الأحد، 16 يوليو 2017

"مصريون" من أجل التمييز الديني... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات
"مصريون" من أجل التمييز الديني
عماد أبو غازي
 منذ حوالي عامين تفجرت أحداث طائفية بمدينة الإسكندرية، دفعت هذه الأحداث مجموعة من المثقفين المصريين إلى الدعوة لتأسيس مجموعة باسم "مسلمون ضد التمييز الديني"، للتعبير عن رفض كل السلوكيات التي تعتمد على التمييز الديني والتي تقود المجتمع المصري نحو هاوية الطائفية، وشارك في التوقيع على البيان التأسيسي للمجموعة قرابة مائتي شخص، وقد تمت الدعوة التأسيسية عبر الإنترنت، وجاء في البيان التأسيسي "نعلن نحن المسلمين الموقعين أدناه أننا سئمنا أن يتحدث باسم الإسلام الجهلاء والمتعصبون والقتلة والسفاحون... نعلن أن كافة أشكال التمييز ضد غير المسلمين هي أفعال ضد الدين والوطن ولا يقبلها العقل السليم، لذا فإننا نرفضها وسنقاومها بكافة الوسائل المشروعة".
 لقد صدر هذا البيان في 30 أبريل 2006، وبعد أقل من أربعة شهور تحولت المجموعة من "مسلمون ضد التمييز الديني"، إلى "مصريون ضد التمييز الديني"، فوحدة الوطن قضيتنا جميعًا، قضية كل المصريين باختلاف أديانهم وعقائدهم، وصدر في أغسطس عام 2006 بيان تأسيسي جديد يحمل اسم "مصريون ضد التمييز الديني" جاء فيه: "إدراكًا منا نحن المصريين الموقعين أدناه على تنوع واختلاف خلفياتنا الدينية والسياسية والعرقية والاجتماعية أنه رغم وجود أشكال وممارسات عديدة للتمييز بين المواطنيين ـ خاصة الفقراء منهم ـ في التعليم والعلاج والإسكان، وانعدام الفرص المتكافئة في الحصول على عمل للشباب في غيبة النفوذ والثروة، والتمييز ضد النساء والمعارضيين السياسيين وبعض الفئات والعناصر الوطنية التي طال تجاهلها وتهميشها، إلا أن أخطر أنواع التمييز على مستقبل مصر هو التمييز الديني، لأنه يشطر المجتمع، ويكرس ثقافة الفرز ثم العزل ثم القطع والبتر الكامل مما يقوض دعائم الوطن والمواطنة ويعصف بأسس التقدم الحقيقي التي ترسخت عبر التاريخ".
 كان من المتصور أن تلقى الأهداف النبيلة لهذه المجموعة تأييدًا واسعًا وترحيبًا من المجتمع، لكن الهجوم بدأ سريعًا على المجموعة من أنصار التمييز الديني ودعاته، جاء الهجوم على صفحات الصحف ومواقع الإنترنت، فأصدرت المجموعة في 14 سبتمبر 2006 بيانًا إلى الرأي العام لترد فيه على الهجمات التي تعرضت لها، مؤكدة أن هدفها وما يجمع أعضائها تصديهم للتمييز الديني في مصر باعتباره خطرًا حاليًا يهدد الوطن، وأكد البيان على تبني المجموعة لمبدأ حرية العقيدة  ومبدأ المساواة بين الناس كافة وعدم التمييز بينهم على أساس الدين أو العنصر، كذلك أكد البيان على أن المجموعة ضد الصهيونية باعتبارها شكلًا من أشكال العنصرية، وضد أية دولة تقوم على أساس الدين.
 وعلى مدار عامين اتسعت المجموعة واتخذت مواقف متعددة في قضايا التمييز الديني من بينها: الرد على ما ورد في خطاب البابا بندكت السادس عشر الشهير في صيف 2006 من خلال رسالة مفتوحة تم تسليم نسخة منها إلى سفارة حاضرة الفاتيكان بالقاهرة، والبيان الذي أصدرته المجموعة حول التعديلات الدستورية الأخيرة والذي دعا إلى تعديل المادة الثانية من الدستور، وإدانة الاستبعاد من الوظائف العامة على أساس ديني، والدعوة إلى تعديل القوانين التي تتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين وتؤدي إلى التمييز الديني وتحرم العائدين إلى المسيحية والبهائيين من استخراج أوراق رسمية تحمل ديانتهم التي يعتقدون فيها، كما أصدرت المجموعة بيانات حول الحملة الطائفية التي تعرض لها المهندس نجيب ساويرس، وأحداث أسنا، وعدد آخر من قضايا التمييز الديني التي شغلت الرأي العام في الفترة الأخيرة.
 ومنذ شهور بدأت المجموعة تعد لعقد لعقد المؤتمر الوطني الأول لمناهضة التمييز الديني في مصر، لتخرج المجموعة من المجال الواقع الافتراضي على الإنترنت إلى الواقع الفعلي بعد عامين على تأسيسها، وقد أكد البيان الصحفي للإعلان عن المؤتمر أن المؤتمر الذي ينعقد تحت شعار "مصر لكل المصريين" لن يناقش العقائد الدينية لأنه معني بحرية الاعتقاد والقضاء على  التمييز الديني والفرز الطائفي ويهدف إلى: بلورة مفهوم واضح لا لبس فيه للمقصود بالتمييز الديني، ومظاهر وجوده، وتحديد حجم ومخاطر الفرز الطائفي والديني وما ينتج عنه من تمزيق للوطن، كما يهدف إلى تدعيم تماسك وترابط المجتمع المصري بتعميق التضامن والتماسك بين مكوناته، وتدعيم الولاء للوطن وترسيخ مبدأ المواطنة، ويسعى إلى خلق جبهة واسعة من منظمات المجتمع المدني المناهضة للتمييز الديني، والوصول إلى آليات عملية شعبية لمناهضته.
وقد تناول المؤتمر الذي انعقد يومي 11 و12 أبريل خمسة محاور: المحور الأول التمييز القانوني والدستوري، والثاني التمييز في المجال العام، أما المحور الثالث فدار التمييز في التعليم والإعلام والتوظف، والمحور الرابع تناول موقف الأحزاب والقوى السياسية من التمييز الديني، أما المحور الخامس فكان محاولة لاقتراح الحلول المستقبلية الممكنة للتمييز الطائفي في مصر.
 كان مقررًا أن ينعقد المؤتمر في نقابة الصحفيين لكن مجموعة صغيرة من أعضاء مجلس النقابة وبعض الصحفيين احتلت مبنى النقابة لمنع عقد المؤتمر بدعوى أنه مؤتمر للبهائيين وأقباط المهجر، والمؤتمر في حقيقته ليس مؤتمرًا دينيًا، بل مؤتمرًا لمناهضة التمييز على أساس الدين، يشارك فيه مصريون باختلاف أديانهم وعقائدهم: مسلمون... مسيحيون... بهائيون... ما يجمعهم أنهم مصريون يرفضون تقسيم الوطن على أساس ديني، يرون أن ما يجمع أبناء مصر المواطنة، ويسعون إلى إنهاء كافة أشكال التمييز على أساس العقيدة الدينية مستندين إلى الدستور والمواثيق الدولية التي وقعت مصر عليها وتلتزم بها.
 لقد نجحت مجموعة "مصريون من أجل التمييز الديني في منع عقد المؤتمر بنقابة الصحفيين، لكنها لم تنجح في منعه من الانعقاد، فقد استضاف حزب التجمع برحابة فعاليات المؤتمر على مدى يومين، وحضر مئات من المناهضين للتمييز تلك الفعاليات وتحاوروا وتفاعلوا، وكان المؤتمر نقطة انطلاق جديدة لمجموعة مصريون ضد التمييز الديني، فتحية لنقيب الصحفيين الذي حاول التصدي لمن استولوا على النقابة وتحية لحزب التجمع الذي استضاف المؤتمر وتحية للدكتور محمد منير مجاهد الذي لعب الدور الأكبر في نجاح مجموعة مصريون ضد التمييز الديني.

الدستور أبريل 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق