الخميس، 6 يوليو 2017

سنوات التأسيس... من أرشيف مقالاتي القديمة

مخربشات 
سنوات التأسيس
عماد أبو غازي
 احتاج الأمر لعامين وعدة أسابيع بين أول اجتماع للجنة التأسيسية للجامعة وافتتاح الجامعة للدراسة، لقد استمرت اللجنة في عملها من أجل إنشاء الجامعة وتلقت الدعم المعنوي من الصحافة الوطنية، وتلقت الدعم المادي من قطاعات متزايدة من المصريين، حتى كان شهر ديسمبر من عام 1907، عندها وافق الخديوي عباس حلمي على أن يتولى الأمير أحمد فؤاد رئاسة لجنة تأسيس الجامعة المصرية.


 وفي عام 1908 تسارعت الجهود من أجل افتتاح الجامعة المصرية، فاجتمعت اللجنة الدائمة في 20 مايو لتضع اللائحة الداخلية لتنظيم شئون الجامعة وتقرير رسالتها وبيان أهدافها والتي جاء فيها:
 "الغرض من إنشاء هذه الجامعة هو ترقية مدارك وأخلاق المصريين على اختلاف أديانهم وذلك بنشر الآداب والعلوم... وستكون اللغة العربية دون سواها هي لغة التعليم في الجامعة، لتكون واسطة لنشر المعارف وترقية العلوم بين الناطقين بالضاد، ولكي ترقى اللغة العربية نفسها بهذه الوسيلة"...
  وتم تشكيل مجلس إدارة جديد للجامعة برئاسة الأمير أحمد فؤاد ضم بعض دعاة المشروع إلى جانب عدد من رجال التعليم والعلماء المرشحين للتدريس في الجامعة.


 ولكي يستكمل مشروع إنشاء الجامعة شكله القانوني قرر مجلس إدارته إخطار الحكومة المصرية بالمشروع وقرب ظهوره إلى حيز الوجود، وذلك من خلال خطاب موجه إلى رئيس النظار وناظر الداخلية، جاء فيه: 
 "وجدت في البلاد حركة فكرية عمومية لتأسيس جامعة مصرية وتشكلت لجنة لجمع اكتتابات ويسرني أن أعلن لعطوفتكم بأنه قد تم بفضل الله تأسيس هذا المعهد العلمي، وقد وضع للجامعة قانون كامل بانتظام أعمالها ودوام بقائها.. على أن الجامعة المصرية من الأعمال ذات النفع العام نظرًا للقاعدة الكبيرة التي تنشأ عن ذلك المعهد الجديد والخدمة عظيمة الشأن التي سيقوم بها للبلاد.."
 وفي 21 ديسمبر سنة 1908 افتتحت الجامعة المصرية وبدأت بدراسة التاريخ والآداب، وبدأت الجامعة المصرية نشاطها العلمي لأول مرة، بعد حفل افتتاح رسمي أقيم بقاعة مجلس شورى القوانين.


 وقد حضر الافتتاح الخديوي عباس حلمي وألقى فيه كلمة، كما تحدث في الحفل الأمير أحمد فؤاد رئيس الجامعة، وأحمد زكى باشا سكرتير عام الجامعة، وعبد الخالق باشا ثروت عضو مجلس إدارتها.
 وكانت خطبة عبد الخالق باشا ثروت في حفل الافتتاح ذات دلالة موضوعية إذ تحدث فيها عن أهمية اشتراك الأمة مع الحكومة في تأسيس الجامعة، كما ذكر أسباب تقدم التعليم في البلدان الأخرى وأرجعها إلى قيام الجمعيات بتأسيس دور العلم، وأشار إلى أن التدريس في الجامعة باللغة العربية، وإلى أهمية إرسال البعثات إلى الخارج حتى يقوم أعضاؤها بعد عودتهم بالتدريس في الجامعة، وقد وصف سعد زغلول في مذكراته كلمة عبد الخالق باشا ثروت بأنها كانت أفضل الكلمات التي ألقيت في الحفل.
ولم يكن للجامعة في أيامها الأولى مقر، فكانت المحاضرات تلقى في القاعات العامة مثل قاعة مجلس شورى القوانين، ونادي المدارس العليا ودار الجريدة، ويعلن عن أماكنها ومواعيدها يوميًا في الصحف، واستمر الحال على ذلك إلى أن نجحت إدارة الجامعة في استئجار سراي جانكليس التي تشغلها الجامعة الأمريكية الآن لتكون مقرًا للدراسة مقابل إيجار سنوي قدره أربعمائة جنيه.
وفي عام 1914 بدأت الجامعة تعاني من أزمة مالية أدت إلى طرد الجامعة من مقرها في قصر جانكليس لعجزها عن سداد زيادة الإيجار التي طلبها أصحابه.
 إلا أن المشروع لم يتوقف فقد مدت الأميرة فاطمة إسماعيل ابنة الخديوي إسماعيل يدها إلى الجامعة، فوقفت عليها أكثر من ستمائة فدان من أجود أراضى الدقهلية، ووهبتها قطعة أرض مساحتها ستة أفدنة بالجيزة لإنشاء دار جديدة للجامعة، ولم تقف هبات الأميرة فاطمة عند هذا الحد، بل تبرعت بجواهر وحلى قيمتها ثمانية عشر ألف جنيه لينفق ثمنها في إقامة مبنى جديد للجامعة، وانضم الأمير يوسف كمال إلي قائمة المتبرعين، وكانت له جهوده المشهورة في خدمة البحث العلمي والتعليم، فهو الذي دعم الجمعية الجغرافية المصرية، وهو الذي أسس مدرسة الفنون الجميلة في مصر، لقد تبرع الأمير بمبلغ من المال، وأوقف مئة وخمسة وعشرين فداناً من أراضيه في محافظة القليوبية على مصالح الجامعة المصرية.


 وفي 30 مارس سنة 1914 احتُفِل بوضع حجر الأساس لمباني الجامعة الجديدة في الجيزة، وألقى حسين رشدي باشا الذي حل محل الأمير أحمد فؤاد في رئاسة الجامعة خطبة جاء فيها:
"بالجانب الشرقي من القاهرة، قام الجامع الأزهر منذ ألف عام بالتقريب. فكانت منارته الشامخة ترسل البعثات إلى جميع الأرجاء، لتخليد علوم العرب وحضارة الإسلام، وها هي الجامعة الحديثة، ستقوم في هذا الزمان على الجانب الغربي من المدينة لنشر الآداب العربية، مرتبطة بالمعارف الغربية وهذان الصنوان سيتعاونان منذ الآن، على إرسال الأنوار على ضفتي النيل السعيد ـ من اليمين ومن اليسار ـ مما يعود على أهل الوادي بتمام النفع وكمال الفخار".


 ورغم بوادر انفراج الأزمة إلا أن اشتعال الحرب العالمية الأولى في أواخر سنة 1914 زاد من تعقد الأمور، فتعثر الموقف المالي للجامعة مرة أخرى، وظلت الأمور تتراوح بين أزمة وانفراج إلى أن قررت الجمعية العمومية للجامعة في مطلع العشرينيات دمجها في الجامعة الحكومية التي أعلنت الدولة عن عزمها على تأسيسها، وبهذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ التعليم الجامعي في مصر.
 ورغم الأزمات التي تعرضت لها الجامعة المصرية الأولى منذ بدأت نشاطها العلمي والتعليمي في 21 ديسمبر 1908 حتى تشكيل لجنة تسليمها لوزارة المعارف في 12 ديسمبر 1923 إلا أنها حققت إنجازات لا يستهان بها.
 لكن أهم هذه الإنجازات على الإطلاق، كان إثبات قدرة المصريين على الالتفاف حول المشروعات القومية ونجاحهم في تأسيسها بالجهود الأهلية.  لقد كان مجرد تأسيس جامعة مصرية يشكل تحديًا كبيرًا لقوى مختلفة في المجتمع تقف في وجه التقدم بالإضافة إلى ما شكله من تحدي لسلطات الاحتلال البريطاني، وقد نجحت تجربة التأسيس بغض النظر عنما حدث بعد ذلك طوال مئة عام!
الدستور ديسمبر 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق