتغير التغيير الذي يعد سمة أساسية من سمات التطور البشري وسنة من سنن الحياة؟  لكن هل كل تغير فعل إيجابي؟ أم من الممكن أن يكون التغيير فعل سلبي؟  معني إنعاش ذاكرة المصريين أن هناك جزء من الذاكرة الإيجابية غاب ونريد أن نقوم بإنعاشه، وعند التفكير في هذه التساؤلات تولد لدي سؤال جديد، هل لنا نحن المصريين ذاكرة واحدة جمعية أم لنا ذاكرات متعددة؟ أتصور أن حالة الاستقطاب الفكري في مجتمعاتنا جعلت لنا ذاكرات متعددة، وقد يكون هذا الجزء الذي نريد إنعاشه في الذاكرة المصرية، والذي نعتقد أنه إيجابي، سلبيًا في اعتقاد بعض المشتركين معنا في الوطن.
 الحضارة المصرية عاصرت تغيرات كثيرة... غزوات واحتلال ونضال... ومع ذلك وفي ضوء قراءة التاريخ احتفظت مصر بسمات لم تتغير طوال تاريخها إلا في السنوات الأخيرة، حيث بدأت تغيب عنها بعض سماتها الإيجابية.
وأهم هذه سمات:
 قبول الآخر طالما لا يحاول هذا الآخر فرض نفسه أو محو وطمس الشخصية المصرية.
 والسمة الثانية من سمات الثقافة المصرية هي التعددية الثقافية والدينية، والتعددية الدينية لا تعنى آلهة متعددة فقط وإنما تعدد المعتقدات الدينية وتعايشها معا. ومحاولة اخناتون لفرض ديانة واحدة على المجتمع كانت فاشلة بسبب رفض المصريين لها. 
أما السمة الثالثة فهي سمة التجاور في الثقافة، فلا يوجد لدينا تراكم وإنما تتجاور الأشياء بعضها إلى جانب بعض، فنحن لا نتخلص أبدًا من القديم وإنما نضع الجديد بجوار القديم بدون تطاحن، يعني ثقافة كراكيب. 
 هناك كذلك القدرة على الاستيعاب والهضم سمة ظاهرة عبر عصور حضارتنا، فالمصري يستوعب كل ما يستجد عليه ويقوم بتطوير ما قام باستيعابه وإدخاله داخل إطار ثقافته، سواء كان ذلك في اللغة أو في التقنيات، مثل ما فعل المصريين مع أحرف الكتابة اليونانية التي كتبوا بها اللغة المصرية في مرحلتها القبطية، ومثلما حدث بعدما شاهدوا العجلات الحربية والحصان مع الهكسوس فقاموا بتطوير هذه الآلة وتطوير الجيش المصري الذي كان تكوينه الأساسي من المشاة، وتم تحرير مصر من الهكسوس باستخدام هذه العجلات الحربية والحصان، وخرج المصريون بالآلة الحربية الجديدة إلي حدود أوسع، كذلك كان المصريون يستعملون الشادوف لرفع مياه النيل وقد تحولوا إلي الطنبور ثم الساقية بعد احتكاكهم بشعوب أخرى.
  من سمات الثقافة المصرية عبر العصور أنها كانت ثقافة عمل وإتقان فالمصري القديم كان يعشق العمل، وكانت كل أفكار المصري عن الجنة أنها تلك الحقول التي يعمل بها في الدنيا. 
وبقدر ما كانت ثقافتنا ثقافة عمل فهي ثقافة مرح وبهجة ومتعـــة، فليس هناك مناسبة إلا ويحولها المصريين إلي عيد فقد ارتبطت أعمال المصريين بأعيادهم والتي كان معظمها مرتبط بنهر النيل، ومعظم الحكام الذين نجحوا في الاقتراب من قلب الشعب المصري هم الذين استطاعوا أن يلتقطوا هذه السمة، وأبرز مثل لذلك الفاطميين الذين جاءوا غزاة من المغرب وأقاموا مقر دولتهم في مصر، واهتمام الفاطميون بالاحتفالات الخاصة بالمصريين سواء كانت دينية مسيحية أو يهودية أو مصرية قديمة كانت أحد الأسباب التي جعلت المصريون متعلقون بالدولة الفاطمية.
 الثقافة المصرية ثقافة حياة فحضارة المصريين ليست حضارة موت ولكنها حضارة حياة... لأن اهتمام المصري بالموت وبناء الأهرام والأضرحة والقباب كان رفضًا لفكرة الموت وإيمانًا بالبعث.
  وهي ثقافة مقاومة وكفاح عكس المقولة الشائعة بأن المصريين شعب خانع يقبل الحاكم أيًا كان ويرضي بالأمر الواقع، فالقارئ للتاريخ المصري بتمعن يكتشف روح المقاومة المستمرة والمتواصلة التي تشتعل بين حين وحين، فروح المقاومة والكفاح ضد المحتل الأجنبي موجودة دائما لدي المصري، واجه الهكسوس والآشوريين والفرس والمقدونيين ثم الرومان والبيزنطيين فالعرب فالعثمانيين. فإن كان المصري بطبيعته يميل إلى السكون والاستقرار والسلام إلا أنه عندما يقهر يواجه ويرفض ويتمرد حتى يسترد حقوقه، وفي المائتي سنة الأخيرة من تاريخ مصر ومنذ ثورة المصريين علي مراد بك وإبراهيم بك سنة 1795 تركز نضال الشعب المصري حول هدفين: المشاركة في الحكم (الديمقراطية) والاستقلال الوطني أي حكم الشعب نفسه بنفسه فالثقافة المصرية عكس ما يشاع دائمًا عنها، فهي ثقافة مقاومة.
وقد بدأنا نفقد جزء من سمات الثقافة المصرية، فمتي بدأنا نفقدها؟
الدستور 27 فبراير 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق